IMLebanon

فنزويلا: الازمة السياسية تهدد الاقتصاد بالانهيار

 venezuela-supermarket

يمكن القول إن عُمق الأزمة السياسية المستفحلة في فنزويلا الآن بات يهدد البلد المنتج للنفط بانهيار اقتصادي شامل، خاصةً مع تصعيد المعارضة ضغوطها في الشارع من جهة، وعودة سعر برميل النفط إلى الهبوط مجدداً من جهة ثانية.

المعارضة التي واصلت هذا الأسبوع ممارسة الضغوط على الرئيس نيكولاس مادورو، تحاول جاهدة توسيع رقعة التظاهرات المطالبة برحيله بالرغم من تمسكه بالسلطة وتلويحه بتعزيز الإجراءات الأمنية، مهدداً برفع مستوى حالة الطوارئ التي أمر بها سابقاً، إذا ما تسببت المعارضة الداعية لعصيان مدني في حصول أعمال عنف.

مباعث القلق تنامت في أوساط المجموعة الدولية مع تصاعد التوتر في فنزويلا أثار قلق المجموعة الدولية، الارتفاع المفاجئ للتوتر في البلد الذي تعرّض اقتصاده للانهيار مع جموح التضخم بمعدل يتجاوز سبعة أضعاف.

معلوم أن فنزويلا احد اكبر احتياطي للنفط في العالم يقارب 300 مليار برميل، ما ساهم في عقد من الازدهار هو الأطول منذ بدء التنقيب عن الذهب الاسود في هذا البلد قبل قرن، لكن الوضع أصبح معاكساً اليوم، حيث أن قيمة برميل النفط هوت خسرت حوالى الثلثين تقريبا بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل عامين، كما ان الاستثمارات لم تكن كافية في البنى التحتية والحكومة لم توفر ما يكفي من الاموال تحسباً للفترات العجاف.

معيشياً، يواجه السكان نقصاً خطيراً في مواد اساسية وغذائية مع استهلاك احتياطي العملات الاجنبية المخصص للاستيراد. كانت نسبة التضخم العام الماضي الأعلى في العالم وبلغت 180 في المئة، بحسب بيانات الحكومة، ويُفترض أن تبلغ 720 في المئة عام 2016، بحسب صندوق النقد الدولي. وقد تراجع اجمالي الناتج الداخلي 5,7 في المئة العام الماضي، ومن المتوقع ان يتراجع أيضا هذه السنة 8 في المئة.

المواطنة ميدالية لوبيز، التي كانت تنتظر دورها للتبضع في مدينة غاريناس التي تبعد 45 كيلومتراً عن كراكاس، حيث سجلت تحركات احتجاجية بسبب نقص المواد، قالت «هنا كان يوجد ثوريون (نسبة لأنصار مادورو والرئيس الراحل هوغو تشافيز)، لكن الناس لم يعودوا يرغبون في السماع عن الثورة، إنهم جوعى وتعبنا من التقاتل للحصول على بيض أو طحين«.

وهذا ما حاول مرسوم حالة الطوارئ الصادر عن الرئاسة أن يجد له حلاً. فهو لا يعني مجرد إعطاء صلاحيات خاصة للقوات العسكرية والامنية الاُخرى، بما فيها منظمات المجتمع المدني، بهدف الحفاظ على النظام والدفاع عن البلاد من العدوان الخارجي، بل أيضاً يسمح المرسوم الذي يطيل حالة الطوارئ الاقتصادية السارية منذ منتصف كانون الثاني الفائت، بالسيطرة أيضاً على مصادر الإمدادات الغذائية والسلع الأساسية وموارد الطاقة، لمواجهة النقص الذي تعانيه البلاد، ما يفتح الباب امام وضع اليد على مصانع.

ويؤدي انقطاع التيار الكهربائي يومياً واختصار دوام الأجهزة الحكومية إلى يومين فقط أسبوعياً، فضلاً عن عمليات النهب وتظاهرات الاحتجاج، إلى تغذية غضب المواطنين المُجبرين على الوقوف في طوابير لساعات طويلة أمام المتاجر للحصول على الخبز والاحتياجات الأساسية إن وجدوا إليها سبيلاً.

وتتوضّح أهمية مداخيل النفط بالنسبة لخزينة الدولة عند الأخذ في الحسبان أن البترول هو محرك النشاط الاقتصادي في فنزويلا ويشكل 96 في المئة من صادرات البلاد، وقد حقق البلد بين عامي 2004 و2015، عائدات بقيمة 750 مليار دولار، بحسب البيانات الرسمية، علماً أن فنزويلا العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) تبيع 40 في المئة من صادرات المحروقات إلى الولايات المتحدة، لكن واردات هذه الأخيرة التي تمثل الاقتصاد الاول في العالم، من النفط الفنزويلي لا تمثل سوى 7,7 في المئة من مجمل وارداتها من النفط الخام، بحسب الأرقام الأميركية الرسمية، بينما تحتل الصين والهند المرتبة الثانية في شراء النفط من فنزويلا.

في ضوء كل تلك المعطيات، يتراوح عجز المالية العامة بين 18 و20 في المئة من اجمالي الناتج الداخلي، بحسب محللين في شركات خاصة. ومن أجل تغطية هذا العجز وتمويل البرامج الاجتماعية، تضخ الحكومة السيولة في أسواق المال.

وهذا ما أدى بطبيعة الحال إلى تراجع احتياطي العملات الأجنبية، ما يعني عملياً انحساراً متسارعاً لقدرة السلطات على الدفاع عن عملتها وسداد ديونها، بعدما أنفقت 4 مليارات دولار تقريباً من احتياطيها من العملات الصعبة في الأشهر الأربعة الماضية، ليتراجع هذا الاحتياطي الى ثلث ما كان عليه في عام 2009، علماً أن القسم الاكبر منه عبارة عن سبائك ذهب.

ويتجلى سوء الوضع النقدي في ضوء تضارب غير منطقي أبداً بين التسعير الرسمي والاسعار المتداولة للعملة الوطنية. رسمياً، تبلغ قيمة الدولار 10 بوليفارات، بحسب سعر الصرف الأفضل من بين عدة مستويات تستخدمها الحكومة، في حين أن الدولار يعادل ألف بوليفار أو أكثر في السوق السوداء.

ويحول عجز المؤسسات عن إجراء حساباتها بالدولار دون تمكّنها من استيراد المواد الأولية والمعدات، ما يؤدي إلى نقصها في المتاجر والمحلات والصيدليات.

أما جبل الديون الذي يثقل أعباء المالية العامة فقد بلغت قيمة الدين الخارجي منه 250 مليار دولار في نيسان 2015، بحسب مجموعة «إيكو أناليتيكا«، فيما أنفقت الحكومة العام الماضي 27 مليار دولار على الفوائد فقط، حسبما سبق وأعلن الرئيس مادورو.

وإذا كانت كراكاس قد استطاعت حتى الآن الالتزام بالوفاء بديونها وتؤكد أنها ستواصل هذا المسار، فإن نهاية العام الجاري ستكون صعبة عليها، حيث سيتعين على الحكومة وشركة النفط العامة سداد حوالى 5,3 مليارات دولار في تشرين الاول وتشرين الثاني المقبلين، وهو أمر لا يبدو قابلاً للتحقق، ما يهدد بالتالي بانهيار اقتصادي شامل وأزمة اجتماعية وسياسية أكثر حدة.