جاسم عجاقة
إن الانتخابات البلدية التي يفترض أن تكون إنمائية بإمتياز ليست بإنمائية إلا على الورق. وتُقدّر قيمة رشى هذه الانتخابات في مرحلتيها الأولى والثانية بـ73 مليون دولار أميركي، تمّ صرفها على شراء الأصوات. هذه الرشى تذهب بعكس اتجاه الإنماء وتطرح السؤال عن التداعيات الإقتصادية والاجتماعية والإنمائية للبلديات في المرحلة المُقبلة.
بحسب المرسوم الإشتراعي رقم 118 تاريخ 30\6\1977، البلدية هي إدارة محليّة تُمارس الصلاحيات المُعطاة من القانون ضمن إطار أراضيها. وهذا يعني أن هناك نقلاً للصلاحيات من السلطة المركزية إلى السلطة المحلية.
اللامركزية بتعريفها هي عبارة عن نقل صلاحيات من السلطة المركزية لأشخاص معنويين من الحقل العام مختلف عن السلطة المركزية. وبحسب نسبة الصلاحيات المنقولة تُصنّف اللامركزية بمركزية محدودة أو واسعة.
من هنا نستنتج أن المجالس البلدية هي نوع من اللامركزية التي تتمتع بصلاحيات اجتماعية وإقتصادية مثل إدارة الشؤون الصحيّة والصحّة العامّة، البناء، الخدمات العامّة، تنظيم الطرقات، النفايات، تنظيف الطرقات، الأمن.. إلخ.
وإذا أعطى المرسوم الإشتراعي رقم 118 الإستقلالية المالية للبلديات، إلا أن مداخيل البلديات تتعلق بنسبة كبيرة بالسلطة المركزية حيث تنقسم مداخيل البلديات إلى أقسام عدة: رسوم تستوفيها الدولة مباشرة من المكلفين، رسوم تستوفيها المصالح المستقلة أو المؤسسات العامة لحساب البلديات، المساعدات والقروض، حاصلات أملاك البلدية والمشاعات الخاصة بها، الغرامات، الهبات، والوصايا. وتُقدّر قيمة مداخيل البلديات من الدولة بـ19% من مجمل المداخيل. وتخضع من خلال عملها إلى رقابة من سلطات عديدة منها ديوان المحاسبة، هيئة التفتيش المركزي، مجلس الخدمة المدنية، وزارة العدل، وزارة الأشغال العامة والنقل، وزارة الداخلية والبلديات، المحافظ، والقائمقام. لكنها تبقى إدارياً تابعة لوزارة الداخلية والبلديات.
من الواضح أن الصلاحيات التي تتمتع بها البلديات والتي تشمل الشقين الإقتصادي والاجتماعي، تبقى الأساس في الحكم على السلطة المحليّة. وإذا كانت السلطة المركزية بعيدة عن المحاسبة الفعلية بحكم النظام السياسي القائم، إلا أن تخليه عن بعض من صلاحياته لحساب السلطة المحليّة هو مؤشر إيجابي لرغبة تطوير النظام الإنمائي الاجتماعي للبلديات عبر ترك القرار للمواطنين بإختيار ممثليهم ونوع وطبيعة الإنماء الذي يُناسبهم.
لكن المواطن لم يستخدم هذه الحرية بإختيار مجلس بلدي على أساس مشروعه الإنمائي، بل على أساس محسوبات عائلية لا تمت إلى الإنماء بصلة. وأخذ الطابع العائلي بالسيطرة على البلديات بشكل جعل بعض المجالس البلدية مجالس عشائر بكل ما للكلمة من معنى، والأمثلة كثيرة على بلديات حيث أن أقرباء رئيس البلدية الآتي من العائلة الأكبر، يحتلون مراكز في المجالس وكأننا في شركة خاصة!
أما في البلديات حيث تشرذم العائلات، فقد دخلت الأحزاب السياسية بشكل أصبحت لها الكلمة الأولى والأخيرة حتى في الخيار الإنمائي بدلاً من أن يكون الخيار للمواطن القاطن في البلدة.
أزمة النفايات
أبرزت أزمة النفايات الأخيرة مُشكلة الخيارات في المجالس البلدية حيث ظهر إلى العلن قصر الخطط البلدية في حل مُشكلة النفايات التي هي أصلاً من ضمن صلاحياتها بحسب القانون على الرغم من هيمنة الحلّ المركزي، بفرض شركات على بعض المناطق. وإذا كانت مُشكلة النفايات قد شهدت حلحلة مؤقتة إلا أنها مُرجّحة للتفاقم خلال فصل الصيف. فهل ستكون المجالس البلدية على قدر التحدّي وإحتواء المُشكلة عندما تظهر؟
إن أداء بعض البلديات في هذا الملف لم يكن على المُستوى المطلوب، فقد عمد بعض المجالس إلى طمر النفايات في أماكن سياحية بإمتياز على مرأى من أعين المواطنين. والبعض الآخر عمد إلى تهريبها إلى بلديات أخرى.
أما مُشكلة المياه، فبعض البلديات تنأى بنفسها عن المُشكلة، بل انه وفي بعض البلديات نرى بأن صهاريج المياه تابعة لرئيس البلدية أو لأحد أقربائه أو لأحد أعضاء المجلس البلدي!
أما في ما يخصّ المولدات فحدّث ولا حرج، حيث أصبحت البلديات العراب الأساسي لأصحاب المولدات وهي التي تفرض التسعيرة التي تُناسبها وتناسب أصحاب المولدات. وهذا الأمر دفع بأصحاب المولدات إلى رفع الأسعار لتغطية كلفة ما لا تدفعه البلديات نتيجة حصول أصحاب النفوذ على خدمات مجانية.
المحسوبيات والإنماء
إن الخلل الحاصل في أداء المجالس البلدية هو نتيجة المحسوبيات العائلية والتدخلات الحزبية. هذه الأخيرة، كان من المفروض أن تلعب دوراً إيجابياً، إلا أنه وللأسف أصبح فرض مرشحين غير كفوئين قاعدة من قواعد اللعبة لفرض وجود هذه الأحزاب في المجالس البلدية.
وإذا ما نظرنا إلى العنصر الرقابي، نرى أنه شبه غائب، فعلى الرغم من نشر الصحف فضائح مالية ضخمة في بعض البلديات، لم يتحرك ديوان المحاسبة ولا القضاء ولا حتى سلطة الوصاية. فهل هذا طبيعي؟ ثم أين هي الحسابات المالية للبلديات، والتي يفترض ان تنشر أمام الرأي العام؟
في ما يخص الإنماء، نرى أن الخطط الإنمائية ليست إلا مشاريع مُشرذمة عادة ما يستفيد منها المُقربون من أعضاء المجلس البلدي. وعند الإستحقاقات الانتخابية، يعمد رؤساء البلديات إلى التبجح بهذا المشروع الذي نُفذ وبالتالي يدعون الناخبين لإنتخابهم لتكملة “المشروع الإنمائي”. وهذاما يُبرز مستوى الإستخفاف بعقول الناس!