جون جابر
في كل يوم نتلقّى تذكرة جديدة بمدى القوة والقدرة على الوصول، غير المسبوقتين، اللتين تتمتع بهما شركات الإنترنت والتكنولوجيا الاستهلاكية في الولايات المتحدة. ألفابيت، الشركة الأم لـ “جوجل”، و”فيسبوك” و”أمازون” و”أبل” يُمكن أن تؤثر في حياة ملايين من خلال إطلاق خدمات، أو تعديل الخوارزميات التي تُقرّر المكان الذي يتم فيه تدفق الإعلانات أو المعلومات.
“فيسبوك” متورّطة الآن في جدل حول كيف أن فريق عملها من القيّمين البشر ربما فضّل المنشورات الليبرالية على تلك اليمينية عند اختيار المواضيع من أجل مستخدميه الشهريين النشطين البالغ عددهم 1.7 مليار. في الوقت نفسه، أحد المُتطرّفين الجهاديين استغل سوق الإعلانات على الإنترنت باستخدام شبكة AdSense التابعة لـ “جوجل”، لجذب إعلانات من “ستي جروب”، و”آي بي إم”، و”مايكروسوفت” إلى موقعه الإلكتروني قبل أن يتم حظره.
كلتا الحادثيتن تثير، بطرق مختلفة، السؤال الذي يقع في قلب أعمال شبكات التواصل الاجتماعي ومزوّدي خدمة الإنترنت: ما مقدار اللوم الذي ينبغي أن تتلقاه تلك الشركات على ما تقدمه؟ هل تشغِّل ملاذات آمنة قانونية، حيث لا يُمكن مُقاضاتها، أو حتى انتقادها إلى حد ما على ما يحدث على شبكاتها، أم هل هي مثل الناشرين والمحررين الذين يتحمّلون المسؤولية؟
الجواب، كما يبدو لي، يتغيّر ويستمر في التطوّر. عندما كانت أصغر والتكنولوجيا أقل تطوّرا، كان من الخطأ التصرّف كما لو أنها مسؤولة بالكامل عن مستخدميها. كان من شأن ذلك إعاقة التقدّم الاقتصادي. ومن غير الصائب أيضاً طردهم من الملاذات الآمنة بالكامل. لكن لديهم واجبات أوسع الآن.
هذا يقودنا إلى النزاع الذي طال أمده، الذي يطلّ برأسه من جديد: سلوك “يوتيوب”، موقع مشاركة الفيديو على الإنترنت التابع لـ “جوجل”. منذ تأسيسه في عام 2005 ظل موقع يوتيوب مغموراً بجدل حول حماية حقوق التأليف والنشر. شركات الإنتاج الموسيقي والاستديوهات السينمائية على جانب، وعلى الجانب الآخر يوجد المستخدمون الذين يحمِّلون، إلى جانب موادهم الخاصة، الفيديوهات والأغاني المُقرصنة.
يوتيوب في خضم مفاوضات مع ثلاث شركات كبيرة للإنتاج الموسيقي – فيفيندي، التابعة لشركة يونيفيرسال ميوزيك، ووارنر، وسوني – على عقود جديدة لمنح تراخيص على الإنترنت لأغاني فنانيها. تشتكي شركات الإنتاج الموسيقي من أن “يوتيوب” يوفّر صفقة سيئة، مقارنة بالخدمات الصوتية مثل “سبوتيفاي” و”ديزر”. “سبوتيفاي” تدفع للشركات في المتوسط 18 دولارا عن كل مستخدم سنويا، بينما “يوتيوب” يدفع دولارا واحدا، بحسب الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية IFPI.
من حيث الحجم والنفوذ، توسع موقع يوتيوب بشكل كبير منذ أن استحوذت عليه “جوجل” في عام 2006 مقابل 1.7 مليار دولار، وهو ثمن يبدو الآن زهيدا للغاية. ثم أصبح وسيلة بحد ذاته، من خلال السماح لنجوم “يوتيوب”، مثل “بيوديباي” و”زويلا” و”هولاسوجيرمان”، بجمع ملايين المشتركين عن طريق الموسيقى الصاخبة والأزياء والفيديوهات القصيرة المتعلقة بالألعاب.
هذا حوّل “يوتيوب” إلى منصة حاسمة للموسيقيين بقدر ما كانت عليه فيما مضى قناة الفيديوهات الموسيقية “إم تي في”، التابعة لـ “فياكوم”. حتى “يونيفرسال”، عندما شنّت غارة في عام 2014 لحماية ألبوم “1989” للمغنية تايلور سويفت من القرصنة – بما في ذلك ما يُقارب 144 ألف عملية حجب على تحميلات يوتيوب وساوندكلاود، وأكثر من نصف مليون طلب لحذف روابط البحث عن الملفات المُخالفة – أبقت أغنيتها “شيك إت أوف” على “يوتيوب”.
على الرغم من المشاحنات الدورية مع “سبوتيفاي” وغيرها من خدمات البث الصوتي التي توفّر خدمات اشتراك وخدمات مجانية للمستخدمين، إلا أن شركات الموسيقى تفضّلها على “يوتيوب”. ليس فقط أنها تدفع أفضل – تُقدّر “يونيفرسال” أنها الآن تحصل على أقل من عُشر سنت مقابل كل أغنية يتم تشغيلها على “يوتيوب” – لكنها لا تسمح بالمحتوى الذي يُقدّمه المستخدمون، وبالتالي تقليل خطر القرصنة.
في الظاهر، الحل واضح. إذا كانوا لا يحبّون “يوتيوب” أو شروطه المالية، ينبغي أن يتوقّفوا عن منح ترخيص أغانيهم له. هناك بدائل أكثر الآن – أطلقت “أمازون” هذا الشهر خدمة تحميل الفيديو الخاصة بها. لكن المقاطعة غير مرجحة. على الرغم من استيائها، إلا أن شركات الإنتاج الموسيقي من المحتمل أن توقّع مرة أخرى مع الشيطان الذي تعرفه وفي الوقت نفسه الضغط من أجل إدخال تغييرات في القانون.
وهي تستشعر فرصة في مراجعة المفوضية الأوروبية لقوانين حقوق التأليف والنشر، وخطوة مماثلة من قِبل مكتب حقوق التأليف والنشر في الولايات المتحدة. تعاطف الاتحاد الأوروبي مع الموسيقيين والناشرين يجعله أكثر احتمالاً من الولايات المتحدة للحد من الملاذ الآمن الذي يحمي منصات الإنترنت من مسؤولية قرصنة مستخدميها.
لكن سيكون من الخطأ إزالة “يوتيوب” ومنصات مماثلة بالكامل من هذه الملاذات الآمنة. قد يُناسب شركات الإنتاج الموسيقي أن يجابَه المحتوى الذي يُقدّمه المستخدمون بهجوم قانوني، لكن الملاذات، الرائدة في قانون حقوق الطبع والنشر للألفية الرقمية لعام 1998، تخدم هدفاً إيجابياً. فهي شجّعت على ازدهار ذلك النوع من الإبداع الذي نراه على “يوتيوب”.
لكن ينبغي تشديد القوانين التي تعود إلى تاريخ ما قبل ولادة “يوتيوب”. يقول مارك موليجان، من ميديا ريسيرتش، “لم يتم تصميم الملاذ الآمن للطريقة التي يتم استخدامه بها”. العيب الرئيسي هو أن مسؤولية إيجاد الشرعية يحملها بشدة أصحاب المحتوى وليس شركات الإنترنت. الأخيرة ليست مضطرة إلى منع القرصنة لأشياء لا علم لها بها.
ليس من الضروري أن القوانين الأكثر صرامة تُلحِق الضرر بـ “يوتيوب”. فقد كان رائداً في استخدام التكنولوجيا لالتقاط ووقف التعدّي – نظام Content ID الخاص به الذي يسمح لشركات الإنتاج الموسيقي بتصفية الملفات المُقرصنة قبل أن تظهر. تقول الشركات “إن هذا النظام لا يعمل بشكل جيد كما يُزعم، لكن “يوتيوب” على الأقل يتقبل المسؤولية. مجموعات الإنترنت ذات الموارد المالية الكبيرة ومختصو التكنولوجيا ينبغي أن يفعلوا مثله”.