كتب فراس الشوفي في صحيفة “الأخبار”:
لا تخفي القوى السياسية التحوّلات التي أفرزتها الانتخابات البلدية في بلدات الشوف. الحزب التقدمي الاشتراكي لمس «حالة تمرّد» بين المحازبين والعائلات الجنبلاطية، استفاد منها الوزير السابق وئام وهّاب. الحزب السوري القومي الاجتماعي يقيّم بدوره التجربة. وفيما أثبت الوزير السابق ناجي البستاني قوّته والنائب دوري شمعون ضعفه، برز النائب جورج عدوان رابحاً أول.
تكاد نتائج الانتخابات البلدية في الشوف، تعيد خلط الأوراق في يد غالبية القوى السياسية في القضاء، من الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي والوزير السابق وئام وهّاب، إلى التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية والوزير السابق ناجي البستاني.
فضلاً عن إعادة الحسابات التي يحتاجها تيار المستقبل والنائب محمد الحجّار في إقليم الخرّوب، والتقدّم اللافت الذي حقّقته الجماعة الإسلامية في قرى الإقليم.
ومع أنه لم تظهر مفاجآت من العيار الثقيل في الانتخابات الأخيرة بالنسبة لمتابعي الساحة الشوفية في القرى الدرزية والمسيحية والسنية، إلّا أنه يمكن استخلاص مجموعة من العِبَر بيّنتها النتائج، على ضوء الدراسة والتقييم الذي بدأه أكثر من تنظيم حزبي، لا سيّما الاشتراكي.
وتجمع مصادر بارزة في غالبية القوى السياسية الشوفية، التي استطلعت «الأخبار» آراءها، على أن سير الترشيحات وتركيب اللوائح في القرى والبلدات، أظهر ما يمكن تسميته بـ«حالة تمرّد» في وجه القوى السياسية التقليدية، تمثّل بظهور كبير لمرشّحين متقابلين من الاشتراكي، في أكثر من بلدة. وعلى سبيل المثال: كفَرْفاقود (ثلاث لوائح من آل نصر في بلدة وكيل الداخلية الاشتراكي رضوان نصر) وعين وزين والخريبة وغريفة (ثلاث لوائح من آل حرب على رأسها اشتراكيون، ومعتمد المنطقة من بلدة عترين المجاورة وهو ريمان أبو حمدان، ونجح مرشّحون من اللوائح الثلاث)، بالإضافة إلى انكسار ظاهرة الالتزام باللوائح الكاملة، وجنوح غالبية المقترعين نحو «التشطيب» وتشكيل اللوائح الخاصة. وتأتي السياسة التي اتبعها الاشتراكيون في استيعاب الحركة الشعبية المستجدة في القرى لمجموعات شبابية ومرشّحين منفردين تنضوي تحت عنوان «المجتمع المدني»، كتصوّر مسبق عن تبدّل عام في المزاج الشعبي، توقّع الاشتراكي أن تظهر انعكاساته في وجهه أكثر مما يظهر في وجه القوى السياسية الأخرى، نتيجة إمساكه طوال العقدين الأخيرين بمفاتيح الحلّ والربط في القرى والبلديات الشوفية.
غير أن ما رآه الاشتراكيون من «ثغرات»، إن في عدم القدرة على ضبط حركة الترشيحات عند الحزبيين وتواجههم في كثير من البلدات أو «ضعف في الأداء الحزبي» على ما يقول مصدر بارز في الحزب لـ«الأخبار»، شكّل بالنسبة لوهّاب مدخلاً نحو الدخول كلاعب جديد في عدّة بلدات، بمعزلٍ عن النتائج. وفي وقت لا يرى فيه الاشتراكيون أن وهّاب أظهر «ثقلاً لافتاً بعد سنين من العمل في الشوف»، بدا أن وهّاب استفاد أيضاً من هامش «المجتمع المدني» والحالات الاعتراضية للبروز كلاعب بعد سنوات من الانتظار، فيما يعتبره الأخير «اختبار قوى أوّل». في مرستي، مثلاً، تبّنى وهّاب خرق داني الدبيسي للائحة الفائزة، فيما تقول مصادر الاشتراكي إن «المعركة في مرستي كانت عائلية وتركنا حرية الاختيار للمناصرين». أمّا في الخريبة، حيث تواجهت لائحتان، الرابحة برئاسة نسيم الأشقر والخاسرة برئاسة بسام زياد الأشقر، فتبنّى وهّاب دعم اللائحة الخاسرة، والتي حقّقت «رقماً انتخابياً»، بينما تقول مصادر الاشتراكي إنه «لم تكن في الخريبة معركة حزبية، بل عائلية». وحتى في كفرحيم، حيث تواجهت لائحتان، الأولى الفائزة برئاسة نسيب أبو ضرغم مدعومة من الاشتراكي والقومي، والثانية باسم «لائحة الشباب» خرقت بثلاثة مقاعد، يقول وهّاب إنه دعمها وأصواته هي التي أدّت إلى الخرق، فيما يؤكّد الاشتراكيون أن «لائحة الشباب كانت الأقرب إلى قلب تيمور جنبلاط»، ويقلّل القوميون من دور وهّاب في المعركة. ويعطي الاشتراكيون مثلاً على قوّتهم حتى في الجاهلية بلدة وهّاب، حيث خرق الاشتراكي رياض أبو ذياب اللائحة المدعومة من وهّاب، كما فاز الاشتراكي بمختار. وبدا لافتاً أيضاً، حرص رئيس الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على دعم مرشّحي القومي، كبداية لاحتضان دورهم كطليعة للقوى الموجودة في الشوف من خارج الفلك الجنبلاطي، تمهيداً لتخفيف الخصومات الشوفية مستقبلاً في وجه وريثه تيمور. وتقول مصادر الاشتراكي إن «جنبلاط وجّه شخصياً لدعم رئيس بلدية كفرحيم نسيب أبو ضرغم، ووليد الحسنية في بلدة عين وزين (خرق اللائحة الرابحة) وآخرين في بلدات أخرى»، وأسفت المصادر لعدم تمثيل القوميين في بلدية بعقلين، على غرار المرّات السابقة.