Site icon IMLebanon

سوق النخاسة الإنتخابية! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

بعد مرور مرحلتين من الانتخابات البلدية والاختيارية، في بيروت والبقاع أولاً، ومن ثم في جبل لبنان، يمكن التأكيد أن العامل الأسوأ الذي يطبع هذه الانتخابات هي عمليات شراء الأصوات… “وعلى عينك يا تاجر”!

ربّ قائل إن الانتخابات في لبنان لطالما شهدت عمليات شراء أصوات، أكانت انتخابات بلدية واختيارية أم انتخابات نيابية، ام حتى انتخابات رئاسية، حيث كانت ذمم النواب تُشرى بالمال للتصويت لهذا المرشح أو ذاك. وهذا الكلام صحيح في الوقائع المثبتة في أرشيف السياسة والانتخابات اللبنانية. لكن ما لم يُعد مقبولاً في عصرنا هذا أن تستمر هذه الآفة بمعرفة الجميع، ومعرفة الجهات التي تدفع، وعدم القيام بأي خطوات لوقف المهزلة التي تحصل.

وفي انتخابات بلدية جونية شهدنا الوقائع الفاضحة. قبل 4 أيام من الانتخابات أعلن المرشح لرئاسة البلدية جوان حبيش، ومن على شاشة الـmtv أنه يقوم بشراء الأصوات واستقدام الباصات، في إشارة واضحة الى المجنسين. صحيح أنه اتهم اللائحة المقابلة بالقيام بذلك أيضاً، لكنّ اتهامه يبقى اتهاماً غير مثبت بحق منافسيه، أما اتهامه لنفسه فكان بمثابة اعتراف. وهذا الاعتراف اقترن بدليل حسّي واحد على الأقل، قدمه تلفزيون “الجديد” بتقرير استقصائي أثبت دفع 600 دولار مقابل الحصول على 3 أصوات للائحة جوان حبيش.

مع كل ما تقدّم لم تتحرّك الأجهزة ولا القضاء اللبناني للتحقيق مع حبيش، وذلك رغم تقديم المرشح على اللائحة المنافسة فادي فيّاض إخباراً عن “اعتراف” حبيش العلني. لا بل إن اللبنانيين تفاجأوا بإعلان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بأنه أخرج حبيش من اجتماع أمني في سراي جونية لأنه مرشح وبالتالي لا يحق له التواجد في هذا الاجتماع. والسؤال هنا: هل يحق أصلاً لأي مواطن أن يحضر اجتماعاً أمنياً في السراي إن لم يكن مرشحاً؟ وبأي حق أساساً دخل حبيش الى الاجتماع؟ ومن سهّل دخوله؟

المدعو “ريمون” الذي ضُبط بجرم دفع الأموال عبر “الجديد” قد يدفع ثمناً بسيطاً لما قام به، وقد لا يدفع أي ثمن فيتدخل أصحاب النفوذ لعدم توقيفه. لكن السؤال الأهم هو: ألا يُفترض بالأجهزة والقضاء التحقيق مع أولياء نعمة “ريمون”؟ ألم يكن “ريمون” يعمل ويرشو الموطنين ويشتري الذمم لمصلحة لائحة “كرامة جونية”؟ هل سيتم التحقيق مع هذه اللائحة بكامل أعضائها وبدءًا من رئيسها الذي اعترف بشكل مسبق بما يفعل وسيفعل؟ أم أن جوان حبيش فوق القانون والمحاسبة؟

لكن مهلاً…

ليس الموضوع هو لمحاسبة جوان حبيش. في انتخابات جبل لبنان تم دفع ملايين الدولارات، وربما عشرات الملايين لشراء الأصوات. قبلها في انتخابات زحلة ومناطق عدة شهدنا أموراً مماثلة. في عدد من المناطق كانت الرشوة تتم في العلن. جميع المواطنين يعلمون باستثناء الأجهزة المعنية!

والمشكلة في لبنان أننا نعيش في حلقة مفرغة بين راشٍ ومرتشٍ وأجهزة تتفرّج. لا لم تعد الحاجة المادية وحدها سبب قبول الكثير من المواطنين ببيع أصواتهم. إنها غياب ثقافة الممارسة الديمقراطية حتماً، كما أنه فقدان الأمل بالتغيير والمحاسبة. هكذا يصبح صوت بعض المواطنين كشرف المومسات عرضة للبيع والشراء في سوق النخاسة الانتخابية من مرشحين- “قوادين”… ولا من يحاسب!