كتبت صحيفة “السفير”: بالنسبة الى العماد ميشال عون، لم يكن استحقاق انتخابات جونية، وقبله زحلة ولو بدرجة أقل، بعيدا عن مناخات دولية معينة. الرجل مقتنع بأن مبادرة المتمول جيلبير شاغوري الى شحن ملايين الدولارات الى عاصمة الموارنة، بتشجيع سياسي واضح من سليمان فرنجية، كان الهدف منها دفنه سياسياً وقطع الطريق على أية فرصة خارجية أو محلية لوصوله الى رئاسة الجمهورية، ولذلك، قرر التشمير عن ساعديه والنزول الى جونية، عشية المعركة الانتخابية.
الأخطر، لا بل ما لم ولن يفصح عنه «الجنرال» هو موقف «القوات» الحمّال لأوجه كثيرة. هم يضفون على الانتخابات طابعاً محلياً، فإذا ربحت «لائحة الكرامة» المدعومة من «التيار» ينسب «الانتصار» الى رئيسها جوان حبيش، أما اذا خسرت، فيكون الخاسر الأول هو ميشال عون.
وعندما أطل سمير جعجع فور انتهاء العملية الانتخابية، كان يتحدث بلغة الواثق من فوز «لائحة التجدد» المدعومة منه، ومن العائلات السياسية الكسروانية التقليدية (أفرام والبون والخازن)، ونزع عنها أي طابع سياسي وأي صلة بتبنيه لـ«الجنرال» لرئاسة الجمهورية، وهو خيار «لن تهزه لا بلدية جونية ولا غيرها»، وأكمل ـ وهذه النقطة الأهم التي التقطتها الرابية ـ «لست مع التلاعب بالمهل من جديد (تقصير ولاية المجلس النيابي)، وأنا مع إجراء الانتخابات النيابية في وقتها (ايار 2017)، ومع إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً».
هو «الشيك» ذاته، وطبعا بلا أي رصيد، «يصرفه» جعجع يوميا ويحمّل «حزب الله» مسؤولية عدم اكتمال النصاب الدستوري، وعندما يأتي موعد أول «اختبار ميداني» لـ «تفاهم معراب»، يحاول كل طرف شدّه صوبه.. وصولا الى إثارة مخزون «الحساسيات التاريخية القديمة» («حرب الإلغاء») كما حصل في انتخابات الحدت في قضاء بعبدا، المعقل التاريخي للعونيين، لكأن المطلوب سقوط مزدوج لـ «الجنرال» في عرينه الكسرواني وعند عتبة «قصر الشعب» في بعبدا.. على يد «القوات»!
واذا كانت الإدارة العونية في هاتين المعركتين وأيضا في معركة دير القمر، قد أعطت نتائج «يبنى عليها سياسيا.. في المستقبل»، فإن «الجنرال» يواجه مهمة مزدوجة في المرحلة المقبلة، الأولى تتمثل في تشخيص أسباب الفشل الذريع في إدارة «التيار» لمعظم المعارك البلدية في الجبل وخصوصا في المتن، والثانية، الذهاب الى مصارحة قيادية قريبة مع «القوات» لإعادة ترميم «تفاهم معراب»، في ضوء استمرار حاجة الطرفين اليه، فضلا عن مردوده الإيجابي على الجمهور المسيحي وصولا الى طرح الأسئلة المحرجة على الحليف المستجد (هل يعقل أن تخاض بينهما «حروب إلغاء» جديدة؟).
وثمة مهمة عاجلة تقتضي إجراء مصارحة سياسية مع الحلفاء، وخصوصا سليمان فرنجية الذي فعل تدخله في انتخابات جونية مفعولاً عكسياً (نظرية «الغْريب»)، برغم استناده الى مدرسة «المال الانتخابي» والى عائلات متجذرة في كسروان منذ ما قبل زمن الاستقلال.. والى «القوات»، وهذه من مفارقات الانتخابات.
ومثلما لا يمكن للمزاج الزغرتاوي أن يقبل بهزيمة سليمان فرنجية في بلدته، فإن كسروان أعطت «درساً» جديداً برفضها محاولات كسر «الجنرال» وترحيله مجدداً خارج معقل الزعامة المارونية، وهذه المرة ليس عبر السفارة الفرنسية، بل عبر مرفأ جونية!
صحيح أن الأرقام العونية تراجعت في كسروان عن تلك التي تحققت قبل 11 عاما، لكن العصب الأساس في هذا القضاء ما زال عونيا، خصوصا أن البدائل (أحزاب وعائلات سياسية) مجربة سابقا ولا تغري غالبية الجمهور الكسرواني، من دون إغفال الدور الإيجابي الذي لعبه العميد المتقاعد شامل روكز في انتخابات بلديات هذا القضاء، على طريق تحضيره لقيادة المعركة الانتخابية المقبلة، فيما سجل غياب كامل لرئيس «التيار» عن مجريات كسروان الانتخابية.