IMLebanon

البنية التحتية المتهالكة تكلف الاقتصاد الأمريكي 4 تريليونات دولار

جسر ميموريال في واشنطن الذي ربما يتعين إغلاقه أمام حركة المرور في وقت مبكر من العقد المقبل
جسر ميموريال في واشنطن الذي ربما يتعين إغلاقه أمام حركة المرور في وقت مبكر من العقد المقبل

سام فليمنج

درو جالاوي يختار طريقه ضمن ممرات “محطة بنسلفانيا” القذرة والفوضوية في نيويورك، وهو يصيح وسط ضجيج القطارات الواصلة بين المدن والضواحي. التراث الذي خلفته الأضرار الناجمة عن الفيضانات في نفقين من أنفاق السكك الحديدية التي تربط مانهاتن بولاية نيو جيرزي، إلى جانب الطلب القياسي على نقل الركاب، يفرض ضغطا متزايدا على محطة السكك الحديدية الأكثر ازدحاما في أمريكا.

في نهاية المطاف، يقول جالاوي، كبير المخططين للممر الشمالي الشرقي التابع لشركة أمتراك، إن الأنفاق يجب أن تكون مغلقة ويتم تجديدها بسبب التآكل، الأمر الذي يحتمل أن يلقي هذا الشريان الحيوي من الناحية الاقتصادية في أزمة.

يقول جالاوي: “نحن في سباق لتركيب الأنفاق الجديدة والانتهاء منها قبل أن نرى بعض الاضطرابات الكبيرة جدا تحدث هنا”، وذلك خلال معاينة شبكة خطوط السكك الحديدية الجوفية التي تعمل تحت المحطة التي وفقا لشركة أمتراك، تخدم 600 ألف راكب يوميا.

هذا المشروع الذي تم تأجيله بسبب مناوشات سياسية، ولأنه لا يزال يعاني شكوك التمويل، والذي هو لدعم الخدمات إلى مانهاتن من خلال حفر نفقين جديدين تحت نهر هدسون، اتخذ خطوة إلى الأمام في نهاية العام الماضي في الوقت الذي أيد فيه زعماء الولاية والمسؤولون الفيدراليون خطة جديدة.

مع ذلك، هناك مسافة شاقة للغاية أمام مشروع يمكن القول إنه أكثر مشاريع النقل حساسية من الناحية الاقتصادية في الولايات المتحدة – الذي هو خطة بتكلفة تتجاوز 7.5 مليار دولار تعتبر الأهم بالنسبة لركاب نيويورك وخدمات السكك الحديدية على حد سواء في جميع أنحاء الشمال الشرقي البلاد.

يأتي ذلك وسط تزايد الاستياء العام إزاء تدهور وضع مساحات كبيرة من البنية التحتية، والغضب من جانبي الطيف السياسي بسبب الحملة الانتخابية الرئاسية. انهيارات الجسور، وحوادث خروج القطارات عن القضبان، والحرائق، وعمليات إيقاف تشغيل مترو واشنطن العاصمة، والجفاف في الغرب، وفضيحة تلوث المياه بالرصاص المروعة في ميشيغان، أبرزت تركة ناتجة عن عقود من نقص التمويل وسوء الإدارة والإهمال.

الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين توقعت الأسبوع الماضي فجوة في التمويل الاستثماري تصل إلى 1.44 تريليون دولار بين عامي 2016 و2025، محذرة من أنها تلقي بثقلها بشكل متزايد على النشاط التجاري والصادرات والدخول.

السياسيون يطالبون باتخاذ الإجراءات اللازمة. هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية الأبرز، طالبت بموجة إنفاق قوية تصل إلى 275 مليار دولار، بما في ذلك إنشاء بنك للبنية التحتية، مذكرة بأمجاد الماضي مثل نظام الطرق السريعة بين الولايات، وسد هوفر. أما دونالد ترامب، المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض، فهو يخالف العقيدة المناهضة للإنفاق داخل الحزب، من خلال وعده بتطبيق برامج رئيسة تهدف إلى تجديد البنية التحتية وإيجاد فرص عمل – وإن كان ذلك دون طرح أي تفاصيل حول كيفية توفير تكاليفها.

دون جراحة جذرية، فإن التلف الذي تتعرض له الأنفاق والسكك الحديدية والممرات المائية سيكلف الاقتصاد الأمريكي ما يقارب أربعة تريليونات دولار هي فاقد في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، في الوقت الذي ترتفع فيه التكاليف وتتعرض الإنتاجية للإعاقة، بحسب تقديرات الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، الأمر الذي سيلقي بثقله ويجرجر الانتعاش في الناتج، الذي يعتبر الأكثر ضآلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

إدارة الرئيس باراك أوباما وبعض الولايات، التي تجد نفسها في مواجهة عدم وجود موارد عامة كافية، حاولت ملء فجوات البنية التحتية من خلال جذب الاستثمارات الخاصة، بما في ذلك من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

ورفعت عدة ولايات وبلديات ضرائب البنزين لدفع ثمن الطرق والجسور، حتى مع أن ضريبة البنزين التي هي بمثابة العمود الفقري للإنفاق على النقل في البلاد، ظلت مجمدة منذ عام 1993. ويرى كثيرون أن الانخفاض الأخير في أسعار النفط قدم اللحظة المثالية لرفع ضرائب البنزين.

وبدون حدوث تقدم كبير في واشنطن المنقسمة، يخشى بعض الخبراء من تفاقم مشكلة الاهتراء والتلف. روزابث كانتر، الأستاذة في كلية هارفارد لإدارة الأعمال، ومؤلفة كتاب “فلنتحرك”، وهو كتاب عن نقص البنية التحتية في أمريكا، تقول: “هناك الكثير الذي يعتمد على الانتخابات. نحن بحاجة إلى الإرادة السياسية”.

فرصة مهدرة

عدم كفاية البنية التحتية ليس أمرا فريدا تختص به الولايات المتحدة. في العقود الأخيرة كان الاستثمار العام عند مستويات منخفضة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات تشمل اليابان وألمانيا وفرنسا. وناشد صندوق النقد الدولي الحكومات التي لديها مساحة كبيرة للمناورة في المالية العامة أن تعمل على تخفيف القيود على الاستثمار لمكافحة النمو المتداعي.

أصبح القلق حول هذا الموضوع في الولايات المتحدة متفجرا من الناحية السياسية. اقتصاديون مثل لورانس سمَرْز، وزير الخزانة الأسبق والكاتب في “فاينانشيال تايمز”، يجادل بأن زيادة الاستثمار العام في البنية التحتية من شأنها أساسا أن تسدد تكاليفها بنفسها عن طريق تحسين النمو، لكن الجمهوريون يعترضون بقوة على هذه الفكرة، ويريدون تقليص دور الدولة في الوقت الذي يتصرفون فيه بأسلوب تهديدي بخصوص هدر الأموال العامة والدين العام البالغ 19 تريليون دولار.

وما يؤجج النقاش هو عدد من الفضائح التي تنطوي على البنية التحتية المتداعية، في الوقت الذي يزداد فيه العبء على تلك البنية بسبب عدد السكان المتوقع أن ينمو بمقدار 60 مليونا على مدى السنوات الـ 25 المقبلة. وتشتمل هذه الفضائح على تلوث مياه الشرب بالرصاص في مدينة فلينت في ولاية ميشيغان، التي تم ذكرها مرارا وتكرارا من قبل هيلاري كلينتون في الحملة الانتخابية؛ لأنها وغيرها من الديمقراطيين يتهمون الحاكم الجمهوري للولاية بإهمال المواطنين المستضعفين.

حتى في قلب واشنطن، جسر ميموريال، الذي يعتبر رابطا رمزيا يصل بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة، ربما يتعين إغلاقه أمام حركة المرور في وقت مبكر من العقد المقبل، إذا لم يتم تنفيذ إصلاحات رئيسة. وفي جميع أنحاء البلاد هناك أكثر من 61 ألف جسر اعتبرت في عام 2014 مصابة بعيوب هيكلية.

ووفقا لمجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للرئيس أوباما، كان الاستثمار الرأسمالي العام في الولايات المتحدة العام الماضي، الذي يشمل البنية التحتية، يعادل فقط 3.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي 611 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من 60 عاما.

في البيت الأبيض، عدم القدرة على بذل المزيد من الجهد لتحسين الطرق والجسور وغيرها من البنى التحتية، ينظر إليه وكأنه واحد من الإخفاقات الرئيسة في السياسة منذ بداية الأزمة. وفي الشهر الماضي، اشتكى أوباما من عدم وجود برنامج رئيس للبنية التحتية من عام 2012 إلى 2014، عندما كانت تكاليف الاقتراض منخفضة، وكان قطاع البناء بحاجة إلى إشغال الوظائف.

وأدرجت الإدارة ما يسمى مشاريع البنية التحتية الجاهزة في مشروع قانونها للتحفيز الذي تبلغ قيمته 800 مليار دولار بعد تولي أوباما منصبه، لكن الإنفاق كان أقل مما تدعو الحاجة إليه لإجراء الإصلاحات وتحفيز الاقتصاد.

النقاد يرون ذلك فرصة أهدرت. لكن جيسون فيرمان، رئيس المجلس، يقول إن أوباما بذل محاولات متكررة للحصول على المزيد من الأموال لوضعها في البنية التحتية، إلا أن طلبه كان يقابَل بالرفض. ويقول: “لم يكن الكونجرس مستعدا لتوسيع الاستثمار في البنية التحتية بصورة كبيرة – الأمر بهذه البساطة”.

معركة أيديولوجية

كان هناك بعض التقدم. في العام الماضي أصدر الكونجرس أول قانون فيدرالي منذ عشر سنوات ينص على تمويل طويل الأجل للطرق ووسائل النقل البري الأخرى، لكن برنامج الخمس سنوات الذي تبلغ قيمته 305 مليارات دولار اشتمل على حيل في المالية العامة، بما في ذلك غارة استثنائية شنت على الأموال المخصصة لشراء الأصول لدى الاحتياطي الفيدرالي.

ونظرا للانقسامات الأيديولوجية حول الإنفاق العام، بعض الخبراء متشائمون بشأن إحراز تقدم كبير بعد الانتخابات. يقول بيل غالستون، من معهد بروكينجز للأبحاث: “لقد كان هناك قصور استثماري عام على مستوى الولايات وعلى المستوى الفيدرالي منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولا أرى أي إمكانية مباشرة لأن يحدث تغير عكسي في هذا الأمر”. ويجادل بأن “حشد رأسمال القطاع الخاص” هو الحل الأكثر جدوى في عصر التقشف في الميزانية.

الإدارة توافق على ذلك: يقول أنتوني فوكس، وزير النقل: “نحن نرى الكثير من الإمكانات مع مبالغ كبيرة من رأس المال من القطاع الخاص على الهامش، الذي يبحث عن أماكن إنتاجية للاستثمار من جهة، وعجز في البنية التحتية الأمريكية من جهة أخرى”.

إحدى الإجابات على ذلك هي صفقات الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بحيث يوفر القطاع الخاص التمويل اللازم للبناء والصيانة في مقابل مصدر متواصل من الإيردات، الأمر الذي يحقق من الناحية النظرية جوانب من حيث التكاليف وإدارة المشاريع أفضل من أن تكون بموجب عقود القطاع العام التقليدية.

وفي العام الماضي، أنشأت الحكومة محطة تسوق واحدة للرعاة والممولين لتمهيد الطريق أمام المزيد من الصفقات المعقدة. وتم التوقيع على تغيير ضريبي ليصبح قانونا لفتح الباب أمام مزيد من الاستثمار عن طريق الأموال الأجنبية.

وتتوقع وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن تصبح الولايات المتحدة واحدة من أكبر أسواق الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وثمة مشاريع كبرى مثل إصلاح مطار لاجوارديا في نيويورك في طور الإعداد الآن، لكن في الوقت الحاضر لا تزال شراكات القطاعين العام والخاص تشكل شريحة صغيرة من كعكة البنية التحتية التي تضم فقط 60 مشروعا في مختلف أنحاء البلاد اعتبارا من 2015.

وتخلفت سوق الشراكات الأمريكية وراء كندا وبعض الدول الأوروبية؛ جزئيا لأن الحكومات المحلية كانت منذ فترة طويلة قادرة على جمع المال بسعر رخيص عن طريق السندات المعفاة من الضرائب – على الرغم من أن هذه السوق تمر الآن بمرحلة انتعاش بطيء بعد الركود الذي انتهى عام 2009. وثلث الولايات الأمريكية ليس لديها قوانين تسمح باستخدام شراكات القطاعين العام والخاص، والمتشككون يخشون من أنها يمكن أن تكون وسيلة مكلفة لتقديم الخدمات العامة إذا ما تمت هيكلتها على نحو سيئ.

تقول جين جارفي، من شركة ميرديام الاستثمارية التي تشارك في مشروع ميناء نفق ميامي وغيره من المشاريع: “إن سوق الشراكات بين القطاعين العام والخاص تعتبر وسيلة لمعالجة بعض هذه المشاريع الكبيرة والمعقدة، وسنرى المزيد من هذا”.

لكنها تقول: “إن من سوء الفهم الاعتقاد أن القطاع الخاص يمكن أن يحل المشكلة من تلقاء نفسه”. وتضيف: “ينبغي أن يكون لديك مصدر متواصل من الدخل لتسديد تكاليف المشاريع. وحود برنامج فيدرالي قوي أمر مهم”.

جريج ستانتون، رئيس بلدية فينيكس، أريزونا، يلاحظ أن كثيرا من القادة المحليين يشعرون بالملل من انتظار تحقيق انفراج في واشنطن، وبدلا من ذلك يشقون الطريق قدما بأنفسهم. ويقول إنه اتُّهِم بالجنون حين رشح نفسه لإعادة انتخابه العام الماضي على منصة شملت زيادة الضرائب لدفع ثمن الإصلاح الواسع لوسائل النقل العامة.

لكن أغلبية سكان المدينة صوتوا لمصلحة زيادة ضريبة الاستهلاك لتمويل خطة على مدى 35 عاما، بقيمة 32 مليار دولار، تتضمن مضاعفة حجم نظام السكك الحديدية الخفيفة في المدينة ثلاث مرات. وفي حين أن هناك بعض المشاركة الفيدرالية، إلا أنها تعتبر أصغر من من تلك التي في المشاريع السابقة.

وبحسب ستانتون “العلاقة بين المدن وواشنطن تعتبر متفككة إلى حد ما، ولن تعود إلى ما كانت عليه في الماضي. إذا كنا نخطط للمضي قدما كمدينة فإننا نحتاج إلى الاستثمار، ولا بد لهذا أن يأتي من أنفسنا أكثر بكثير من أن يأتي مباشرة من الحكومة الفيدرالية”.

أوقات عصيبة

منذ عام 2013 تبذل نحو 18 ولاية جهودا من أجل زيادات أو إصلاحات على ضرائب البنزين لديها لتسديد تكاليف البنية التحتية، وذلك وفقا للمعهد المعني بالضرائب والسياسة الاقتصادية. وتقول جارفي: “نحن نشهد عديدا من الولايات التي تأخذ زمام المبادرة أكثر من قبل، وهي تجد وتحدد مصادر الدخل التي تستطيع استخدامها للبنية التحتية. هذا يعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام”.

جالاوي، من أمتراك، الجالس في أعماق محطة بنسلفانيا، يرى أن الخطة الرامية إلى بناء أنفاق جديدة تحت نهر هدسون وتجديد القائم منها – التي تعتبر أساسية لإصلاح النقل الإقليمي الأوسع المسمى جيتواي – لا بد لها على الأرجح من إشراك القطاع الخاص جنبا إلى جنب مع الداعمين من الولايات والحكومة الفيدرالية. ويقول: “عندما ننظر إلى مصادر التمويل الفيدرالي يكون من الواضح للغاية أن هناك تنافسا شديدا عليها من قبل مشاريع أخرى”.

وكانت نسخة سابقة من نفق السكك الحديدية في نهر هدسون قد تم إلغاؤها من قبل كريس كريستي، حاكم ولاية نيو جيرزي، في عام 2010 – وهي خطوة مثيرة للجدل يراها كثيرون على أنها ذات دوافع سياسية. ويقول المدافعون عن المشروع الجديد إنه سيكون كارثيا إذا كانت هذه الخطة ستفشل أيضا.

بالنسبة للركاب الذين تقرقع قطاراتهم على هذا الطريق الحيوي في أكبر مدينة في أمريكا، هناك مبلغ ضخم على المحك. وكما يقول جالاوي: “ينبغي لنا أن نجد طريقة لتحقيق ذلك”.