كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
قبل أيام على وصول مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايزر الى بيروت، رفع “حزب الله” لهجته رفضاً للقانون الأميركي الذي يستهدفه عبر كتلته النيابية ووزيريه في الحكومة، ما طرح أسئلة حول قدرة الحزب على المواجهة وعرقلة تنفيذ هذا القانون وانعكاسات ذلك على الوضع المصرفي. وبناءً عليه، ما هي سقوف المواجهة؟
على وقع التّحضيرات الجارية في مصرف لبنان وعلى مستوى القطاع المصرفي استعداداً لزيارة غلايزر لبيروت لمتابعة القرارات الخاصة بتجفيف مصادر تمويل “داعش” و”حزب الله”، توقفت مراجع مصرفية ومالية أمام مواقف “الحزب” في الساعات الماضية على المستويين النيابي والحكومي في وجه أركان القطاع المالي والمصرفي، بدءاً برأس الهرم المتمثل بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، واتهامه بـ”الانصياع غير المبرّر لسلطات الانتداب الأميركي النقدي”، والتأسيس لـ”حرب إلغاء محلية” و”إعادة النظر في تعاميمه الأخيرة لتتوافق مع السيادة الوطنية…”.
وعندما توقفت مصادر مالية ومصرفية امام شكل ومضمون هذه المواقف، قادها التدقيق فيها الى قراءتين الاولى سياسية والثانية مالية ومصرفية.
على المستوى السياسي رأت هذه المصادر أنّ الهجوم الجديد بما حمله من غضب ليس له ما يُبرّره سوى:
– الإعتراف المبكر بالحصار المطبق على “الحزب” الذي تسبّبت به الإجراءات التي اطلقتها وزارة الخزانة الأميركية وألزمت بها – كما في كل القوانين السابقة – مختلف القطاعات المصرفية في العالم، ولبنان من أصغر الدول التي ستطبقّها وهو مضطر للعمل بموجبها حفاظاً على موقعه المصرفي وضمان استمرار وجوده في النظام العالمي المصرفي.
– ليس في هذا التوصيف أمر جديد. فقيادة “حزب الله” وما لديها من خبراء ماليين يدركون هذه الوقائع. وسبق لها أن طمأنت أركان القطاع المصرفي قبل أشهر الى أنّ هذا القطاع هو “العمود الثاني الحامي للبنان بعد المؤسسة العسكرية في البلاد”. ونُقل يومها عن أحد قادة الحزب الكبار ما معناه أنه “إذا كان هناك أيّ حرج في أيّ عمل يضرّ القطاع المصرفي، قوموا بواجباتكم، ولا تعطوا أيّ اعتبار آخر يسيء إلى العمل المصرفي، الذي هو ثروة لبنان واللبنانيين”.
– ليس لدى الحزب أيّ حسابات مصرفية، لا في لبنان ولا في العالم، وهو يعتمد في آليات تمويله وسائل أخرى من خارج النظام المصرفي المحلي والدولي، وأيّ قوانين من هذا النوع لا تعنيه اطلاقاً، وقد طالب يومها بـ”الرأفة” بمَن يمكن أن تطاولهم هذه الإجراءات على سبيل الكيدية والإنتقام في مجتمع متضامن مع مقاومته الى النهايات التي لا تعرفها مجتمعات أخرى. وهو ما لفتت اليه إجراءات مصرف لبنان لئلّا يظلم أيّ لبناني. فأقرّت لهذه الغاية سلة من التدابير الإدارية والمالية بدقة متناهية لا يرقى اليها الشك.
أما على المستوى المالي والمصرفي، فقد لفتت المصادر الى بيانات “الحزب” ولا سيما منها ما تضمّنه بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” من إشارة الى “احتمال تفاقم الأزمة النقدية لتدفع البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين وبين المصارف”، والحديث عن تعرّض البلاد “لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء”، فرأت في هذه العبارات “تعبيراً واضحاً عن عدم معرفة دقيقة بعمل القطاع المصرفي وآلياته وقدراته المالية التي لا تؤشر الى مثل هذه الإحتمالات الكارثية”.
ودعت المصادر معدّي البيان الى إعادة النظر في مضمونه لأنّ الإجراءات المتخذة “لا تطاول سوى شريحة محدودة من اللبنانيين”، والحديث عن أنّ “المواطنين الشيعة هم المستهدفون”، “غير صحيح إطلاقاً”.
وبناءً عليه، “لن تكون هناك أيّ ازمة نقدية أو انهيار محتمل للقطاع المصرفي ولا تأثيرات سلبية على القدرة الشرائية لليرة ومعدلات اسعار العملات الأجنبية، ولن تكون هناك أيّ قطيعة مع المصارف لما لها من ارتدادات على أصحاب الأموال والمودعين الشيعة وغير الشيعة قبل غيرهم من المعنيين بهذا القطاع”.
أما، وبعيداً من هذه الملاحظات، فقد رأت المصادر أنّ أصعب ما في موقف “حزب الله” دعوته الى إعادة النظر في التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان، نظراً الى إستحالة هذه الخطوة أيّاً كانت المحاذير. فالأمر غير مطروح إطلاقاً وليس هناك مجال للنقاش فيه.
ومردّ ذلك، في رأي المصادر، الى أنّ للبنان خبرة واسعة وقديمة في هذا المجال، وهو محتاط لهذه الحالات بقوانين سبقت الإجراءات الأميركية بكثير.
إذ إنّ “حزب الله” مدرج منذ سنوات على “اللائحة الأميركية السوداء”، أضف الى ذلك أنّ هناك آليات غير معلنة للتعامل مع “الأموال الوسخة”، وهو حذر في التعاطي مع دول وهيئات كثيرة في أكثر من قارة في العالم كما في افريقيا وبعض دول اميركا اللاتينية التي يمكن أن تشكّل مصدر قلق على سلامة ونظافة الأموال والحسابات المصرفية ووسائل نقل الأموال عبر الحدود، وسبق للمجلس النيابي أن أقرّ قوانين جديدة بهذا المعنى في جلسة “تشريع الضرورة” بإجماع لبناني لافت، وهو ما يدركه القاصي والداني.