IMLebanon

عندما ينتخب اللبناني “المأزوم”.. في كل شيء!

elections

 

كتب محمد مشموشي في صحيفة “المستقبل”:

أياً كانت التفسيرات والتحليلات في ما يخص الانتخابات البلدية، والنتائج التي ستسفر عنها في نهاية المطاف، فمما لا ريب فيه أنها تعكس مدى الاستياء الشعبي من وضع لبنان الراهن، وخصوصاً وضعه السياسي والأمني والاقتصادي – الاجتماعي خلال الأعوام العشرة الماضية. ولأن اللبنانيين لم ينسوا بعد فضيحة العجز عن معالجة مشكلة النفايات، ومعها التقنين القاسي في التيار الكهربائي، والنقص الحاد في كميات مياه الشرب والخدمة المنزلية، وتدني المستوى المعيشي للعمال والموظفين والمعلمين وباقي الفئات الشعبية المهمشة (فضلاً عن الأعداد الكبيرة من العاطلين من العمل)، فلن يكون مفاجئاً على الاطلاق أن يضعوا في أذهانهم، وتالياً في صناديق الاقتراع المفتوحة أمامهم لانتخاب المجالس البلدية، هدف البحث عن أية نافذة، قد يظنون أنها بدورها مفتوحة أمامهم، لتغيير الواقع المزري الى حد لم يعد مقبولاً لأحوالهم وأحوال بلدهم.

من الطبيعي أن يرتفع أمام عيون اللبنانيين، وهم يتوجهون لانتخاب بلدياتهم التي توصف في القانون بأنها “مجالس حكم محلي”، عجز المجلس النيابي والقوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ عامين حتى الآن، وأن يروا معه التعطيل المتعمد لعمل الحكومة ومجلس النواب والعديد من الأجهزة الادارية والرقابية وحتى القضائية، ثم لجوء المعنيين بعد ذلك كله الى ذريعة “التأجيل” في اتخاذ عدد من القرارات الملحة وملء بعض المواقع الحساسة من جهة، و”التمديد” للبعض الآخر منها من جهة ثانية، هرباً منهم من جريمة الاعتراف بهذا العجز ومسؤوليتهم المباشرة عنها.

هل نسي أحد من هؤلاء بعد التراجيديا السوداء المسماة “سلسلة الرتب والرواتب”، وزميلتها الخاصة بما بات على كل شفة ولسان بشأن “المواصفات غير المطابقة” في العديد من الأطعمة والمواد الغذائية، حتى لا نتحدث عما كشف أخيراً عن شبكات الانترنت غير الشرعي؟!.

وليس خافياً، اضافة الى ما سبق، ما بدأ يتكشف أمام الناس من فساد في مؤسسات الدولة وأجهزتها (أحد التقارير الدولية الأخيرة وضع لبنان في رأس القائمة الى جانب اليمن)، وحتى في بعض القطاع الخاص، الى درجة أن الفاسدين لم يعودوا ينكرون أفعالهم أو ينفونها، بل يلجأون فقط الى التقليل من فداحتها، من خلال نشر جداول بيانية تقارنهم مع زملائهم في “المهنة”… ولتظهرهم بنسب مئوية أدنى من غيرهم على القائمة الطويلة لتجار الهيكل في سرقة المال العام والرشوة والفساد في البلد.

أما الحديث الطائفي والمذهبي المقيت، وعلى ألسنة قيادات وأحزاب تدعي أنها تحمل لواء الدفاع عن الحقوق المغتصبة أو المغيبة، فقد بلغ مستويات لم يبلغها من قبل ولم يعرفها اللبنانيون على امتداد تاريخهم الاستقلالي وحتى ما قبله. وفي السياق، الذي ظهر فيه من يتحدث عما سمّي زوراً “القانون الأرثوذكسي” للانتخابات النيابية، كما من فضّل التضامن مع ايران على الوقوف الى جانب الاجماع العربي، لا بد أن بين اللبنانيين (في الانتخابات البلدية والاختيارية، أو في غيرها) من فكّر طويلاً في ما ستؤول اليه الحال في بلده مستقبلاًفي ضوء ما يشهده في المرحلة الحالية.

تحت هذه العناوين وغيرها الكثير، ليس غريباً أن يجد اللبناني نفسه أمام السؤال التقليدي الذي يطرح في مثل هذه الحال: هل يذهب للاقتراع أساساً؟، واذا قرر أن يذهب، فلمن يصوّت؟، واذا صوّت الى جانب هذا أو ذاك من المرشحين، فهل يتوقع تغييراً ما في وضع مدينته أو بلدته أو قريته… أو لبنان كله في النهاية؟.

الواقع الذي لا خلاف بين اللبنانيين حوله، ولا اختلاف حول ضرورة الخلاص منه، هو أن الوضع الراهن في بلدهم، السياسي والأمني والمالي والمعيشي والاقتصادي – الاجتماعي الخ…، لم يعد مقبولاً ولا حتى ممكناً تحمله لفترة زمنية طويلة أو حتى متوسطة.

وينبغي الظن أن الانتخابات البلدية والاختيارية الحالية، كما أية انتخابات أخرى (نيابية أو نقابية أو حتى مهنية أو طلابية أو نسائية أو لها علاقة بما يسمى منظمات “المجتمع المدني”) تجري عملياً من خلال هذا المنظار وليس من خلال أي منظار آخر.

وأكثر من ذلك، ينبغي القول ان ما ستنتهي اليه هذه الانتخابات، وأياً كانت النتائج في محصلتها، دليل عافية في المجتمع اللبناني… على الرغم من كل ما ألحقته به السنوات السابقة من تشوهات أو عيوب.