كتب إميل خوري في صحيفة “النهار”:
يرى ديبلوماسي لبناني ان لا أمل في التوصل الى حل سياسي للأزمات الصعبة ما لم يدفع بها ضغط عسكري يجعل طرفاً يشعر باقتراب الهزيمة منه، بدليل أن معاهدات الصلح لا تعقد بين الدول المتحاربة إلا بعد انتصار دولة على أخرى. أما الحلول السياسية فلا يتم التوصل اليها غالباً إلا بعد أن يشعر طرف باقتراب الهزيمة العسكرية منه، ولا أمل في التوصل الى هذه الحلول اذا ظل كل طرف يشعر بأنه لا زال يستطيع التغلب على الطرف الآخر، وهو الحاصل حالياً في سوريا. فلو أن أصحاب الحل والربط في الداخل والخارج اتفقوا على حل لكانوا جعلوا طرفاً يشعر بخطر الهزيمة عسكرياً ليصبح مستعداً للقبول بالحل السياسي. لكن الدول المعنية بالأزمة السورية جعلت كل طرف في سوريا يشعر بأنه قادر على الانتصار عسكرياً على الطرف الآخر وفرض الحل السياسي الذي يكون فيه غالب ومغلوب.
لذلك تفكر الدول المساندة لقوى المعارضة السورية من أجل دفع الحل السياسي قدماً ولا يظل متعثراً، في تزويدها أسلحة تشعر الرئيس بشار الأسد باحتمال اخراجه بالقوة من الحكم اذا لم يخرج منه بالتراضي ليصير في الامكان التوصل الى حل الأزمة السورية حلاً عادلاً ومتوازناً لا يكون فيه غالب ومغلوب، فاستمرار الحرب في سوريا بتحقيق التوازن بين القوى سوف يدمر ما تبقى منها حجراً وبشراً، وليس سوى اتفاق اميركي – روسي ما يجعل الرئيس الأسد يختصر مدة الحرب باعلان تخليه طوعاً عن السلطة فور الاتفاق على نظام جديد وإقامة سلطة بديلة قادرة على مواصلة الحرب على ما تبقى من تنظيم “داعش” ومن معه، لضمان استمرار الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في سوريا، وللتمكن من إعادة إعمار ما تهدم فيها.
الواقع أن ضغطاً عسكرياً وسياسياً تمارسه أميركا على قوى المعارضة السورية وضغطاً مماثلاً تمارسه روسيا على أهل النظام والمساندين لهم هو السبيل الى توفير أسباب النجاح لمفاوضات البحث عن حل والقبول بتنازلات متبادلة، وهو ما حصل في لبنان توصلاً الى وقف الحرب الطويلة فيه بعدما دامت 15 سنة بتخطيط أميركي عندما وضعت خطوط تماس للمتحاربين بحيث لا يحق لأي طرف تجاوزها كي تستمر الحرب داخل هذه الخطوط، ولا يكون لأي طرف قدرة التغلب على طرف آخر وذلك بابقاء موازين القوى متعادلة، وهو ما فرض على سوريا عدم استخدام طيرانها الحربي في الاجواء اللبنانية لئلا يرجح كفة طرف على آخر وتنهي الحرب المخطط لها أن تطول الى أن يصبح دخول القوات السورية الى لبنان مقبولاً من كل المتحاربين عندما يفقدون الأمل في انتصار طرف على آخر ويصبح الحل “حل التعب”. و”حل التعب” هذا بدأ مع الدعوة الى عقد مؤتمر الطائف الذي لولا شعور طرف بخطر الهزيمة العسكرية لما كان لبّى هذه الدعوى ولما كان قبل باتفاق يقلص صلاحيات رئيس الجمهورية. وكانت أميركا والسعودية تعملان بقوة على إنجاح المؤتمر وفرض التوصل الى اتفاق بتخيير المعترضين بين القبول به او عودة الحرب الى لبنان لمواجهة مزيد من الخراب والدمار في حرب لا انتصار فيها لأحد.
إن ما تواجهه سوريا بعد مرور أكثر من خمس سنوات من الحرب شبيه بما واجهه لبنان بعد 15 سنة من الحرب، وقد توصلت أميركا بالتعاون والتنسيق مع دول عربية وتحديداً السعودية وحتى مع اسرائيل، الى اتفاق تتولى سوريا تنفيذه خلال سنتين. لكن سوريا التي طابت لها الوصاية على لبنان جعلتها 30 سنة…
لذلك فإن السؤال المطروح هو: هل تحل الأزمة السورية على الطريقة التي حلّت بها الأزمة اللبنانية، أم أن تركيبة لبنان تختلف عن تركيبة سوريا بحيث بات من الصعب العودة بها الى وحدتها الداخلية أرضاً وشعباً ومؤسسات؟
إن الأشهر القليلة المقبلة قد تجيب عن هذا السؤال، فإما يكون الحل تقاسم نفوذ بين الدول المعنية في المنطقة، وإما تقسيم يبدأ من العراق أو سوريا اذا ما رفضت الفيديرالية نظاماً لها، وإما يكون اتفاق شبيه باتفاق الطائف يضع نظاماً جديداً ودستوراً جديداً لسوريا، وهذا لا سبيل للوصول اليه الا اذا سار الحل العسكري على خط واحد مع الحل السياسي.