أنجلي رافال
عملية الاكتتاب العام الأولي المُقترحة، التي يقول المسؤولون إنها يُمكن أن تجمع تريليوني دولار، هي جزء من خطة السعودية لإعادة ابتكار اقتصادها، لكن بعض المستثمرين يرون أن على الرياض الجهاد من أجل التخلّص مما يشبه الإدمان على النفط. كانت شركة النفط الحكومية تتمتع دائما بدرجة من استقلال الاقتصاد الوطني. تلك العلاقة ستتعرض للامتحان في الوقت الذي تستعد فيه لعملية اكتتاب عام أولي جزئية – وفي الوقت الذي تسعى فيه الرياض لإعادة ابتكار الاقتصاد.
المقر الرئيس لشركة أرامكو السعودية لا يبعُد أكثر من ميل عن المكان الذي اكتشف فيه مختصو الجيولوجيا الأمريكيون رواسب النفط الخام الأولى في شبه الجزيرة العربية في عام 1938، الأمر الذي غيَّر وجه أسواق الطاقة.
اليوم، هناك مجمّع سكني هائل يمتد من مكاتب شركة أرامكو السعودية في الظهران، وهو يشتمل على منازل على غرار ضواحي المدن الأمريكية في الخمسينيات، جنباً إلى جنب مع المدارس والمستشفيات وملعب جولف وقوة أمن خاصة به، حتى شركة طيران، كل هذا تذكرة بدور الشركة الفريد باعتبارها الجوهرة في تاج الاقتصاد.
توظّف شركة أرامكو 65 ألف شخص. وكانت تتمتع دائما بدرجة عالية من الاستقلال عن اقتصاد السعودية، لكن الآن يتم التدقيق في العلاقات بين المملكة والشركة التي تموّلها على نحوٍ لم يحدث من قبل قط.
طبيعة علاقة “أرامكو” مع الحكومة تُراقَب عن كثب بعد الإعلان الشهر الماضي عن خطة جذرية لتحويل السعودية عن “إدمانها” على النفط. الكثير من هذه الخطة الاستثمارية، التي يُطلق عليها اسم رؤية عام 2030، يتمحور حول استخدام عائدات النفط من شركة أرامكو لتنويع الاقتصاد، وتعزيز القطاع الخاص وتوفير فرص العمل لسكانها الذين أغلبيتهم الساحقة من الشباب – حيث إن ثُلثي عدد سكانها البالغ 28 مليون نسمة هم تحت سن الـ 30.
في الوقت الذي تستعد فيه الشركة لعملية اكتتاب عام أولي يقول مسؤولون إن ذلك يُمكن أن يمنحها قيمة تبلغ تريليوني دولار، إلا أن هناك عددا متزايدا من الأسئلة حول ما تعنيه هذه الخطة – والسياسات الناشطة الأخرى من الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 30 عاماً – بالنسبة للمستثمرين المحتملين.
يقول جيم كرين، زميل في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس في هيوستن، تكساس، “هناك تكهّنات مختلفة للغاية حول إلى أي مدى ستكون عملية الاكتتاب العام الأولي ناجحة، لكنّ السعوديين ليس لديهم خيار سوى القيام بها بشكل صحيح. هناك حملة عاجلة لتنويع اقتصادهم الذي يقوم على ميزة واحدة”.
السياسة النفطية
البعض يرى نشاط الأمير محمد بن سلمان بأنه جزء من سياسة نفط أكبر من مظاهرها التمسك بسياسة الاحتفاظ بحصة البلاد في السوق، وهو ما حدث أثناء المحادثات في الشهر الماضي في الدوحة لتجميد إنتاج النفط في محاولة لدعم الأسعار. بعد أسابيع، تم استبدال علي النعيمي، وزير النفط المُخضرم بوجه جديد كان في الأصل مثل النعيمي من رؤساء أرامكو، أي الوزير خالد الفالح.
من موقع رئاسته للمجلس المسؤول عن الشؤون الاقتصادية، فإن الأمير يمارس هذا الدور المهم في هذه المنعطف الاقتصادي المهم، ويرى مراقبون أن خصخصة جزء من الشركة، من أجل المزيد من الشفافية، وقدر أكبر من الإشراف، ربما يبني جداراً أعلى بين الدولة وأكبر مصدر لعائداتها.
عملية الإدراج، المدفوعة جزئياً من شدة انخفاض أسعار النفط، يُمكن أن تحدث في وقت قريب ربما يكون العام المقبل، وذلك وفقاً للأمير محمد بن سلمان. وهي أثارت شهية المصرفيين والمستثمرين والمحامين والمستشارين في العالم ووضعت شركة الطاقة الكُبرى العالمية تحت المجهر.
الموارد المالية في الرياض تعرّضت لإجهاد عنيف بسبب الانخفاض في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014. الانخفاض من 115 دولارا للبرميل إلى 27 دولارا في كانون الثاني (يناير) الماضي، أطلق العنان لتخفيضات الميزانية وإصلاحات دعم الطاقة لكبح جماح العجز الذي بلغ 98 مليار دولار في نهاية عام 2015. حتى مع وصول الأسعار الآن إلى سعر 50 دولارا للبرميل لن يكون هناك قدر يذكر من الراحة.
النظرية هي أن التنويع بعيداً عن النفط – الذي يدفع ثمنه صندوق سيادي بقيمة ما بين تريليوني دولار إلى ثلاثة تريليونات دولار، الذي ثروته مبنية على مُلكية شركة أرامكو والعائدات من أي عملية إدراج – يُمكن أن يدفع الاستثمار نحو كل شيء من التعدين إلى السياحة.
أمين الناصر، الرئيس التنفيذي للشركة، أخبر الصحافيين الأسبوع الماضي في الظهران، أن شركة “أرامكو السعودية موجودة في قلب هذه الرؤية”. رسالته رددت أصداء رسالة خالد الفالح، رئيس مجلس إدارة أرامكو. الفالح أخبر كبار التنفيذيين بعد فترة وجيزة من تعيينه وزيراً للنفط أنه لا بد للشركة من قيادة تحديث البلاد، وذلك وفقاً لشخص مُطّلع.
وعند سؤالهم عمّا إذا كانت عملية الاكتتاب العام الأولي هي ببساطة لضمان ضخ سيولة أولي من أجل صندوق الثروة السيادية الخاص بها، أصرّ التنفيذيون على أن شركة أرامكو ستكون بمثابة “قدوة” للخصخصة في المستقبل. وهي بالأصل توسعت من كونها شركة إنتاج للنفط إلى شركة تكرير وشركة تصنيع للمواد البتروكيماوية في محاولة للحصول على قيمة أكبر من كل برميل.
حملة التنويع
تم تركيز مشاريع التوسّع في حقل الشيبة النفطي العملاق، الواقع بين الكثبان الرملية ذات اللون الأحمر الصدئ بالقرب من الربع الخالي في المملكة، على مُضاعفة القدرة الإنتاجية إلى مليون برميل يومياً، فضلاً عن بناء مصنع لإنتاج المواد الأولية لأعمال البتروكيماويات التي تشهد نمواً في المملكة.
وهناك جهود تُبذَل أيضا في صناعات مثل الشحن والرعاية الصحية والبناء وتكنولوجيا المعلومات والنقل.
يقول الناصر، “سنقوم ببناء ناقلات النفط ومنصات الحفر، وسوف نبني الموانئ وسوف نصنع المحركات”، حيث كان يعطي مثالا عن المجمّع البحري على ساحل الخليج في رأس الخير، المُقرر أن يكون جاهزاً للعمل بحلول عام 2021.
يقول مراقبو الصناعة، إن دخول مستثمرين من القطاع الخاص إلى أرامكو السعودية يُمكن أن يمنحهم السبق في أية عمليات طرح أخرى، لكن بعض المستثمرين يرسمون صورة أكثر قتامة لاقتصاد البلاد. حيث يسلّطون الضوء على حملات التنويع الفاشلة السابقة، والانخفاض في الإيرادات النفطية، وارتفاع التكاليف الناتجة عن السياسات الاجتماعية في البلاد.
يقول أحد المصرفيين في مجال الطاقة، “شركة أرامكو بحاجة إلى التأكد أنها لن تُجهد نفسها. الصلاحيات الواسعة جداً يمكن تعني فقدان القدرة على التنافس. ينبغي عليهم التمسك بما يُجيدونه”.
تتم إدارة الموارد الهيدروكربونية في السعودية من مركز التحكم في الظهران. شاشات ممتدة من الأرض إلى السقف تُظهر حركة كل ذرة نفط من الحقول مثل الغوار، أكبر حقل نفطي على اليابسة في العالم، عبر خطوط الأنابيب، إلى المصافي وحتى الناقلات. كل هذا يجري تحت مراقبة الفنيين.
هنا، يتم عرض جيولوجيا السعودية وإدارة شركة أرامكو لأصول الطاقة فيها. إنها أكبر مُصدّر للنفط الخام في العالم، ومع أكثر من 260 مليار برميل، تملك أكبر احتياطات من النفط التقليدي والمكثّفات. كما تملك أيضاً رابع أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي.
شركة أرامكو تميز نفسها عن شركات النفط الوطنية الأخرى: تبني حوكمتها على غرار شركة إكسون موبيل ولديها سمعة بأنها تتمتع بالمهنية والبراعة التكنولوجية.
يُجادل أحد الدبلوماسيين الغربيين في الرياض، أنه إلى جانب احتمال رقابة وشفافية وفعالية أكبر، يُمكنها أن تجعل الشركة أكثر جاذبية. “الهدف من عملية الاكتتاب يتعلّق بفصل الحكومة عن شركة أرامكو بقدر ما يتعلّق بفصل شركة أرامكو عن الحكومة”.
مهما كان الاستثمار مُثيراً، إلا أن شركة أرامكو السعودية محفوفة بالتعقيد. القيمة الحقيقية للشركة غير معروفة. وفي حين أن هناك شركات نفط وطنية أخرى تُسيطر عليها الدولة تحولت إلى شركات عامة، مثل روسنفت الروسية وبتروبراس البرازيلية، إلا أن أداء أسهمها كان سيئاً بشكل عام.
يقول الناصر إن هناك فريق عمل ضخما من “أرامكو” يعمل على عملية الاكتتاب العام الأولي – التي يُمكن أن تكون الأكبر في التاريخ – والتي من شأنها طرح نحو 5 في المائة من الشركة. ويجري النظر في خيارات الإدراج المُفردة أو المزدوجة. “ما زلنا ننظر في مقدار ما ينبغي طرحه وأين؟”. وحدها أسواق الأسهم الكبرى، مثل نيويورك ولندن، يُمكن أن تتعامل مع حجمها الهائل.
هيكلة أية عملية اكتتاب تبقى غير واضحة. قد يتم السعي وراء حصة في الشركة الأم، التي تُسيطر على التنقيب وإنتاج الثروة النفطية في المملكة، من قِبل المستثمرين من شأنها أن تُحقق أعلى قيمة. يقول المحللون إن وجود شركة منفصلة داخل شركة قابضة تحتوي على أصول مُحددة يُمكن أيضاً أن تكون متوافرة.
ويستند التقييم أيضاً على عوامل أخرى. البيانات حتى تاريخه – من الأرباح إلى تحويلات الحكومة، فضلاً عن معلومات عن الاحتياطات – كانت سرية. أي عملية اكتتاب عام أولي يُمكن أن تفتح “الصندوق الأسود” لـ”أرامكو”، على الرغم من أن بيع حصة أقلية ربما لا يمنح المستثمرين الكثير من النفوذ بقدر ما يملكون في شركات النفط الدولية الأخرى.
وفي حين أن الحكومة تمتنع تقليدياً عن المشاركة في شؤون الإدارة اليومية في شركة أرامكو، إلا أنها تُسيطر على سياسة الإنتاج. تحدث الأمير محمد عن أعضاء مجلس إدارة مستقل وفصل شركة أرامكو عن الحكومة، لكن هذا سيواجه فترة طويلة لضمان نجاحه.
يقول كرين، عند سؤاله عما إذا كانت التزامات الشركة لهذه البلاد تشكل تهديداً لقدرتها على العمل لمصلحة المساهمين من القطاع الخاص، “أي أحد يريد المشاركة في عملية الاكتتاب العام الأولي هذه يعرف أن ذلك هو جزء من الصفقة”.
فاليري مارسيل، خبيرة شركات النفط الوطنية في معهد تشاثام هاوس، المؤسسة الفكرية البريطانية، تقول إن حقوق الريع وغيرها من المدفوعات إلى الحكومة يجب أن تؤخذ في الاعتبار لأي أرباح لكل برميل وأية حسابات للتقييم. وتُضيف أن الشركة تُسلّم ما يزيد على 90 في المائة من أرباحها إلى الدولة، التي يُمكن أن تزيد توزيع أرباح أسهمها حسب إرادتها.
دائماً ما كانت شركة أرامكو قادرة على اتباع استراتيجيات طويلة الأجل بدلاً من فعالية قصيرة الأجل من حيث التكاليف في استغلال احتياطاتها من المواد الهيدروكربونية. تقول سهى قيوم، محللة في الشركة، “نحن نطوّر حقولنا حتى تدوم لعدة قرون. الأمر ليس مجرد توليد إيرادات”.
تقول السيدة مارسيل إن المستثمرين من القطاع الخاص سيكونون أقل تسامحاً وسوف يثيرون أسئلة حول الإنفاق الزائد. تُخطط الشركة لمضاعفة المشتريات المحلية من السلع والخدمات على مدى العقد المُقبل كجزء من حملة حكومية أوسع؛ يقول محللون إن هذا سوف يزيد من التكاليف ويُثير القلق بين المستثمرين المحتملين.
سداد الحسيني، الرئيس السابق لإدارة التنقيب في شركة أرامكو، يقول إن شركات النفط الوطنية تضع أولوية الوصول إلى أعلى إنتاج بأقل التكاليف قبل أولوية حياة الموارد. يقول “المستثمرون الذين يريدون عائدا أعلى على المدى القصير ستكون لديهم وجهة نظر مختلفة”.
زيادة الإنتاج؟
القدرة الإنتاجية الفائضة في السعودية، التي تُستخدم عادةً للاستفادة من السيطرة على السوق والتفاوض من داخل منظمة أوبك خارجها، هي نقطة خلاف. الإحصاءات تتم مراقبتهاعن كثب لأنها تُظهر إلى أي مدى يُمكن أن تُساعد المملكة في سد النقص – لكن هذه استثمارات في الأصول الرأسمالية التي في الغالب تُترك بدون استخدام.
الفالح، الذي دافع عن قرار السعودية بعدم خفض الإنتاج بشكل منفرد لمواجهة انخفاض الأسعار، يقول إن السياسة ستبقى مستقرة. مع ذلك، فإن تحركات الأمير محمد تثير المخاوف من أن تحوّله نحو اقتصاد ما بعد النفط يشير إلى أنه حريص على استغلال موارد النفط في المملكة عاجلاً وليس آجلاً. بالتالي هل يُمكن للسعودية أن تزيد الإنتاج والقدرة الإنتاجية؟ يقول مسؤولون إن المملكة لا ترغب في إغراق سوق النفط، لكن الأمير يشير إلى أنها يُمكن أن تزيد الإنتاج إذا رغبت في ذلك، من منطلق القوة لا الضعف.
بادي بادماناثان، الرئيس التنفيذي لشركة أكوا باور، شركة توليد الكهرباء السعودية، يقول إن الرياض تحاول في النهاية الحد من مكانة شركة أرامكو باعتبارها إحدى الأصول الاستراتيجية، في الوقت الذي تتحوّل فيه العلاقات بين الشركة والاقتصاد الوطني.
يقول “هذه مهمة طموحة للغاية. في حين أن هناك شكوكا تحوم حول الجدول الزمني، إلا أن الفريق الاقتصادي جدّي للغاية هذه المرة. ليس هناك بديل. هناك شعور بالحاجة المُلحّة لم يكُن موجوداً من قبل”.