موريس متى
سلسلة مواقف متصاعدة وهجومية تلت بيان الاجتماع الأخير لكتلة “الوفاء للمقاومة” ضد التعميم الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول ضرورة التزام المصارف والمؤسسات المالية قانون العقوبات الاميركية. هذا التوتر بين “حزب الله” وسلامة، دفع الاخير الى الخروج بتوضيح عن الية تنفيذ التعميم 137، ما قد يقنع الحزب ويخفف من التشنج ويمنع أي تدهور على الصعيد الحكومي والمصرفي.
كتلة “الوفاء للمقاومة” رفضت بكل وضوح قرار مصرف لبنان ووضعته في خانة “حرب إلغاء محلية” ضد الحزب، فضلاً عن كون الالتزام بالقانون الاميركي مصادرة للسيادة اللبنانية النقدية وانصياعاً لها سيؤديان الى تفاقم الأزمة النقدية ويدفعان البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين والمصارف. وقد ارتفعت حدّة خطابات مسؤولي الحزب ووزرائه والمقربين منه لمطالبة حاكم المركزي بإعادة النظر في التعميم، فيها ذهب البعض منهم لمطالبة الحكومة بالتحرك فوراً والا قد يلجأ الحزب الى قلب الطاولة على الجميع.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الموجود حالياً خارج لبنان، كشف عن سلسلة لقاءات سيعقدها في العواصم الاوروبية لإطلاع الجهات المصرفية مدى التزام لبنان ومصارفه التعاميم والقوانين الدولية، التي تعنى مباشرة بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ومكافحة التهرّب الضريبي، على ان يتابع ايضاً خلال هذه الجولة تفاصيل القانون الأميركي ضد “حزب الله” وآليات تطبيقه في لبنان. في هذا السياق، لم تستبعد مصادر رفيعة المستوى في مصرف لبنان أن يتجه سلامة بعد جولته الاوروبية الى الولايات المتحدة التي يزورها النائب الثالث للحاكم محمد بعاصيري الذي يتابع عن كثب ملف القانون الاميركي ومراسيمه التطبيقية مع المسؤولين في وزارة الخزانة الاميركية. وبحسب المعلومات، عقد بعاصيري سلسلة إجتماعات مطوّلة مع عدد من المسؤولين وعلى رأسهم مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايزر الذي كان يُنتظر ان يصل الى بيروت هذا الشهر، فيما رجح إمكان تأجيل الزيارة حتى عودة سلامة الى بيروت. وقبل مغادرته لبنان عقد سلامة سلسلة إجتماعات على مستوى مصرفي دولي رفيع تكتمت دوائر المركزي عن مضمونها. وبحسب المعلومات، يعقد سلامة إجتماعاً مع رئيس الحكومة لدى عودته لإيجاد مخرج ما يحمي الحكومة والقطاع المصرفي ويحمي أيضاً بيئة الحزب.
وبالفعل، بدأ الحديث جدياً داخل هذه البيئة حيال كيفية التعاطي مع تداعيات القانون الاميركي الجديد، الذي هي ابعد من أن تختصر بإغلاق حسابات لأفراد ومؤسسات ونواب، وقطع تمويل عن الحزب، بل قد تطاول شريحة من اللبنانيين الذين سيمنعون من الولوج الى القطاع المصرفي اللبناني لإرتباطه المباشر بالقطاع المصرفي الاميركي، في الوقت الذي تشدد فيه المؤسسات الدولية على أهمية تعزيز الشمول المالي. وبالفعل، أصدر “حزب الله” بعد أيام من إصدار مصرف لبنان التعميم137، تعميماً داخلياً لمحازبيه ومؤسساته ألزمهم بموجبه إغلاق حساباتهم في المصارف اللبنانية خلال أسبوعين. وعندما لاحظ الحزب صعوبة إتمام هذه المهمة وتداعياتها الكارثيّة على بيئته ومحازبيه وعائلاتهم، وبعد تبلغه إقفال عدد من الحسابات المصرفية لبعض نوابه والمقربين منه ورفض عدد من المصارف فتح حسابات لمقربين من الحزب، خرجت “الوفاء للمقاومة” بالبيان الناري ضد تعميم سلامة.
أما غلايزر الذي يزور بيروت حاملاً معه ملفاً كاملاً عن المراسيم التطبيقية للقانون الاميركي 2297 الهادف الى تجفيف مصادر تمويل “حزب الله”، سيؤكد خلال إجتماعاته مع المسؤولين المصرفيين ان القانون لا يميّز بين حسابات بالدولار او بالليرة، بل يشمل كل العملات من دون إستثناء. هذا الامر رفضته أوساط الحزب وقيادته بشكل تام وطالبت سلامة قبل مغادرته لبنان بأن لا تخضع العمليات بالليرة اللبنانية لأي إجراءات يمليها فريق خارجي، كما طالبوه بالعودة الى الاتفاق الذي حصل سابقاً معه ويقضي بعدم ترك أمر تطبيق قانون العقوبات للمصارف واستنسابيته، وإلزامها بطلب الموافقة المسبقة من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان على أي إجراء تنوي اتخاذه بذريعة تطبيق القانون، وعدم اتخاذ الاجراءات ومن ثم تبريرها لحاكمية المركزي، وهذا ما نص عليه التعميم 137.
أمام هذا الواقع أصدر سلامة بياناً أوضح فيه أن القانون الاميركي مطلوب تطبيقه عالمياً وفي لبنان، وتالياً فإن التعميم 137 كان واجباً قانونياً لبنانياً، وان المادة 70 من قانون النقد والتسليف تطلب من مصرف لبنان توفير الاستقرار التسليفي. ولا يمكن ضمان الاستقرار التسليفي إذا لم يطبّق هذا القانون الأميركي، مشيراً الى أن إصدار التعميم رقم 137 يريح المصارف المراسلة. وأكد ملاءمة العمل المصرفي في لبنان مع ما هو مطلوب دولياً، ولو لم يفعل مصرف لبنان ذلك، لكان في إمكان المصارف المراسلة تطبيق سياسة التقليص من المخاطر (de-risking)، فيصبح القطاع المصرفي اللبناني معزولاً عن العالم. ومن المعلوم أن تمويل لبنان يرتكز أساساً على الأموال الوافدة إليه من المغتربين وغير المقيمين، وأن المقيمين في حاجة إلى تواصل مصرفي خارجي واسع ودائم لتمويل الاستيراد والتصدير والحاجات العائلية والشخصية. وبحسب البيان، ارتكزت هذه الآلية على إصدار تعميم من المجلس المركزي لمصرف لبنان يحدد اتجاهين أساسيين: تنفيذ هذا القانون وتبرير إقفال أو عدم فتح حساب على أساس القانون إلى هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان التي تتمتع باستقلالية وبصفة قضائية. ومن المعروف أنه بموجب قانون السرية المصرفية، لا يحق للمجلس المركزي لمصرف لبنان الاطلاع على حركة الحسابات الدائنة، كما لا يمكنه قانوناً إرغام المصارف على إطلاعه على أي حساب دائن، وايضاً لا يحق للجنة الرقابة على المصارف الاطلاع الاّ على الحسابات المدينة. وخلال الاجتماع الأخير لهيئة التحقيق الخاصة، تم التوافق على المبادئ الأساسية التي ستتابع بموجبها، ومن خلال هذه الهيئة، تصرفات المصارف مع زبائنها في خصوص تطبيق تعميم مصرف لبنان رقم 137. ويحق قانوناً لهذه الهيئة دون سواها الاطلاع على الحسابات الدائنة والمدينة من دون الإعتداد تجاهها بالسرية المصرفية. وذكر مصرف لبنان في بيانه ان هذه المبادئ، وباستثناء الحسابات العائدة الى أشخاص أو مؤسسات مدرجة أسماؤهم على اللائحة السوداء الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية OFAC، تؤكد ان على المصارف التي تريد إقفال حسابات مؤسسات أو أشخاص لأنها تعتبرها مخالفة للقانون الأميركي أن تقدم التبرير لذلك قبل إقفال الحساب، ويجب أن يتضمن التبرير حركة الحساب (الوتيرة/الحجم)، وعلى المصرف أن ينتظر رداً من هيئة التحقيق الخاصة قبل إقفال الحساب، وإن لم يبلغه الرد خلال 30 يوماً، يتصرف عندها المصرف على مسؤوليته. ويمكن المصارف وهيئة التحقيق الخاصة طرح الموضوع على الهيئة المصرفية العليا إذا اقتضت الحاجة، علماً أن قرارات هذه الهيئة غير قابلة للمراجعة وفقاً للقانون اللبناني. وأكد سلامة ان إقرار هذه المبادئ وتحويلها إلى تعميم صادر عن هيئة التحقيق الخاصة، سيتم في أقرب وقت، بعد استكمال الدراسات القانونية محلياً ودولياً توخياً للدقة والصوابية في المواد التي تعكس هذه المبادئ. حينها يطرح الموضوع على مجلس هيئة التحقيق الخاصة، ويصدر التعميم رسمياً مع مفعول رجعي مطابق لتاريخ إصدار تعميم مصرف لبنان.
وكانت جمعية مصارف لبنان برئاسة الدكتور جوزف طربيه قد بحثت أمس مع وزير المال علي حسن خليل في مجمل الأوضاع المصرفية في ضوء المستجدات حيال تطبيق القانون الأميركي تجاه الحزب. وعلى الأثر أكد طربيه أن المصارف بدأت تطبيق مضمون القرار.