كتب عبدالله بارودي في صحيفة “الجمهورية”:
نجحت غالبية القوى السياسية في مدينة طرابلس، من تشكيل اللائحة التوافقية برئاسة الدكتور عزام عويضة، والتي من المرجح أن تعلن في الأيام المقبلة، وستخوض الانتخابات البلدية يوم 29 أيار.على مدار أكثر من ثلاثة أسابيع، كانت عيون أبناء طرابلس شاخصة على المفاوضات والاتصالات التي كانت قائمة بين مختلف الأطراف السياسية في المدينة، اضافة الى اتصالات جرت بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي والوزيرين الصفدي وكرامي. الى أن تمّ حسم الأمور «أوّل أمس» بخروج الدخان الأبيض عقب الاجتماع الأخير لقيادات المدينة.
ورغم ذلك، لا تزال غالبية أبناء المدينة غير عالمة بتفاصيل ما حدث، لتطرح أسئلة عدة عن هدف التوافق، وكيف ولد، ولأيّ أسباب وغايات
وأهداف، وهل كان لعشاء الرئيسين الحريري وميقاتي الدور الأكبر في إنتاج التسوية.
يروي النائب سمير الجسر لـ«الجمهورية» تفاصيل ما جرى منذ البداية فيقول: «بعد الأزمة التي أحاطت بالمجلس البلدي الحالي، خرجنا بفكرة تجنيب المدينة أيّ مشكلة أو تجاذب سياسي ممكن أن ينعكس على أداء المجلس البلدي المقبل، خصوصاً أنّ العمل البلدي أساسه العمل الانمائيّ.
فولدت فكرة أن نتفق على شخص غير محازب، يحوز على موافقة كلّ القوى السياسية، وتكون لديه رؤية لعمل المجلس البلدي، على أن تترك له حرية اختيار فريق عمله، من أصحاب الكفاءة والاختصاصات المختلفة، بشرط أن يكونوا مستقلين، بمعنى أن لا يكون لديهم التزام حزبي مسبق».
ويضيف: «بالفعل جرى اقتراح ثلاثة أسماء للرئاسة وهم: عبد الرحمن الثمين، الدكتور عزام عويضة وعمر الحلاب.
في البداية جرى الحديث عن أرجحية لعمر الحلاب، ثمّ تغيّر الأمر، لحين وصلنا الى اختيار الدكتور عويضة، وهو إنسان لديه الكفاءة المطلوبة، ومحترم. وللتذكير فقط، فقد جرى تعيينه في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئيساً لمجلس ادارة مستشفى طرابلس الحكومي، قبل أن يتمّ تعيين مجلس إدارة جديد عقب اغتيال الرئيس الشهيد».
ويتابع الجسر: «قدّم الحلاب لائحة بأسماء بعض الشخصيات التي يقترحها لعضوية المجلس البلدي، والتي في الحقيقة كانت محلّ ترحيب كلّ القوى السياسية.
وهو ما يؤشر الى الموضوعية في عملية الاختيار، بعيداً عمّا يقال عن محاصصة بين السياسيين. كما عرض المرشحون الثلاثة للرئاسة برامج عملهم ورؤيتهم للسنوات الست المقبلة، وكانت في مجملها متطابقة، مع بعض التغييرات الطفيفة كلّ بحسب خصوصيّته ونظرته وخبرته المهنية والحياتية».
وأضاف: «أودّ القول إنّ الدكتور عويضة استفاد من سلّة الأسماء التي طرحها الحلاب، ومعظم الأعضاء الموجودين اليوم على لائحة عويضة، كانوا من ضمن فريق عمل الحلاب. ولذا، تمنّينا عليه الاستمرار والترشح لعضوية المجلس البلدي، فقبل مشكوراً، وأصدر بياناً في هذا الصدد ينسجم مع قناعاته وأهدافه التي جرى على أساسها الترشح وهي في معظمها لم تكن لأهداف وطموحات شخصية، بل لتحقيق مصلحة المدينة بشكل عام. هذه الوقائع تُثبت بأنّ برنامج العمل، والتجانس، واختيار فريق عمل منسجم، كانت الأساس في عملية التشاور بين مختلف القوى السياسية، وليس المحاصصة فيما بينهم».
وحول عملية التوافق، وكيف جرى بحثها في أروقة «المستقبل»، يشرح الجسر: «جرى تشكيل لجنة مركزية في «تيار المستقبل» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة لدرس الواقع الانتخابي في كلّ الأقضية اللبنانية التي يتواجد فيها التيار ورسم سياسة الترشيح.
وجرى الاتفاق على أن لا يخوض المستقبل معارك انتخابية في القرى، بل أن يترك للعائلات والعشائر حرّية اختيار الأنسب، خصوصاً أنّ معظم أبناء هذه القرى هم من مناصرينا، وأنه ليس من المنطق أن نكون مع بعض أنصارنا ضد البعض الآخر، وأعتقد أنّ هذا القرار لقي تجاوباً وصدىً إيجابياً».
وفي المقلب الآخر، يقول الجسر: «قرّرنا أن نخوض الاستحقاق الانتخابي بطريقة مباشرة في المدن الثلاث الكبرى: بيروت وصيدا وطرابلس، وفق معايير ومعطيات محدّدة.
في طرابلس، كانت هناك محاولات سابقة لفتح قنوات الاتصال بين الرئيس الحريري من جهة، والوزيرين الصفدي وكرامي والجماعة الاسلامية من جهة أخرى، بهدف توحيد الساحة السنّية وصمودها في وجه أيّ تداعيات أو انعكاسات سلبية لا سمح الله قد تطرأ على لبنان جرّاء ما يحصل في المنطقة. وفي طبيعة الحال، عندما جاء الاستحقاق الانتخابي، الكلّ أبدى رغبته في عملية التوافق».
ويرفض الجسر الكلام حول أنّ «المستقبل» مشى بالتوافق لأسباب مالية أو بسبب تراجع قاعدته الشعبية. ويشير الى «أنّ الانتخابات البلدية عام 2010 جرت تحت سقف التوافق، رغم أنّ «تيار المستقبل» كان في عزّ اندفاعته وقوّته، والدليل ما حققه في الانتخابات النيابية عام 2009 وحصوله على أكبر كتلة نيابية».
ومع ذلك يوضح الجسر: «قبلنا بـ3 أعضاء من أصل 24 بهدف إنجاح التوافق السياسي، وتوفير سبل النجاح أمام المجلس البلدي لتنفيذ المشاريع الإنمائية المطلوبة. المهم أن تربح طرابلس، لا أن يربح أيّ فريق سياسي.
ومَن يقول إنّ الرئيس ميقاتي قد كسب من خلال اختيار الدكتور عويضة، أقول بأنّ هذا الرجل ليس موظفاً في مؤسسات «العزم»، هو متطوّع مشكور في العمل الطبي الانساني، وهو انسان ميسور الحال، تربطه علاقة جيدة بالرئيس ميقاتي، لكنه في الوقت نفسه، ليس ببعيد هو وعائلته عن الرئيس الحريري ومَن يدخل الى دارته يجد صور الرئيس الحريري في صدر المنزل، وفي قلوب أهله، كما تربطه علاقات جيدة مع مختلف الأطراف السياسيين في المدينة. ونحن نتوسّم أن يكون الربح لطرابلس على يديه بإذن الله».
وحول العشاء الذي جرى بين الرئيسين الحريري وميقاتي في دارة الرئيس سلام، أكد الجسر بأنه «علينا عدم تحميل اللقاء أكثر ممّا يحتمل. كانت هناك اتصالات سابقة من قبل أهل الخير لجمع الرَّجلين للأهداف التي أشرنا اليها سالفاً، وكان اللقاء قيد التحضير منذ فترة، وهو ما ذكرته جريدتكم في تقارير سابقة، رغم نفي معظم الوسائل الإعلامية لحتمية حدوث هذا اللقاء.
وأودّ الاشارة، الى أنه حتى في زمن الأزمة بين الرجلين، لم تنقطع الاتصالات بينهما في المناسبات الاجتماعية. أما الحديث الأساس الذي جرى أثناء اللقاء، فهو في الأساس استعراض ما يحصل في المنطقة وانعكاساته على الوضع اللبناني.
أما موضوع الانتخابات البلدية فجرى عرضه بطريقة ثانوية، على اعتبار أنّ التفاهم والتوافق المبدئي كانا سبقا الاجتماع، نتيجة اما الاتصالات المباشرة بين الحريري ومختلف القوى السياسية في المدينة، أو عن طريق بعض الوسطاء الغيّورين على المدينة».
وينفي الجسر ما يُقال عن أنّ الخلاف بين الحريري وريفي، هو ما حتّم التوافق مع ميقاتي، مؤكداً بأنّ هذا الكلام غير دقيق، والدليل أنه حين جرى الاتفاق بداية مع الحلاب تمنّينا عليه زيارة كلّ الأطراف من دون استثناء، وحتى مع الدكتور عويضة حصل الأمر نفسه، كما أنّ الوزير ريفي نفسه أكد مراراً وتكراراً بأنه يرحّب بوصول الدكتور عويضة الى رئاسة البلدية. نحن لسنا في مواجهة مع أحد، نحن نحاول تأمين مجلس بلدي متجانس ليقوم بدوره الانمائي».
ويضيف: «اليوم هناك مشكلة سياسية كبيرة بين الوزير ريفي والرئيس الحريري، نتمنّى بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي أن تتمّ معالجتها». ونفى بشكل قاطع، أن يكون جرى اقتراح تقسيم ولاية رئاسة المجلس البلدي بالتساوي بين عويضة والحلاب.
مؤكداً بأنّ «التوافق هدفه الأساس عند «تيار المستقبل» وباقي الفرقاء السياسيين، ضمان تمثيل كلّ العائلات الروحية في المجلس، باعتبار أنّ أيّ تنافس قد يؤدّي الى استبعاد أحد المكوّنات الرئيسة».
ويأمل الجسر أن لا تحصل عملية تشطيب، وأن يلتزم معظم أبناء المدينة باللائحة كاملة ليس فقط من أجل تأمين تمثيل كلّ الطوائف في المجلس، بل أيضاً من أجل ضمان وجود فريق عمل متكامل ومتجانس، يعوّض المدينة ما فاتها، متمنّياً على أبناء الطائفتين المسيحّة والعلويّة تحديداً، النزول بكثافة، والاقتراع لكامل أعضاء اللائحة، لعدم تكرار تجربة عام 2004».