Site icon IMLebanon

“المركزي” السوري يُشرك الصرّافين بتثبيت سعر الصرف


يعاني السوريون هذه الأيام من تراجع كبير في قيمة العملة السورية، ما أثر بشكل سلبي على قدراتهم الشرائية لأهم السلع والمواد الغذائية الضرورية. وإن كانت هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العملة انخفاضاً في سعر صرفها أمام الدولار، لكنها توصف بالأشد والأكثر قسوة.

لتدارك نتائج إنخفاض سعر الصرف، بدأ مصرف سوريا المركزي تطبيق سلسلة إجراءات عبر التدخل في سوق القطع، منذ الأسبوع الماضي، وقد ألزم مؤخراً شركات الصرافة بشراء مبلغ مليون دولار والمكاتب بمبلغ 100 ألف دولار والتسليم فوراً للمواطنين بسعر 600 ليرة للدولار. وهذا التدخل سرعان ما لمسته شركات الصرافة، إذ أكدت إحدى الشركات لـ”المدن” أن تدخل المركزي في سوق القطع هذه المرة، كان له أثر في تخفيض السعر. ما أدى إلى خفض نسبة الطلب على القطع الأجنبي بنسبة 70%. والبعض توقف عن الشراء نتيجة انخفاض السعر يومياً حيث حدد المركزي الإثنين سعر التدخل بـ600 ليرة للدولار، ومن يشتري، فيشتري بمبالغ قليلة لا تتجاوز 2000 دولار.

لكن حال الأسواق لا تتوافق مع الأجراءات الإقتصادية التي لم تعد تجدي نفعاً في تحسين معيشة المواطن السوري، إنما تحدث فرقاً على صعيد الأرقام، فانخفاض سعر الصرف من 615 ليرة للدولار إلى 600 ليرة لن يؤثر على أسعار السلع، لأن المادة التي يرتفع سعرها لا تعاود الانخفاض. وصعود سعر الصرف بات يتناسب عكساً مع معدل الرواتب والأجور، فإذا اعتبرنا أن راتب موظف هو 20 ألف ليرة، أي ما يعادل 40 دولاراً شهرياً، عندما كان سعر الصرف 500 ليرة للدولار، لكن مع تجاوز سعر الصرف 650 ليرة للدولار فهذا يعني أن راتب الموظف السوري أصبح يعادل 30 دولاراً، ويقابل ذلك ارتفاع يومي وسريع في أسعار السلع داخل الأسواق.

ويستشهد أحد موظفي وزارة السياحة غياث شاهين، في حديث إلى “المدن”، بالحالة الواقعية لقيمة راتب الموظف السوري، إذ لم يعد يكفي “سوى لتأمين شراء جزء من المواد الغذائية”. يضيف أن “نسبة كبيرة من الموظفين تعيش حالة كفاف، فيما يلجأ آخرون، وأنا منهم، إلى استنزاف مدخراتهم، ما يهدد بأزمة معيشية غير مقبولة”. ويشير إلى أنه “مع ارتفاع سعر الصرف منذ نحو الشهر، بقفزات كبيرة، بدأنا نرى أن الأوضاع المعيشية تخرج عن السيطرة وتتجه نحو الانهيار، فالأسعار مرتفعة حتى في مؤسسات الدولة، ذلك أن عدداً منها توقف عن البيع أو أغلق ليقوم بتعديل الأسعار وزيادتها”. لكن في المقابل، يؤكد “المشرف على المؤسسات الاستهلاكية” في دمشق، جلال علي، لـ”المدن” أن “هامش ربح المؤسسة لا يتجاوز 4%، وأسعار المواد أقل مما عليه في السوق بما يراوح بين 12 و15%، والزيادة على الأسعار تكون في فترات متباعدة وليست كما يحصل من قبل التجار الذين يقومون بالتسعير يومياً حسب سعر الصرف”.

وفي خضم البلبلة الحاصلة في سعر الصرف وتأثيراتها على السوق، أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملات لدعم كل محل أو شركة أو صاحب حرفة لم يرفع أسعاره بشكل كبير، ومنها حملة “أنا ما رفعت سعري”، وتقوم الحملة بالتعريف عن هؤلاء التجار والترويج لهم كنوع من المساعدة ايضاً، وفي المقابل، تقوم الحملة بالدعوة إلى مقاطعة من يرفع الأسعار بنسب غير مقبولة، وتضع هؤلاء ضمن قوائم “سوداء”.

التباين بين واقع السوق والإجراءات التي تقوم بها الدولة، متمثلة بشكل أساسي بالمصرف المركزي، يدفع خبراء الإقتصاد إلى الدعوة إلى التركيز على دعم سعر السلع وإعادة النشاط الإقتصادي والحركة الانتاجية، بدلاً من طرح كميات كبيرة من الأموال بقصد تحسين سعر الصرف.

في المقابل، فإن نجاح المركزي بالسيطرة على “جنون” سعر الصرف، دفع الخبير الإقتصادي مظهر سليمان إلى التساؤل حول قدرة المركزي السريعة على تحسين الأوضاع، فهل كان له تأثير على تجار السوق السوداء الذين لهم دور كبير في تأجيج سعر الصرف والتلاعب به؟ وفي حديث إلى “المدن” لم يجزم سليمان وجود هذه العلاقة بين المركزي والتجار، معتبراً أن استقرار سعر الصرف وتراجعه أمر “صحي وسليم”، موضحاً أن “لا بأس في أن يستقر سعر الصرف على مستويات عالية لأن التوصل إلى مزيد من الانخفاض في السعر سيتطلب وقتاً أطول وسيكون بطيئاً.