كتب غسان سعود في صحيفة “الأخبار”:
ما لم تفعله الكتلة الشعبية والنائب نقولا فتوش فعله النائب هادي حبيش والنائب السابق مخايل الضاهر تحسباً لما ينتظرهما من تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية؛ وخصوصاً أن النائب المستقبليّ العكاريّ يحتل موقعا متقدما في قائمة من يفترض بهذا التفاهم أن “يحجّمهم”
ينشط جيمي جبور في التيار الوطني الحر منذ نعومة أظفاره. وقد كرسته الصناديق الانتخابية الحزبية قبل بضعة أشهر لاعباً شبه وحيد في ملعب التيار الوطني الحر في عكار، قبل أن يتابع صعود السلم الحزبيّ لدخول المكتب السياسي للتيار الوطني.
وهو فاز بهذه وتلك بقوته الذاتية وإن كان محسوباً على الوزير جبران باسيل وبمثابة الإبن المدلل للمنسق العام السابق للتيار بيار رفول. إلا أن طموح جبور لا يقف هنا. فهو احترم شيبة الوزير السابق مخايل الضاهر في الدورتين الانتخابيتين الماضيتين، مثنياً على اكتفاء العماد ميشال عون بتسمية مرشح واحد على مقاعد عكار السبعة برغم النفوذ الكبير للتيار في عكار. لكنه واصل تسجيل النقاط في مرمى النائب هادي حبيش في انتظار اللحظة المؤاتية لترشحه في وجهه. مع الأخذ بعين الاعتبار أن في عكار مقعدا مارونيا واحدا، تنافس الضاهر وحبيش الأب (الوزير السابق فوزي حبيش) ثم الإبن (هادي) طول العقدين الماضيين للفوز به.
بدوره هادي حبيش الذي تدرج في الوظيفة العامة من أستاذ مدرسي إلى مدير عام في مجلس الخدمة المدنية قبل أن يكتشف أحد الضباط السوريين أن بوسعه تحجيم النائب مخايل الضاهر بواسطته، ففاز بالنيابة عام 1996. ورغم انجازاته المفترضة لم يلصق الرأي العام به إنجازاً غير الدبك في حفلات المبايعة للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. وعام 2005 كان مفصلياً في حياة النائب الشاب: فهو كان يتردد على الرابية للبحث في إمكان تبني العماد عون لترشيحه، فيما خصمه ــ النائب يومها ــ مخايل الضاهر يرتدي الوشاح الأحمر والأبيض ويتنقل بين منابر 14 آذار مطمئناً إلى ترشحه على لائحة تيار المستقبل في عكار. إلا أن إصرار الضاهر على تسميته أحد المرشحين إلى جانبه أوقع طلاقاً مفاجئاً بينه وبين الحريري الذي اتصل بحبيش ليبلغه تبنيه، فانقطع الاتصال بين الأخير والرابية. وهكذا غدا هادي حبيش نائباً و”رمزا سياديّا” و”قامة استقلالية” وطبعاً عضوا في كتلة المستقبل يحدث عن إنجازات الرئيس رفيق الحريري على نحو يوحي بمعرفة عميقة من أيام الطفولة. وبحكم خبرته في السياسة وتقلباتها، حرص حبيش على إشعار سمير جعجع وزوجته النائبة ستريدا جعجع بأنه قواتي حين “يدق الخطر على الأبواب”، وإقناع قائد الجيش العماد جان قهوجي بأنه مرشحه الأول والأخير إلى رئاسة الجمهورية، وترسيخ اعتقاد رئيس الجمهورية ميشال سليمان حين كان رئيساً أن حبيش رأس حربته، من دون قطع خطوط الاتصال الوطيدة بالنائب سليمان فرنجية قبل أن يكون الأخير مرشح تيار المستقبل إلى رئاسة الجمهورية. لكن سطوع نجم حبيش في بيروت تزامن مع خفوته في بلدته القبيات.
في اخر انتخابات بلدية فرعية شهدتها البلدة وقف كل من جيمي جبور وهادي حبيش خلف مرشح. يومها كان حبيش يحظى بدعم مالي غير محدود من تيار المستقبل، وخط عسكري خدماتي يرعاه رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وإسناد شعبي وسياسي وتغطية من القوات اللبنانية لـ”مستقبليته”. إلا أن مرشح جبور رئيس المجلس البلدي الحالي عبدو عبدو انتصر في نهاية الأمر بفضل ثروته الشخصية ودعم التيار والنائب السابق مخايل الضاهر. أما اليوم فيعاد خلط كل الأوراق في القبيات.
فقد استبق حبيش الشحن الانتخابيّ ضده بالإعلان أنه لا يريد أي شيء لنفسه ولا حتى عضوا واحدا في المجلس المؤلف من ثمانية عشر عضواً، نظراً لتقديمه “مصلحة القبيات طبعاً على مصلحته الشخصية”. لكن وفي سياق انفتاحه على الجميع وتواصله معهم لإبلاغهم أنه لا يريد شيئا لنفسه، قصد حبيش منزل النائب السابق مخايل الضاهر فور خروج الأخير من المستشفى. ومن هناك انتقل إلى منزل رئيس البلدية عبدو عبدو، الذي كان محسوباً عليه لسنوات طويلة قبل أن ينتقل إلى ضفة الضاهر. وهكذا تصالح حبيش مع خصمه التاريخيّ ورئيس بلديته في ظل مواصلته التأكيد أنه لا يريد شيئاً لنفسه. لا يريد شيئا لنفسه، لكن لم يعد بوسع العونيين والقوات الاستفراد به. وسرعان ما بدأت التفاصيل الشيطانية بوضع العصي في دواليب التوافق. رفض العونيون إصرار الوسطاء على اختيار مرشح غير عبدو عبدو ليكون رئيساً للمجلس التوافقي، لكن عبدو عبدو لم يتمسك بالعونيين حين فرط التوافق. رفض عبدو أن يكون رئيساً للائحة المدعومة من التيار، على أن يتقاسم ولاية رئيس البلدية مع أحد العونيين (ثلاث سنوات لكل منهما). ثم وافق ثم رفض، ثم تفاهم مع حبيش ثم عاد وطلب موعداً من الوزير جبران باسيل. اقترح باسيل أن يسمي حبيش والضاهر وعبدو عبدو تسعة أعضاء بينهم رئيس المجلس البلدي، وأن يختار العونيون والقوات تسعة أعضاء بينهم نائب الرئيس. ذهب عبدو بوعد أن يأتي بجواب من حلفائه، لكنه لم يعد. وهكذا ذهب الجميع أول من أمس، في اليوم الأخير لقبول الترشيحات وأودعوا ترشيحاتهم.
ويبدو واضحاً أن معركة القبيات ستمثل استمرارية لمعارك زحلة وجونية، وهي تبدو أقرب إلى معركة جزين لأن الطرف القياديّ فيها هو التيار الوطني الحر لكنه يحظى هنا – بعكس جونية – بدعم القوات. وبحكم موعد انتخابات الشمال وعدم وجود معارك جدية أخرى في غير تنورين، يفترض أن يكون التيار الوطني الحر بجمهوره وإعلامه وسياسييه متفرغاً لانتخابات القبيات. أما موازين القوى، فتشير إلى تموضع النائب هادي حبيش ورئيس المجلس البلدي عبدو عبدو وحزب الكتائب جنباً إلى جنب، في ظل مباركة الضاهر لهم، فيما يجتمع في المقلب الآخر التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والمحامي جوزف مخايل، الذي تصالح أخيراً مع القوات بعدما كان المرافع الرئيسي في المحاكم ضد سمير جعجع، إضافة إلى قاعدة الضاهر التي يراهن حلفاؤها السابقون على كونها تحتاج إلى أكثر من تبادل فناجين قهوة بين حبيش وضاهر لتتجاوز سنوات الخصومة القروية التي تثبت الانتخابات البلدية أنها أقوى من كل العصبيات.
وقد نجحت اللائحة الحزبية في تحقيق اختراق كبير في عائلة عبدو عبدو حين رشحت اثنين من بيت عبدو، فيما تجاوزت القوات خطر الاختلاف في الرأي نتيجة انتساب كثيرين من أنصار حبيش إلى القوات. وبدا أن الولاء القواتي الحزبيّ في القبيات يتجاوز كل الولاءات الأخرى، حالهم من حال العونيين. وتجدر الإشارة إلى أن انتخابات 2010 البلدية شهدت تحالف حبيش وعبدو والقوات والكتائب، في مواجهة التيار ومخايل والضاهر وأتت النتائج متقاربة جداً مع غلبة لحبيش. أما اليوم، فتكاد تكون الموازين نفسها مع فارق انتقال القوات الوازنة شعبياً من ضفة حبيش إلى ضفة العونيين. وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن انحناء حبيش للعاصفة في أول الموسم الانتخابيّ استفز العونيين كثيراً لتلهفهم في القبيات منذ سنوات لتوجيه هذه اللكمة السياسية له في صناديق الاقتراع، قبل أن يريحهم نزعه قناع التزهد واندفاعه صوب المعركة.