في محاذاة طرق التهريب عند الحدود السائبة بين لبنان وسوريا في البقاع الشمالي، تدفن يومياً عشرات الأطنان من أصناف الفاكهة من إنتاجات بساتين القاع ومشاريعها وغيرها من بساتين الأشجار المثمرة على طول البقاع. بالأطنان تعبر يومياً شاحنات محمّلة بأصناف من الخضار والفاكهة، آتيةً من الداخل السوري عبر معابر القصير وحوش السيد علي وبقية طرق التهريب، تفرغ حمولتها في أغلب الأسواق الزراعية اللبنانية التي نأت بنفسها عن الإنتاج الزراعي اللبناني العاجز عن منافسة هذه الإنتاجات، خصوصاً في ظل انهيار أسعار العملة السورية، وما نتج منه من انخفاض في أسعار السلع الزراعية السورية قياساً على سعر الليرة اللبنانية.
تتشارك القطاعات الزراعية في الشكوى من الحدود اللبنانية ـ السورية السائبة عند الجهة الشمالية من البقاع اللبناني، الذي يُعَدّ معبراً أساسياً ويومياً لأطنان من الخضار والفاكهة السورية، التي لا تجد متنفساً إلا التهريب باتجاه السوق اللبنانية وإن كان على حساب تدهور القطاع الزراعي اللبناني.
يأتي إغراق السوق اللبناني بالسلع الزراعية السورية، في ظل استمرار تعطل حركة العبور الشرعية بين لبنان وسوريا على أثر الأحداث الأمنية والعسكرية في الداخل السوري، ما حال دون عبور المئات من الشاحنات اللبنانية التي اعتادت نقل آلاف الأطنان من أصناف هذه الفاكهة الى الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، الأمر الذي ضاعف أعباء الأزمة الزراعية في لبنان عند مختلف القطاعات الإنتاجية.
كان يفترض لو سلكت طرق التصدير في شكل طبيعي، ان يرتد الأمر بأرباح غير متوقعة على المزارعين الذين استفادوا من وجود إنتاج وفير وغزير هذه السنة «الجيدة إنتاجياً»، حسب توصيف المزارعين ومنهم طوني شديد الذي يشير لـ «السفير» إلى أن الوفرة في الإنتاج الزراعي لم تقابل بأرباح، بل بخسائر، في ظل ما يسمّيه النكبة الزراعية من جراء انعدام التصدير البري بين لبنان وسوريا وبقية العالم العربي. في موسم بيع الفاكهة وقبل إقفال الحدود البرية، اعتاد طوني شديد على تصريف يومي بمعدل 5 أطنان من الفاكهة، أما اليوم فلا تتجاوز حركة البيع حدود الطن الواحد، إذ تقتصر المبيعات على ما يقارب 3 أطنان كل يومين أو ثلاثة.
حاول المزارعون الاستعانة بالتصدير البحري والجوي للتخفيف من ثقل كساد مواسمهم، إلا أنهم لم يجدوا دواءهم الشافي في هذين النوعين من التصدير، فالفاكهة اللبنانية أعجز من تحمل الأيام الطويلة في البحار، كما ان التصدير الجوي دونه عقبة الكلفة التي تفوق إمكانية المزارعين والمصدرين، إضافة الى اقتصار الشحن الجوي على كميات ضئيلة. تجاوز الانخفاض في أسعار الفاكهة لهذا الموسم ما يزيد عن 50 في المئة، قياساً على أسعار السنة الماضية وطاول هذا الانهيار في الأسعار أصناف الكرز والدراق والمشمش والنكتارين والفريز واللوز.
في العام الماضي، تراوح سعر كيلو الفاكهة من المشمش والدراق والكرز ما يزيد عن 2000 ليرة في أرضه، أما اليوم فإن رأس السعر لا يقارب الف ليرة، حسب شديد الذي يتحدث عن أصناف زراعية لا تحتمل المدة الزمنية لفترة التصدير عبر البحر، أما التصدير عبر الجو فدونه أكلاف كبيرة تفوق إمكانيات المزارعين المالية.
تتشارك الطرق الرئيسية في مشهد عربات الخضار والفاكهة التي تتجول بأرتال من الكرز والدراق والمشمس والبيع بالجملة، وهذه الظاهرة المستجدّة دونها خسائر وتدوين لمأساة زراعية، حسبما يقول المزارع احمد الترشيشي الذي يحتار في تصريف 1200 طن من إنتاج بساتينه من الدراق والنكتارين التي لا تزال حباتها تتدلى على أغصانها.
لا يصنف الترشيشي مشهد العربات الزراعية التي تتكدس على ظهرها كميات من الكرز والدراق والنكتارين في إطار المؤشر الإيجابي، فهذه الاصناف اعتادت على التصدير وحجز واجهات المحال الزراعية الكبرى في العالم العربي، وخصوصا الخليجي، لا أن تباع على الطرق وبأسعار لا تسترد من كلفها أكثر من 50 في المئة.
يتوافق كل من شديد والترشيشي على أولوية دعم التصدير الزراعي من خلال تفعيل حركة دعم التصدير البحري والجوي، فلا يمكن حسب شديد الإبقاء على الآلية الحالية المتبعة في التصدير البحري التي ترتكز على دعم يصل الى البواخر والسفن ولا يصل هذا الدعم الى المصدر والمزارع.
من المقترحات التي يطالب بها شديد دفع الرديات المالية عن كل شحنة تصدير في فترة لا تتعدى الشهر عن موعد التصدير حتى لا يتكبّد المزارع خسائر إضافية من جراء حجز مستحقاته المالية لدى مؤسسة ايدال.
في المقابل، يطالب الترشيشي بدفع تعويضات مالية على كل دونم من بساتين الفاكهة يصل الى حدود الف دولار من أجل تعويض الخسارة المالية اللاحقة بأصحاب البساتين الذي سيعمدون الى قطع أشجارهم وبيعها الى تجار الحطب.