Site icon IMLebanon

شبعا: انكفاء الأحزاب لمصلحة الأعراف العثمانية!

chebaa

كتب فراس الشوفي في صحيفة “الأخبار”:

تبدو المعركة في شبعا عائلية بامتياز، مع ابتعاد الأحزاب السياسية التقليدية في المنطقة عن خوض المعارك الانتخابية مباشرةً. لكن انكفاء الأحزاب يعيد طقوس الزمن الغابر. بعد 100 عام، أهلاً وسهلاً بأحكام السلطنة العثمانية!

في أقاصي جبل الشيخ المنسيّ، تستعد بلدة شبعا ذات الشوارع الضيقة لخوض الاستحقاق البلدي صباح غد، بصيغة لم تعهدها منذ عودة الانتخابات البلدية إلى قرى الشريط الحدودي في 2001. هو مشهد عام في الانتخابات البلدية اللبنانية، يظهر بوضوح أكثر في شبعا: انكفاء الأحزاب عن اللوائح المتنافسة وتقديم الدعم في الخفاء، لمصلحة عودة الأعراف العائلية، القديمة والرجعية، لرسم مشهد التنافس على المجالس البلدية والاختيارية.

هذه المرّة، لم تحمل النائبة بهية الحريري همّ شبعا فتسخّر وقتها للمعركة الانتخابية البلدية في عاصمة العرقوب، ولم يتعب ابنها الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري من التجوال في شبعا والعمل على دعم اللوائح الانتخابية وتركيبها تحت عنوان “الدفاع عن شبعا ضد خطر حزب الله”. لا يكاد تيار المستقبل “يُخَلِّص” في صيدا، فلا وقت للبلدات المهمّشة في الأطراف، ولا عنوان سياسياً يخوض التيار المتعب المعارك البلدية تحته، فانكفأ المستقبليون بعيداً جدّاً عن شبعا. وبدل تشكيل اللوائح ودعمها ودفع الأموال ودفع بدلات إحضار المغتربين بالطائرات قبل أيام من الاقتراع، اكتفى التيار بالوقوف موقف المتفرّج، وبيع الدعم المعنوي تحت ستار “ترك الحرية للعائلات” للائحتين تتنافسان في البلدة. الأولى، باسم “الوفاء والكرامة” على رأسها الرئيس الحالي محمد صعب، والثانية باسم “شبعا للكلّ”، ومن أبرز وجوهها المتموّل محمد فرحات والعميد المتقاعد عدنان الخطيب، وأبرز مسؤولي الجماعة الإسلامية في العرقوب صافي ناصيف (نائب الرئيس صعب في البلدية الحالية). وفي وقت شكّل فيه صعب لائحته المقفلة من 18 عضواً قبل أسابيع، واستعد للمعركة، كانت اللائحة المقابلة لا تزال “لوائح” موزّعة بين ناصيف وفرحات والخطيب، الذين اتفقوا قبل أيام على توحيد جهودهم لمنافسة لائحة صعب.

في السنوات الماضية، عرفت شبعا أكثر من مجلس بلدي، وخيضت المعارك جميعها تحت عنوان سياسي منذ 2001، وتبدّلت القوى السياسية الداعمة للوائح، لكن غالبية الوجوه تكرّرت. وفي مجلسي 2001 و 2004، كان الفوز حليفاً للوائح المدعومة من القوى التي صارت تُعرَف لاحقاً بقوى 8 آذار مع الرئيس عمر الزهيري. لكن في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استطاع تيار المستقبل والجماعة الإسلامية إيصال اللوئح المدعومة منهما، في معارك شرسة مع اللوائح المنافسة.

نفي الطابع الحزبي عن المعركة تتولّاه وجوه اللائحتين، اللتين تتنافسان على كسب نحو 5500 مقترع من أصل 13600 ناخب بحسب لوائح الشطب لعام 2016. ويقول صعب لـ”الأخبار”، إن “المعركة معركة عائلية بامتياز، وفي لائحتنا لا وجود لوجوه حزبية نافرة، هناك مرشّحون لديهم توجّهات سياسية، لكن لا التزام سياسياً”. ولا ينفي صعب أنه أسهم في دفع بدلات ركاب طائرتين من “الشباعنة” المغتربين، حتى يتمكنوا من الاقتراع وزيارة بلدتهم. ويبدو الأخير واثقاً من الفوز بفارق كبير من الأرقام، “على الأقل 500 صوت”. أمّا ناصيف، المرشّح على لائحة “شبعا للكلّ”، التي لم تحسم اسمي الرئيس ونائبه في حال فوزها، فيؤكّد بدوره أن “المعركة عائلية ولا تدخل من قبل القوى السياسية فيها. هناك حزبيون نعم، وهناك دعم من الجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية لنا، ومعنا أحد المحازبين من الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكن لا دعم حزبياً واضح”. ولا يُنكر ناصيف أن فرحات دفع تكاليف تذاكر سفر لناخبين مغتربين.

والحياد في شبعا ليس حكراً على تيار المستقبل، بل تؤكّد مصادر الحزب القومي أن “الحزب على مسافة واحدة من اللائحتين”، فيما يتمسّك النائب قاسم هاشم بردّه على سؤال “الأخبار” بأنه “على الحياد ومسافة واحدة من اللائحتين”، علماً بأن جزءاً كبيراً من عائلة هاشم يدعم لائحة صعب.

غير أن انكفاء الطابع الحزبي عن المعركة، الذي يبدو أنه مطلب للأهالي بعد فشل الأحزاب عموماً في تقديم نماذج بلدية جيّدة في المناطق عامةً، وفي قرى العرقوب خاصة، لم يكن دافعاً لتطوّر العمل البلدي وآلية الترشّح وكيفية انتقاء المرشّحين. بعد 100 عام على خروج الاحتلال العثماني من الشرق، عادت شبعا إلى لعبة بلدية عل مقياس التوزيع “الرباعي” لعائلات البلدة، الذي حاكه العثمانيون في القرون الغابرة! وعاد عرف التحالفات بين “هاشم” و”عسّاف” وبين “برغش” و”زليخا” وهي تجمّعات عائلية أنتجها الاحتلال العثماني، ليحكم انتخابات أكبر بلدة في العرقوب، بعد أن كان قد انكسر هذا العرف للمرّة الأولى في انتخابات عام 1963!

أمّا في السياسة والشائعات، فتبدو “تهمة” الانتماء إلى “سرايا المقاومة”، شمّاعة يعلّق عليها الخصوم لإقناع الناخبين بشرور اللائحة المقابلة، علماً بأن التنظيم على ما يؤكّد أكثر من مصدر فيه لـ”الأخبار” “لا يتدخل لا من قريب ولا من بعيد في الانتخابات البلدية”. مسألة أخرى، يجري الحديث عنها في العرقوب، هي الاندفاعة التي تسجّلها الجماعة الإسلامية في هذه الدورة الانتخابية، إمّا بمرشّحيها المباشرين وإما بدعم مرشّحين في الخفاء. فهل تغبّ الجماعة في العرقوب من صحن تيار المستقبل الذي يضعف يوماً بعد يوم، كما غبّت في إقليم الخرّوب؟