كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
تجنب رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية في الآونة الأخيرة الإفراط في الكلام، لإدراكه أن الإكثار منه لا يقدم ولا يؤخر في مرحلة الوقت الضائع رئاسياً. يتمسك فرنجية بترشيحه الى رئاسة الجمهورية لأن مقوماته وأسبابه لا تزال قائمة، لكنه في الوقت ذاته يواصل خوض المعركة بأقل قدر ممكن من الصخب، في ظل المرواحة التي تخيم على الاستحقاق، تحت وطأة التعقيدات المحلية والاقليمية.
قيل الكثير عن دور ضمني لفرنجية في معركة جونية البلدية، وجرى اتهامه بأنه وظّف علاقته الوثيقة مع بعض خصوم عون السياسيين في كسروان، ومع أحد كبار المتمولين، للتسلل الى “منطقة الجزاء” البرتقالية ومحاولة اقتناص هدف في مرمى العماد ميشال عون، على أرضه، قد يفيد رئيس “المردة” في اي مباراة حاسمة على الكأس الرئاسية، إن حصل وفرضت الظروف الاحتكام الى فارق الاهداف لتحديد الفائز النهائي.
يملك أنصار عون من المعطيات ما يكفي، برأيهم، للجزم بأن الاصطفاف الذي حصل فوق الطاولة وتحتها في جونية ضد الجنرال لم يكن بريئاً أو محض بلدي، وأن نوعية الاسلحة التي استخدمت في المواجهة الانتخابية هي من العيار الثقيل الذي لا يستخدم إلا في معارك مفصلية تتجاوز سقف محاولة السيطرة على بلدية.. الى محاولة الاقتراب من قصور رئاسية.
ولأن التحدي كان بهذا الحجم العابر لحدود المدينة الكسروانية، يتباهى البرتقاليون بالانتصار المنجز في جونية والذي لا يقلل من شأنه الفارق البسيط في الاصوات عن اللائحة المنافسة او الخروقات الاربعة التي سجلت في صفوف الفائزين، بل إن هذا الهامش الضئيل بين الرابح والخاسر يُبين، برأي المتحمسين لعون، كم ان المعركة كانت قاسية وكم ان رهان الخصوم عليها كان كبيراً، ما يمنح الفوز، وسط هذه الظروف، وقعاً مضاعفاً.
ويشير المقربون من الرابية الى ان التحالفات التي نسجها التيار في جونية لا تخفف من شأن قدرته الذاتية ولا من حجم رصيد الجنرال، ذلك ان الائتلاف مع قوى أخرى هو من طبيعة اللعبة الانتخابية وقواعدها البديهية، وما ينطبق على اللائحة الفائزة يسري تلقائيا على تلك الخاسرة التي حاولت بدورها تجميع ما أمكن من القوى والقدرات لانتزاع النصر.
أما على الضفة الأخرى، فإن المنحازين الى بنشعي ينفون السيناريوهات الافتراضية التي تم ضخها حول تدخل مباشر او غير مباشر للنائب سليمان فرنجية في معركة جونية، معتبرين ان “التيار الحر” هو الذي تعمد إعطاء انتخابات عاصمة كسروان طابعا رئاسيا، لتحفيز جمهوره وشد عصبه.
ويؤكد هؤلاء ان عون أوحى بأن هناك استهدافا شخصيا له في جونية من أجل استنهاض همم مناصريه وكسب تعاطف المترددين، بسبب خشيته من ان يتم توظيف اي هزيمة بلدية قد تلحق به في سياق إضعاف ترشيحه الرئاسي، خصوصا ان بعض المؤشرات الاولية التي التقطتها الرابية قبل الاحد الانتخابي أظهرت ان المنافسة ستكون صعبة وشديدة وان نتيجتها قد تتوقف على بضعة أصوات.
ويعتبر داعمو فرنجية ان نتائج انتخابات جونية أظهرت مرة أخرى، بعد رسالة زحلة، ان تفاهم معراب لا يختصر معظم المسيحيين، وان المكونات الحزبية الاخرى والبيوتات السياسية تمثل وزنا شعبيا لا يستهان به في البيئة المسيحية، مشيرين الى ان التدقيق في ارقام جونية يُبيّن ان اللائحة الفائزة ما كانت لتنتصر لولا الأصوات التي جيّرها لحسابها بعض الحلفاء الموجودين خارج مظلة التفاهم، بل إن بينهم من هو خصم سياسي للتيار، لكن المصلحة الظرفية اقتضت الائتلاف الموضعي بينهما.
ويشير مؤيدو رئيس “المردة” الى ان التسليم بمنطق “التيار الحر” حول تدخل فرنجية في انتخابات جونية يقود أصلا الى نتائج واستنتاجات معاكسة لتلك التي يجري الترويج لها من قبل “التيار” و”القوات” في شأن تفوقهما الكاسح على مستوى التمثيل المسيحي، “إذ مجرد ان تكون اللائحة المنافسة قد حصدت أقل من نصف الاصوات بقليل، في عمق البيئة المارونية المفترض انها حاضنة للتيار، فهذا إنجاز لها، وإذا اراد البعض ان يربط هذه اللائحة بـ “صلة قرابة” تحالفية مع فرنجية او ان ينسب الى رئيس “المردة” انه تدخل لدعمها بشكل او بآخر، فان هذه المقولة التي أريد لها ان تحرج فرنجية، إنما تعني ببساطة اعترافا من مروجيها بأنه بات لاعبا أساسيا خارج ملعبه الشمالي، وأن شعبيته وتأثيره يتمددان في الساحة المسيحية”، كما يردد مناصرو بنشعي.