شدّد الرئيس سعد الحريري على “أهمية انتخاب رئيس للجمهورية ووضع حد للفراغ”، مشيراً الى أنّ “الاستثمار في لبنان لا بد ان يُنظر إليه على انّه استثمار طويل المدى، ويوضع في إطار الفرص الواعدة التي سوف تنشأ حكماً عند انتخاب رئيس للجمهورية وعودة الانتظام إلى عمل المؤسسات الدستورية”.
الحريري، وخلال العشاء السنوي لمنتدى بيروت السادس للفرانشايز “بيفكس 2016” في مجمع “بيال”، لفت الى أنّ “لبنان يتمتع بقطاع مصرفي متين وسليم، تتوافر لديه ملاءة مالية عالية وسيولة جاهزة، ليكون شريكاً أساسياً للمستثمرين في لبنان”.
وقال: “أتعهد بأنّني سأبقى متمسكاً بنموذج العيش المشترك والوحدة الوطنية والمناصفة والاقتصاد الحر القائم على شراكة تكامل بين القطاعين الخاص والعام، وسأبقى متمسكاً بخط الاعتدال والانفتاح ومشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، وبالحريات الفردية والدينية والسياسية والفكرية، ليبقى لبنان رسالة ونموذجاً لكل النجاحات الإنسانية والسياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم “لو شو ما صار”!
ولفت الحريري الى أنّ “اللبنانيين أثبتوا ويثبتون كل يوم أنّهم متمسكون بنموذجهم”، مؤكداً أنّ “تغيير هويتنا في لبنان لن ينجح”.
نصّ الكلمة
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها الحضور الكريم،
بداية، أوجه تحية شكر للصديق شارل عربيد والمجموعة التي ساعدته على تنظيم هذا اللقاء في بيروت، كفعل إيمان ببيروت وكل لبنان، ومبروك اختيار بيروت كمركز للعلامات التجارية في العالم العربي، واسمحوا لي أيضا أن أعبّر عن سروري لأن أكون بينكم اليوم، لأنكم أنتم الذين تجعلونني وتجعلون اللبنانيين يشعرون أن بلدنا ما زال بخير، وأن مستقبلنا جميعا مليء بالأمل والنجاح بإذن الله … “لو … شو ما صار!”
أيها الأصدقاء،
ان صناعة الفرانشايز باتت تمثل اليوم حوالي 30 مليار دولار سنويا في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبدأت تلعب دورا في إيجاد فرص العمل التي يحتاجها شبابنا العربي.
ان التطوّر في تكنولوجيا الاتصالات، وتوسّع شبكة الانترنت، وانتشار الفضائيات والعولمة وانفتاح الأسواق، ساهم في إيجاد نمط متشابه للاستهلاك في مختلف أنحاء العالم، ما أدّى إلى توسّع وانتشار صناعتكم.
ونحن، في دولنا العربية، بدأنا نخطو خطواتٍ ملموسة على طريق تطوير هذه الصناعة، بحيث باتت لدينا علاماتنا الخاصة التي نفتخر بها والتي تمكّنت من الولوج إلى الأسواق العالمية.
وللبنان نجاحات مميزة في هذا الإطار، بابتكار العديد من الفرانشايز، وبات القطاع يشكّل جزءا أساسيا من اقتصادنا الوطني. ان النجاحات التي تحققت في صناعتكم لا بدّ ان تشكل حافزا لمزيدٍ من الانفتاح في اقتصاداتنا. فوطننا العربي يضمّ نحو 400 مليون مستهلك، وهو رقم يجب ان يأخذه صانعو القرار ورجال الأعمال بعين الاعتبار، ويدركوا حجم المنافع الاقتصادية والاستثمارية والتجارية المرتقبة لسوق بهذا الحجم.
وتحقيق هذا الهدف يتطلّب العمل وفقا لمسارين:
الأول يتعلق بإزالة كافة المعوقات الجمركية وغير الجمركية أمام تبادل السلع والخدمات وتوحيد قوانين التجارة وقوانين الملكية الفكرية، وقوانين العمل، وتنفيذ البنى التحتية المشتركة التي تسهّل النقل والخدمات اللوجستيّة.
أما المسار الثاني، فيتعلق بإزالة المعوقات أمام عمل القطاع الخاص وجذب الاستثمارات، وتطوير النظام التعليمي وتعزيز التدريب المهني والأبحاث والتطوير، وتشجيع الابتكار.
ونحن في لبنان مدركون لأهمية العمل على هذين المسارين. ولدينا تجربة عريقة في اعتماد نهج الاقتصاد الحر المبني على المبادرة الفردية والدور الريادي للقطاع الخاص. قد يتساءل بعضكم اليوم ما إذا كان الوقت ملائما للاستثمار في لبنان في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي يمرّ بها بلدنا. والجواب هو بكل بساطة:
نعم! لأن الاستثمار في لبنان لا بد ان يُنظر إليه على انه استثمار طويل المدى، ويوضع في إطار الفرص الواعدة التي سوف تنشأ حكما عند انتخاب رئيسٍ للجمهورية وعودة الانتظام إلى عمل المؤسسات الدستورية. وهذه مناسبة لأؤكد أمامكم على أهمية انتخاب الرئيس ووضع حدٍ للفراغ.
وكما أقول دائما، نحن لدينا قناعة راسخة بأهمية تحديد ادوار كل من القطاع العام والقطاع الخاص والتكامل بينهما. فالقطاع العام يجب ان يكون الناظم والمشرّع والمراقب، إضافة إلى دوره الأساسي في الرعاية الاجتماعية ومحاربة الفقر. أما القطاع الخاص فهو المحرّك الأساسي للنهوض الاقتصادي. فالقطاع الخاص في لبنان نجح في كل المراحل في تخطي الصعوبات، والاستفادة من الفرص، وتحويل التحديات إلى نجاحات. كما ان لبنان يتمتع بقطاع مصرفي متين وسليم، تتوافر لديه ملاءة مالية عالية وسيولة جاهزة، ليكون شريكا أساسيا للمستثمرين في لبنان.
وفي اقتصاداتنا العربية يشكل جيل الشباب أكثر من نصف مجتمعاتنا، ولدينا موارد طبيعية عديدة، وفرص واعدة للاستثمار.
جميع هذه العوامل تجعلنا على يقين، وبالرغم من كل التحديات، ان مستقبل منطقتنا سيكون مزدهرا، وأن مستقبل لبنان، سيكون مشرقا بإذن الله.
اسمحوا لي أن أستعير لغة قطاعكم، النموذج اللبناني يمكن أن ننظر إليه على أنه نوع من الفرانشايز. ويمكن أن يكون فرانشايز للأسوأ وقد يكون فرانشايز للأفضل! عندما كنا في خضم الحرب الأهلية، كنا وإياكم نصرخ أن فرانشايز الطائفية والمذهبية والعنف الأعمى لن يبقى محصورا داخل حدود لبنان. والآن انظروا إلى ما يدور حولنا، عدنا نسمع وصف “اللبننة”، وهذه هي الفرانشايز الأسوأ!
الحمد لله أننا خرجنا من الحرب الأهلية، بفضل اتفاق الطائف، واليوم عندما تسمعون الحلول المطروحة لعدة دول تحترق في المنطقة، ترون أن هذه الحلول هي عبارة عن فرانشايز لاتفاق الطائف. وهذه بكل فخر، فرانشايز الأفضل!
نحن وأنتم وكل اللبنانيين بعد الحرب الأهلية أعدنا إعمار بلدنا، واليوم مشاريع إعادة الإعمار في عدة دول مدمرة بالمنطقة هي عبارة عن فرانشايز من نموذج إعادة الإعمار اللبناني. وهذه أيضا فرانشايز الأفضل!
وعندما كانت اقتصادات المنطقة منهارة بسبب نماذج اقتصادية فاشلة، كان لبنان وما زال يقدم فرانشايز الاقتصاد الحر والمبادرة الفردية والعلم والصحة والإبداع، التي تتبناها اليوم معظم اقتصادات المنطقة. وهذه كذلك من جملة الفرانشايز الأفضل!
لكن للحقيقة، أن داخل بلدنا هناك من يحاول أن يقدم نماذج جديدة، هي عبارة أيضا عن فرانشايز لنماذج أخرى، من دول أخرى. الحمد لله، أن اللبنانيين أثبتوا ويثبتون كل يوم أنهم متمسكون بنموذجهم…. بـ”فرانشايزهم”! وأنتم الموجودون هنا أكبر دليل.
لا فرانشايز تغيير هويتنا سوف ينجح في لبنان، ولا فرانشايز الطائفية والمذهبية والتطرف والعنف والإرهاب سوف يجد من يشتريه!
وفيما يعنيني، أنا أتعهد أمامكم أني سأبقى متمسكا بنموذج العيش المشترك والوحدة الوطنية والمناصفة والاقتصاد الحر القائم على شراكة تكامل بين القطاعين الخاص والعام، وسأبقى متمسكا بخط الاعتدال والانفتاح ومشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، وبالحريات الفردية والدينية والسياسية والفكرية، ليبقى لبنان رسالة ونموذجا لكل النجاحات الإنسانية والسياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم. …. “لو… شو ما صار”!
عشتم وعاش لبنان.