Site icon IMLebanon

لبنان أمام…”لعبة بلياردو” جديدة  

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

ما السرّ وراء اندفاعة رئيس البرلمان نبيه بري ومعه «حزب الله» الى قلب الاولويات في لبنان لمصلحة جعل «الانتخابات النيابية أولاً»، على أن يكون ذلك معْبراً الى الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة ؟

هذا السؤال طُرح بقوة في بيروت، بعدما حمل بري مبادرته الرامية الى تقصير ولاية البرلمان الممدَّد له حتى يونيو 2017 وإجراء انتخابات نيابية مبكّرة وفق قانون انتخاب جديد وإلا «قانون الستين» النافذ حتى الساعة، الى طاولة الحوار الوطني التي التأمت أمس، في جولة جديدة و«أخذت العلم» بما يطرحه رئيس البرلمان، على ان يسمع الإجابات من مختلف القوى السياسية في الجلسة المقبلة 21 يونيو المقبل.

ولاحظت أوساط سياسية في بيروت ان ثمة «قطبة مخفية» في مبادرة بري، عبّر عنها كلام نائب «حزب الله» علي فياض بعد جلسة الحوار، إذ كشف أن هذه المبادرة تقوم على واحد من 3 خيارات: الاول الاتفاق على قانون انتخاب جديد، يليه تقصير ولاية البرلمان والتزام مسبق بين القوى السياسية، على ان يعقب الانتخابات النيابية المبكرة مباشرةً انتخاب رئيس الجمهورية (بعد جلسة انتخاب رئيس البرلمان الجديد وهيئة مكتب المجلس). والخيار الثاني اعتماد الآلية نفسها للانتخابات النيابية المبّكرة المتلازمة مع الرئاسية، لكن وفق قانون الستين (بعد إدخال تعديلات عليه لجهة عبارة «لمرة واحدة» الواردة فيه) اذا لم يُصر الى توافق على قانون انتخاب جديد. أما الخيار الثالث فهو «دوحة جديدة» (لبنانية) يجري خلالها البحث وبت السلة المتكاملة، بحيث تحضر على طاولة الحوار كل الملفات العالقة، من الرئاسة الاولى الى قانون الانتخاب والحكومة.

ووفق فياض، فإن «ثمة إقراراً من الجميع بأن اي تمديد جديد للبرلمان لن يحصل، وأنه ليس من الممكن عقْد دوحة جديدة او اي مؤتمر خارج لبنان»، موضحاً ان برّي «طلب من القوى ان تأتي بأجوبة حول أي خيار ستعتمد، وهناك قوى أعطت جوابها من فورها».

وأظهرت «خريطة المواقف» الاولية المتصلة بالانتخابات النيابية المبكّرة، تمسّكاً من «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) وغالبية قوى «14 آذار» برفْض اي انتخابات تشريعية قبل الرئاسية، مقابل تأييد لافت من النائب وليد جنبلاط، عبّر عنه بلسانه الوزير السابق غازي العريضي (باعتبار ان جنبلاط في الكويت) وايضاً من «حزب الله» الذي اعلن نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم ان «الانتخابات النيابية باتت ممكنة بعد نجاح تجربة الانتخابات البلدية واذا لم يقر قانون جديد قبل انتهاء المهلة فيجب العودة الى قانون الستين».

وفي ضوء ذلك، رسمتْ الأوساط السياسة علامات استفهام كبرى حول خلفيات ما يثيره بري، المعروف بإتقانه لعبة «البلياردو» بحيث يرمي طرحاً ليصل الى آخر، متسائلة إذا كان الهدف الفعلي لفريق «8 آذار» بات يتمثل في «الخيار رقم 3» في مبادرة رئيس البرلمان اي «السلّة المتكاملة» التي كان تحدّث عنها اولاً الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، في معرض تحديد «مستلزمات» انتخاب رئيس الجمهورية، وأهمها التوافق على قانون الانتخاب باعتباره المدخل لإعادة تكوين السلطة، قبل ان «يعلّق» لاحقاً التمسّك بها.

في المقابل، لم تُسقط دوائر سياسية أخرى احتمالات ان يكون طرْح الانتخابات النيابية السابقة للرئاسية من ضمن «خريطة الطريق» التي اقترحها بري، من شأنه ان يوفّر لبعض الأطراف في «8 آذار» خصوصاً، مخارج من التزامها بترشيح ميشال عون، باعتبار ان اي انتخابات تشريعية مبكرة بات إجراؤها وفق قانون جديد شبه مستبعد، نظراً الى ان الدورة العادية للبرلمان تنتهي اواخر مايو، ولن يكون ممكناً التئام مجلس النواب في دورة مماثلة قبل اكتوبر المقبل، (إلا بعقد استثنائي يحتاج الى توقيع وزراء الحكومة الـ 24 نيابةً عن رئيس الجمهورية)، وهو ما يعني ان أسهم قانون الستين ارتفعتْ في بورصة اي انتخابات عامة يراد منها كسْرٌ وشيك للمأزق الرئاسي.

ووفق هذه الدوائر، ففي حال نجح طارحو الانتخابات المبكرة النيابية في الحصول على تأييد القوى المسيحية على السير بقانون الستين، الذي كانت اعترضت عليه بالصوت ورفعت بوجهه بطاقة «القانون الارثوذكسي» (أن تنتخب كل طائفة نوابها)، فإن أي برلمان جديد على صورة «الستين» لن يوفّر توازنات سياسية جديدة تتيح لأي فريق ان يحصل على غالبية الثلثين الضرورية لالتئام جلسات الانتخاب الرئاسية، ما سيُبقي الانتخاب رهْن تسوية داخلية. ورغم ان عون ومعه حزب «القوات اللبنانية» سيحققان – في حال تحالفهما المرجّح نيابياً – كتلة أكبر من النواب المسيحيين، فإن عدم تسليم قوى سياسية وازنة مثل تيار«المستقبل» لا الامس ولا اليوم ولا غداً بالتخلي عن منطق النزول الى البرلمان والاقتراع بمعزل عن «منطق التعيين»، سيجعل حينها عون يصطدم للمرة الثانية بجدار صدّ يمنع وصوله الى الرئاسة، ما يفتح الباب امام «مرشحي الاحتياط».

وفي أي حال، فإن مبادرة بري أثارت «غباراً» كثيفاً حول ما إذا كانت تتكئ على مناخ اقليمي مساندٍ، بات يعدّ المسرح اللبناني لملاقاة تطورات ذات صلة بملفات المنطقة، لا سيما سورية، وسط اعتبار مصادر مطلعة ان «إدارة المحركات» مجدداً من فرنسا في ما يتعلق بـ «رئاسية لبنان»، قد لا يكون معزولاً عن محاولات خارجية لوضع البلاد على سكة تسوية ما، ملاحِظة ان المعلومات التي توافرت عن لقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الرئيس سعد الحريري، اول من امس، في باريس، اشارت الى ان الأخير أطلع هولاند على اقتراح بري تنظيم انتخابات نيابية قبل الرئاسية للخروج من التعطيل، قبل ان يشدد زعيم «المستقبل» على أن إنهاء الفراغ الرئاسي هو الوسيلة الوحيدة لوضع حد للتدهور في المؤسسات.

وفي حين تتجه الأنظار الى الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت للبنان في 27 الجاري ومساعي باريس لعقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان في بيروت، فإن العيون تشخص ايضاً – في إطار المسعى الفرنسي – على اللقاء الذي سيعقده هولاند مع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي سيقوم بزيارة لباريس في نهاية مايو، وكذلك محادثاته منتصف يونيو المقبل مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف.