كتب هيثم الطبش
من أزمة إلى أخرى ومن صدام إلى آخر يقود “حزب الله” جمهوره في إصرار غريب من نوعه على تعميم ثقافة الموت ضمن بيئته. فمن لم يمت من معارك الحرب الطاحنة في سوريا مات بوقف عمله في الخليج أو بطرده من هناك، ومن لم يمت لا بهذا ولا بذاك قضى خنقًا تحت وطأة العقوبات المالية والإدراج على لوائح الإرهاب. من هذه النوافذ الثلاث تبدو قيادة الحزب مكبلة وضعيفة، فلا البيانات مقنعة ولا الخطب التلفزيونية أفضل حالاً ولا الدموع تثير الشفقة.
على الأرض السورية خسر “حزب الله” أبرز قيادييه العسكريين وأفضل أدمغته الأمنية الذين طاردتهم إسرائيل والولايات المتحدة سنوات من دون النيل منهم. وسواء صدقت رواية اغتيال مصطفى بدر الدين أم كانت سيناريو يهدف إلى إخفائه وإنهاء دوره لأسباب عديدة، فإن المنطق يفرض أن يبادر الحزب إلى الانسحاب من معركة أطاحت ببعض أكبر رؤوسه، لكن الإصرار على منطق الموت خدمة للمصالح الإيرانية العليا أقوى من أي منطق.
بهذه البساطة اتهم “جزب الله” الجماعات التكفيرية بقتل بدر الدين وبالسرعة ذاتها دفن جثته وبرّأ إسرائيل و”لحس” فكرة الرد الانتقامي. بهذه البساطة سيقول الحزب إن الرد سيكون في الميدان السوري ليزج بمزيد من الشباب الشيعة في معركة هي ليست لهم ولا تمت إلى أرضهم بصلة، وقد أرهقت أرواح أكثر من 1500 منهم، وتذهب بالعشرات منهم أسبوعياً، والرابط الوحيد يتلك المعركة هي أيديولوجيا موروثة من1400 سنة.
اليوم”حزب الله” أشبه بأسد محشور في زاوية وقد نالت منه بعوضة في عينه فلم يعد يرى وأخذ يضرب بمخالبه ذات اليمين وذات اليسار فيصيب خصمه مرة ويجرح ذاته مرات. بهذه العقلية وضع الحزب نفسه في مواجهة مع المصارف اللبنانية، ومن ورائها البنك المركزي، ليهدد الاستقرار الوحيد الباقي في البلد. فكتلته تحدثت عن انتداب أميركي مالي ولوحت بأن بيئتها قد تقاطع المصارف وهذا منطق المفلسين فهم يعرفون أن المصارف لا يمكن أن تنكفئ عن النظام المالي العالمي كما يدركون أن المودعين الشيعة لن يسحبوا أموالهم ولو كان ذلك تكليفاً شرعياً.
أي قيادة هي تلك التي في “حزب الله”؟ هذه القيادة إما أنها لا ترى وتكتفي بما هو موجود في أروقة المخبأ السري وإما أنها عاجزة أمام “جهاز تحكم” يمسك به الجنرال قاسم سليماني الذي يدير كل شيء على هواه ويكتفي بالتعزية بالقادة الكبار الذين خاض بهم مؤامراته ضد العرب، أما المقاتلين الصغار فلا مكان لهم في حساباته فهو لا يشعر برجل تيتّم أطفاله أو ترملت زوجته وفجعت والدته بقدر ما يشعر بخسارة بيدق من مستوى مصطفى بدر الدين على رقعة الشطرنج الاقليمية.
في دوامة الأزمات المتتالية، التي يُزج بها الحزب مناصريه، بات واجباً على جمهور المقاومة وعلى البيئة الحاضنة لتيار الممانعة التوقف للسؤال عن الوجهة النهائية لهذه السفينة وعما إذا كان الهلاك، قتلاً أم حصاراً، قدراً أو اختياراً تمليه المصالح الإيرانية على شريحة من الشعب اللبناني تطمح كغيرها إلى حياة هادئة وإلى إستقرار اجتماعي يحمي أولادها. يستحق شيعة لبنان حاضراً يُصنع بعقل ومستقبلاً يُبنى بحكمة ونظرة إلى الأفضل لا بشعارات عقائدية تنظر إلى الموت على أنه المرتجى في كل لحظة.
هذه الشريحة الوازنة من الشعب اللبناني تستحق غداً مشرقاً لكن الوصول إليه يحتاج جهداً وعملاً بدأت ملامحه تتظهّر في خوض بعض الطائفة للانتخابات البلدية بلوائح تواجهه يمنة “حزب الله”، والجميع مدعوون إلى مساعدة هذا الصوت الرافض للرضوخ بالقدر ذاته من الجدية التي يجب أن يعمل بها الشيعة لوضع حد لمفهوم الانتحار الجماعي.