تجري الأحد المقبل الانتخابات النيابيّة الفرعيّة في قضاء جزين، ويتنافس على المقعد الشاغر بعد وفاة النائب ميشال حلو، أربعة مرشحين هم: أمل أبو زيد المدعوم من “التيار الوطني الحرّ” بتحالفه مع “القوات اللبنانية” و”حزب الله”، صلاح جبران، ابراهيم عازار، وباتريك رزق الله المرشّح المستقلّ والناشط السابق المفصول عن التيّار. وإذا كانت دفّة أبو زيد راجحة بحكم دعم التيار له في معقله جزين وحليفه الجديد “القوات” وابتعاد الرئيس نبيه برّي عن المعركة، فإن ترشّح رزق الله بحدّ ذاته أتى مستفزّاً بحكم فصله عن التيار وعلاقته المتوتّرة مع قيادته الحاليّة ونقمته على نهجها.
فُصل رزق الله في 28 آب الماضي من دون تبليغ ولا محاكمة داخليّة على حدّ تعبيره، ومعركته قائمة لأنه “ممنوع بعد اليوم أن يُستثنى المناضلون لاستبدالهم برجال المال وأزلام الاحتلال”. من خارج المؤسسة الحزبية للوطنيّ الحرّ يخوض رزق الله مستقلّاً معركته، والأهميّة ليست بفوزه وخسارته، لكن العبرة في خروجه على تيّار نشط فيه على مدى 22 عاماً، إذ يؤطّر معركته “في سياق عمليّة إعادة المسار الحزبي إلى طبيعته بجانب هموم الناس”. قنبلة موضعيّة فجّرها رزق الله بترشّحه مستهدفاً القيادة الحاليّة للوطني الحرّ، فأين الأخيرة من هذا الترشّح ومن جملة اتهامات ساقها إليها الناشط المُستبعد؟ وأينها من حالات مشابهة لرزق الله والمهندس زياد عبس في الأشرفية؟ هل من تردّدات لهذا التمرّد في غير مناطق في اليوم الثالث للمعركة البلديّة وعلى مشارف انتخابات نيابيّة محتملة؟
“باسيل غُيِّب عن معركة جونية قصداً”
في حديثه لـ”النهار” يشرح رزق الله أسباب ترشّحه ومعارضته للقيادة الحاليّة، قائلاً: “لا يجوز بعد اليوم أن يستوردوا مليونيريين وأزلام الاحتلال السوري سابقاً، ليعيدوا تعيينهم بالجملة فالأفضليّة للمناضلين”. ويضيف “المشكلة أن الناس لا تنتبه ولا تنتقد لأن الارتكابات بالجملة. الانتخابات البلديّة برهنت لنا أن القيادة الحزبيّة بمكان والقاعدة بمكان آخر”.
فيما يصف غياب وزير الخارجيّة جبران باسيل عن المشهد الانتخابي في جونية “بالمقصود”، يعلّق “غيّبوه لأنّه يخسّرهم ولا يربّحهم. فيما أدّى حضور العميد شامل روكز إلى جانب الجنرال ميشال عون قبل يومين من المعركة في جونية، إلى شدّ عصب الحرس القديم الذي لا يؤمن إلاّ بالبدلة العسكريّة، بما جيّر المعركة لصالح التيار. ولو حضر روكز قبل أسبوع لكان الفارق أكبر”.
ويتابع رزق الله مهاجماً: “لماذا استقووا على عبس في الأشرفيّة ولم يفعلوا ذلك مع الوزير بو صعب وريّا الداعوق اللذين دعما لائحة بيروت مدينتي، أو على النائب نبيل نقولا الذي عمل في 4 بلديّات في المتن ضدّهم. إنّهم لا يستقوون إلاّ على الضعيف وغير المتموّل”.
“إنه الاستفتاء بوجه متموّلٍ مشبوه”
يشبّه “المعركة بالاستفتاء لتبيان أين القاعدة من الاختيار الجديد للتيار وذلك القديم الذي قاده الجنرال عون، مصنّفاً نفسه “بالمرشح المستقل بوجه أبو زيد المتموّل الذي لا نعرف من أين جمع ملايينه”، يضيف “مؤخّراً قدّم أبو زيد طلب انتساب للتيار، وهو من مليخ ابن حكمت أبو زيد مستشار الرئيس الياس الهراوي أيام الاحتلال السوري”.
لكن للتيّار مرشّحين كثراً ليسوا منتسبين إليه، فأين الخطأ؟ يقول “لا تنتهي لائحة أولئك. لقد جمع باسيل هيئة القضاء وبلّغهم أن أبو زيد هو مرشّهم وليبدأوا بالعمل له بما يخالف آلية الحزب”. على من تعتمد إذاً؟ “على الجزينيين يمكنهم انتخاب من سيواجه النوّاب وينتقدهم، ويستقيل في السابع من أيّار 2017 تلقائياً”. هل يكفي التاريخ النضالي لخوض انتخابات؟ “في العشرين سنة الأخيرة قمنا بنشاطات تحت إطار التيار”. هل تناصرك مجموعة خارجة عن التيار؟ “لا بعضهم منتسب، لكنهم يعارضون النهج الحالي”. ما هي فرصك بالفوز؟ “على قدر ما يحكّم الجزينيّون عقلهم خلال العشر ثواني من عمليّة الاقتراع”.
“كيف تبدّل حبيش من إقطاعي إلى ابن عائلة؟”
ابن 38 عاماً، قضى منها 22 عاماً في النضال، يحذّر من امتداد استفتاء جزين إلى باقي المناطق عام 2017. ولا يرى أن التيار بحاجة لمتموّلين إذ “إن موازنته في 2014 كانت مليون وأربعمئة ألف دولار، وهو قادر على تأمينها من خلال العشاوات والغداوات”. ألا تحتاج الحملات الانتخابيّة لتمويل؟ يقول “لا يُفترض أن يُدفع مال، بل على الناس أن تنتخب بحريّة ومن خلال برنامج، وإلا نكون متساوين بباقي الأحزاب”. كيف جمعت مبلغ ترشيحك؟ “الشباب والمتبرّعين أمّنوا 8 ملايين للترشّح ومليون ليرة للحملة”.
يعقّب على ترشيح جوان حبيش رئيساً للائحة المدعومة من التيار والفائزة عن بلديّة جونية، ويقول “لأنه إلى جانبنا في 2016 يصبح ابن عائلة من صفّ الفلاحين، ولمّا كان ضدّنا في 2010 كان إقطاعيّاً. كيف تختلف التسميات؟ مع احترامي لحبيش وخدماته في جونية ولا خطأ في ترشيحه، لكن لماذا الازدواجيّة في التوصيف. فليقولوا إنه من الإقطاع الجيّد”.
“الوطني الحرّ” لا يردّ بل يصوّب
نسأل الأستاذ حبيب يونس، مسؤول الإعلام السياسي في التيّار الوطني الحرّ، عن آليّة اختيار المرشّحين غير المنتسبين أو المتموّلين حصراً، فيقول “حكمت ديب وجبران باسيل ليسا مناضلين؟ إنّما اتبعت منذ 2009 آليّة لاختيار أي مرشّح تقضي بإجراء مسحٍ يبيّن من الأوفر حظاً والقادر على الفوز بمعركة نخوضها ويسمّيه رئيس الحزب”. ويضيف “حالياً، تقضي الآلية الجديدة بأن تقوم القاعدة في مجلس القضاء باختيار من يمثّلها من بين المرشّحين”. بما يعني أنّ جزين استثنيت هذه المرة من الآليّة الجديدة واتبعت فيها تلك القديمة عبر عدد من المسوحات بيّنت أن أبو زيد هو الرابح المحتّم في معركة ضروس تخوضها قيادة التيّار لما لجزّين من رمزيّة بالنسبة للعماد عون.
ويرى في أبو زيد “ابن عائلة صحافية وأدبيّة ورجل أعمال ناجح ويحقّ له الترشّح”. هل أبو زيد منتسب للتيّار؟ “كثر منّا يؤيّدون التيّار منذ التسعينات ولا يملكون بطاقات انتساب. كلّ منا يناضل على طريقته ولم نشارك جميعنا في المظاهرات سابقاً. وبطبيعة الحال فإن أبو زيد سيكون من صلب تكتلّ التغيير والإصلاح لدى فوزه. وللرجل علاقات وصداقات دوليّة وخدمات داخل جزّين ولا يمكن مقارنته بمن لا يعرف سوى الاعتراض علناً”.
يستفيض يونس في الحديث عن عائلة أبو زيد، قائلاً: “نعرف أن والد أمل، الأستاذ حكمت أبو زيد صحافيٌّ عريق كان مستشاراً ومواكباً لعدد من رؤساء الحكومات، ولا يصحّ أساساً الربط بين الوالد والابن بل علينا تقويم الشخص نفسه”. لماذا أُقيل باتريك رزق الله؟ “لأنه تتطاول على الحزب وخالف التزامه ونشر خلال الانتخابات الداخليّة الأخيرة ما يخالف الشرعة الداخليّة وقام بنشاط ميداني مع 4 آخرين تمّ فصلهم أيضاً من قبل العماد عون. ثمة إجراءات تبدأ بالتنبيه والإنذار ثم المثول أمام المجلس التحكيمي”.
هل ينطبق الأمر على المهندس زياد عبس؟ “لأي مؤيد للتيار أن يكون له خياره السياسي إنّما من دون مواجهة على الأرض مع باقي المناصرين. الإجراءات تأخذ مجراها ولكلّ حقّه في الدفاع عن نفسه في حال استدعاه المجلس”. أين كان الوزير باسيل في معركة جونية البلديّة؟ “هو وزير خارجيّة إلى جانب رئاسته للتيّار، وكان في صدد التحضير لمؤتمر فيينا بشأن اللاجئين السوريين، وله نائبان للشؤون السياسية والإداريّة وثمة ماكينة حزبيّة كبيرة وتحالفات تعمل على الأرض”.
بين الفصل والتمرّد والاتهامات، مرمى أيام من الاستحقاق النيابي الفرعي في جزين برمزيّتها البرتقالية. وعلى وقع استقالات شهدها الوطني الحرّ منذ أسبوع إلى اليوم من قياديين ومنتسبين إليه في جونية، تكون القيادة الحاليّة أمام استفتاء شعبيّ جديد لن ينزل فيه العميد روكز إلى الأرض ومطبّات عديدة قد يكون أصعبها قرار فصل القيادي زياد عبس، رغم نشوة انتصارت بلديّة تحقّقت أو قابلةٌ للتحقيق.