كتب ميشال عون في صحيفة “السفير”:
عانى لبنان، ولمّا يزل، من أزمةٍ طال عمرها حتى تجاوزت ربع قرن من الزمن. مسبّباتها هي الخلل في تطبيق الميثاق والدستور ووثيقة الوفاق الوطني، وتجاوز اتفاق الطائف، ما أدّى الى خللٍ كبيرٍ في المشاركة وفي توازن الحكم بين مكوّنات الشعب اللبناني.
هذا الوضع الشاذ نشأ في عهد الوصاية السورية، بعد تغييب القيادات الفعلية للمسيحيين بالسجن والإبعاد، ومن ثم استباحة حقوقهم التي نصّ عليها اتفاق الطائف. هذه الاستباحة ظهرت جليّة وواضحة في قانون الانتخاب غير الملائم لنظامنا الطائفي؛ فالقانون الأكثري المرتكز على لوائح متعدّدة الأسماء وغير متساوية عددياً في ما بينها هو أبشع أنواع الأنظمة الانتخابية، لأنه يفتقد إلى الانصاف بين الناخبين، فيقترع بعضهم لمرشحَين اثنين، بينما يقترع آخرون لثمانية مرشحين أو عشرة، وفي كلتا الحالتين يكفي فارق صوت واحد لإنجاح لائحةٍ كاملة، وإسقاط اللائحة المنافسة.
إنّ جميع قوانين الانتخاب التي صدرت عن مجلس النواب، السيئة منها والأقل سوءاً، كانت تحمل أخطاءً بنيوية، بالإضافة الى تقسيم الدوائر الانتخابية من دون احترام طبيعة التوزيع السكاني.
كل هذه الأعطال والأخطاء أدّت إلى حرمان المسيحيين من حقّهم بالتمثيل الصحيح، وشكّلت أغلبياتٍ نيابيةً تُمَثِّل أقلياتٍ شعبيةً، مقابل أقليات نيابية تمثّل أكثريات شعبية. هذا التباين الذي سبّبته القوانين السابقة والقانون الحالي، أفسد العمل في مجلسَي النواب والوزراء كونهما لا يعكسان التمثيل الصحيح لمكوّنات الشعب اللبناني، وفق ما جاء في اتفاق الطائف، لجهة المناصفة ومواصفات قانون الانتخاب.
إن الشعب في دستورنا هو مصدر السلطات، يمارسها بواسطة المؤسسات الدستورية، وأي خلل في تمثيله ينعكس خللاً في التشريع وفي ممارسة السلطة الإجرائية وفي احترام قواعد العيش المشترك وصحة التمثيل لمختلف شرائح الشعب اللبناني وفعالية هذا التمثيل.
لهذه الأسباب طرحنا قانون اللقاء الأرثوذكسي النسبي لكل المكوّنات المذهبية المنصوص عنها في القانون، وبه يتأمّن التمثيل الصحيح بشكل كامل لجميع الشرائح بأكثرياتهم وأقلياتهم. واعتماد هذا القانون يحقق العدالة المطلقة لجميع المواطنين، سواء داخل طوائفهم او ما بين الطوائف.
ويبقى الا تخترع الذرائع للرفض؛ فالعدالة في قانون الانتخاب تحصّن الوحدة الوطنية من خلال ترسيخ العيش المشترك والطمأنينة بين أفراد المجتمع المتمايز في وحدته. وإني لعلى يقين بأن الناس عندها سيترسّخون في أرضهم، ولن يهجروا بعضهم البعض، لا بل سيرددون معاً القول المأثور: «نيال مين إلو مرقد عنزة بجبل لبنان».
يدّعي بعض المسؤولين أن قانون اللقاء الأرثوذكسي يتعارض مع الميثاقية بسبب معارضة بعض النواب المسلمين له. ولكن، على عكس ذلك، هذا القانون يعيد الميثاقية الى قانون الانتخاب ويصحح غُبنًا لحق بالمسيحيين.
أضف الى ذلك، فإن النزاعات السياسية، وبدل أن تكون بين الطوائف كما هي الحال اليوم، تنتقل الى داخل كل طائفة، ما يمنع الاصطفاف الطائفي عند كل استحقاق.
ومن ميزات قانون اللقاء الأرثوذكسي أيضاً أنّه، وبتوحيده الدائرة الانتخابية، يعزّز وحدة الأرض لأن المواطن يشعر أنه يختار ممثليه على مساحة الوطن.
وعندما ينجز هذا القانون، الذي يُنتج تمثيلاً صحيحاً لمختلف مكوّنات الشعب اللبناني، يمكن عندها إعادة النظر بموضوع إلغاء الطائفية السياسية وفقاً للمادة 95 من الدستور اللبناني.
إن الخلل في السياسة اليوم، ناتج من عدم احترام التعهدات والعهود التي قُطِعت لضمان تنفيذ اتفاق الطائف، وقد راسَلْتُ الدولَ الضامنة لهذا الاتفاق في العاشر من تموز من العام 2014 متمنياً عليها العملَ على إصلاح الخلل الذي نجم عن عدم تنفيذ مضمونه في غالبية بنوده.
ومع استمرار هذا الخلل، وعدم القيام بأي خطوة لتصحيحه، فإن أي لبناني أصبح له الحق أن يطالب بإعادة النظر بمضمون العلاقات الداخلية بين مكوّنات المجتمع اللبناني، لأن استمرار الوضع بما هو عليه الآن، سيهدم كل مقوّمات الوطن.