كتبت غراسيا بيطار الرستم في صحيفة “السفير”:
ما ان قالت صناديق جونيه وكسروان كلمتها حتى هبّت عاصفة انتقاد كبير للتحالف المسيحي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. «سقطت الثنائية المسيحية»، «اهتز تفاهم الرابية ـ معراب عند أول تجربة»، و «انتهت المسرحية العونية ـ القواتية». توصيفات وسمت مقدّمة التحليلات مع بدء نتائج الفرز. كاد أن يغيب معها الاختبار الذي أخضع له العماد ميشال عون لجسّ نبض زعامته المسيحية، وهل تزعزعت بناء على تراجع نتائج الأمس عن العام 2010 في جونيه على الأقل. أما شعارات الانماء والتطوير فقد غابت قبل ذلك بكثير، إلا من التصريحات التلفزيونية.
الثابت ان من رفض مشهدية معراب هو من سارع الى نعي «مدة صلاحيته» في الانتخابات البلدية، وربما لاحقا النيابية وصولا الى الرئاسية. حلت جونيه على هؤلاء «شحمة ع فطيرة». القوات وقفت ضد التيار في المنطقة الأكثر حساسية لعون، أو على الأقل هكذا تم تصوير «عضلات» جونيه. أخلت الساحة لـ«الكتائب» التي ملّت من التكرار بأن موقفها لا علاقة له بالسياسة، وبأن «طريق بعبدا لا تمر بجونيه». في المعلومات المتقاطعة بين القوات والتيار، أنه طرح أكثر من 15 «صيغة حل» على كل من عائلتي حبيش وأفرام واستعملت كل الوسائل الممكنة لتفادي المعركة الانتخابية والسير في مسعى توافقي، ولكن جميعها باءت بالفشل. «مكرهون» إذن توجه «الأخوة» الى حلبة الصراع. والمدافعون عن الحلف المسيحي يضيفون أكثر من ذلك: في جونيه، وجبل لبنان، ولبنان كله، لم تشأ «الثنائية» المسيحية أن تستخدم سكاكين تقطع بها شرايين عائلات وعلاقات «اولاد الضيعة». هل هذا المطلوب أساسا من التفاهم؟ يتساءل هؤلاء مقرين بالعجز في كثير من الأحيان عن ترجمة توافقات انتخابية، ولكن هذا لا يعني فشل الاتفاق المسيحي، لأنه الرابح الأكبر في انتخابات كسروان. «لقد عمدنا الى استيعاب مثل هذه الحالات الخلافية ريثما تنتهي عقدة البلديات التي تنتهي اليوم ولكن الاتفاق هو الباقي»، يقول هؤلاء. مصادر القوات تؤكد أن «تفاهم معراب أقوى بكثير من البلدية وسيبقى حصرماً في عيون من يريدون تخريبه». وتلاقيها المصادر العونية فتؤكد «اننا والقوات اتخذنا قرارا «حكيما» في الكثير من البلدات لكي لا نخسر الاحزاب والعائلات مقابل بلدية، علما ان الالتزام كان بتوصية العماد عون القائلة بمحاولة المستحيل من أجل الوفاق الذي إذا ما تعذر فلا حول ولا قوة». وهل هذا يعني أن تفاهم معراب سيبقى مثل «شيك بلا رصيد» يتبنى مثلا ترشيح الجنرال الى الرئاسة ولا يقوم بأي خطوات تمهيدية للوصول الى هذا الهدف على الأرض؟ إنه نوع من الأسئلة التي تحتاج من الطرفين الى عصف فكري واختبار جدّي.
واذا كان الرابح الأكبر بالنسبة الى هؤلاء هو «الاتفاق العوني القواتي» فإن الرابح الأكبر بالنسبة الى غيرهم هو النائب السابق منصور غانم البون الذي حقق، برأيهم، ضربة ثلاثية: نجح في تحجيم آل أفرام وآل الخازن، جس نبض شعبيته عشية الانتخابات النيابية اذا ما حصلت واستفاد من الأموال الانتخابية إذا ما صحت المعلومات التي انتشرت عن نفقات انتخابية. في الواقع، الجميع يمكن القول إنهم كانوا «على الشفرة» في جونيه. التقارب في السكورات التي أفرزتها الصناديق يشي بذلك. يتوقف البعض عند أصوات (نحو 100 الى 150) حزب «وعد» التي صبّت للائحة جوان حبيش والتي كان من شأنها، جراء تقارب الأرقام، ان تشكل مفاجأة معاكسة. يغمز مقربون من بنشعي من قناة يحاول البعض اللعب على وترها. يقولون إن الوزير فرنجية لو شاء أن يتدخل ضد العماد عون لكان بامكانه الضغط على صديقه المقرب جدا جو حبيقه لتجيير أصواته الى لائحة التجدد المنافسة»، نافين «كل ما تردد عن زيارة لفرنجية الى جونيه أو لوزيره يوسف سعادة الذي كان يتحدث مع أحد الكسروانيين على هاتفه من كود 06 الشمالي في الوقت نفسه التي كانت تسري خبرية أنه يوزع المال في كسروان».
القراءة العونية تصّر على ان «المخطط الطويل العريض الذي حيك ضد «الجنرال» بهدف هز زعامته المسيحية وخصوصيتها الكسروانية سقط عند خليج جونيه». ومع «سقوط المخطط»، يواصل التيار الوطني الحر اعتماد الأسلوب نفسه في الانتخابات والمؤلف من شقين الأول سياسي بامتياز والثاني عائلي بامتياز. اختصرت جونيه الشق الأول وأما الثاني حيث «الطابع العائلي المسنود حزبيا» فانسحب على بلدات مثل درعون وزوق مكايل وزوق مصبح والبوار وطبرجا والصفرا وفيطرون وعجلتون وفاريا وميروبا وحراجل. تقول مصادره: «هدفنا الحفاظ على تيار موحد وليس ان نذهب بعد 16 أيار للملمة أشلاء الالتزامات، فنحن مقبلون على انتخابات نيابية ويجب ان تكون البلدية نقطة انطلاق وليست دعسة ناقصة».
في غوسطا لا مكان لأي تشابه مع جونيه. هنا يختلف الملعب واللعبة برمتها. فللمرة الثانية فشل الثنائي المسيحي بالاطاحة بفريد هيكل الخازن. حافظ «الشيخ» على زعامته الغوسطاوية التي تغلبت على المضادين اللذين تأهبا ضده سواء بالتنافس عام 2010 أو بالتكتل أول من أمس. مصادر حزبية تؤكد أنها لم تكن تتوقع ما حصل. ويلمح متابعون إلى دور عنصر المال في المعركة. ولكن ذلك لا ينفي النكهة السياسية لما حصل، وان بحدة أقل كون «الشيخ» خصما سياسيا لكل من الحزبيّن، وصديق للوزير سليمان فرنجية «المنافس الرئاسي» لعون في فريق 8 آذار. وبرغم ذلك، كانت الكلمة الفصل عائلية بامتياز. طبول معركة اتحاد بلديات كسروان تقرع من الآن، وان كانت صورتها ما زالت ضبابية بانتظار اتضاح المشهد الرسمي للنتائج.