IMLebanon

جولة الجنوب… معارك سياسية في “البلدية”

mouhamad-raad

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: أضفتْ الخصوصية الكبيرة التي تطبع الجنوب اللبناني بفعل إختزانه البيئة الحاضنة الأساسية للثنائية الشيعية “أمل” و”حزب الله” على امتداد هذه المحافظة، كما قوى سنية أساسية كـ “تيار المستقبل” في صيدا وقوى مسيحية نافذة كما في جزين، طابعاً حاراً على المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت امس وحوّلت الكثير من وجوه هذه الجولة الى استفتاءات سياسية للقوى الحزبية المنخرطة بقوة فيها.

وشكل هذا العامل عنواناً طاغياً على هذه الجولة، الأمر الذي جعل الأضواء تتركّز على بعض ملامح المحاولات الجريئة التي حاولت اختراق “النفوذ الحديدي” للثنائية الشيعية في مناطق النبطية وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، حيث خاض خصوصاً الحزب الشيوعي ومجموعات يسارية معارك في عشرات البلدات ضد ائتلاف “امل” و”حزب الله”، ولو من منطلق محاولاتٍ صعبة جداً لخرق لوائحهما في وقت كان أطلق زعيما الثنائية الرئيس نبيه بري والامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، نفير الاستفتاء على الخط الذي يمثّله تحالفهما تحت عنوان “الوفاء والإنماء” اي المقاومة مقرونة بالإنماء.

وجاء توقيت الانتخابات عشية الذكرى السادسة عشرة لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي في 25 ايار 2000 ليشكل فرصة رمزية للثنائي الشيعي في تحويل الاستحقاق الانتخابي الى محطة لتجديد الولاء الشعبي للخط “المقاوم”، الذي يشهد مناخاً غير مسبوق لتضييق الخناق المالي عليه من خلال قانون العقوبات الاميركي الذي بدأت مصارف لبنان تلتزم به.

ورغم ان المشهد بدا محسوماً سلفاً لمصلحة لوائح “امل” و”حزب الله” من خلال الإقبال الكثيف للناخبين الشيعة على صناديق الاقتراع، فان ذلك لم يحجب ما أراد طرفا الثنائية الشيعية حجبه وتهميشه وهو تنامي عدوى “التجرؤ” على السلطة الحزبية التي تصادر إرادات التغيير في هذا المجتمع، والتي جسّدتها لوائح المعارضين في عشرات البلدات والقرى الحدودية والجنوبية، وخصوصاً في بلدة البازورية، وهي مسقط السيد نصر الله، الأمر الذي يجعل الساعات المقبلة بعد انتهاء عمليات فرز الأصوات محفوفة بالتشويق لمعرفة الأحجام التي تمكّن المعارضون من تحقيقها في هذه المنازلة غير المتوازنة.

اما على المستوى السني، فإن القوة الأساسية التي يمثّلها “تيار المستقبل” في مدينة صيدا بدت بدورها، وفي مفارقة غريبة، كأنها تواجه تحدياً مماثلاً ولو بظروف مختلفة لذاك الذي واجهته الثنائية الشيعية في مناطقها. بمعنى ان “تيار المستقبل” تَعامل مع انتخابات صيدا من منطلق استفتاء على خطه المعتدل وخدماته الانمائية حيث واجه خطر الاختراق من لائحتين منافستين إحداهما لخصمه التقليدي في المدينة “التنظيم الشعبي الناصري” والثانية لقوى إسلامية قريبة من الخط المتشدد الذي كان يمثله الشيخ أحمد الأسير، الموقوف منذ ان قُبض عليه في مطار بيروت محاولاً الهرب الى الخارج، والتفلت من ملاحقته قضائياً في معارك عبرا التي وقعت صيف 2013 مع الجيش اللبناني.

ولذا طغت على معركة صيدا ايضاً ملامح الاستفتاء الحاسم لخط “المستقبل” في الدرجة الأولى وسط ملامح تقدُّم هذا الخط، ولكن من دون إغفال أخطار تعرُّضه للخروق، وخصوصاً ان “المستقبل” يعاني أزمات ذاتية بينها واقع مالي صعب انعكس على تسريح أعداد من العاملين من أبناء صيدا في شركة اوجيه في السعودية، التي يملكها الرئيس سعد الحريري. ومع ذلك لم تُبْد اوساط “تيار المستقبل” في عاصمة الجنوب خشية من بلوغ هذه الصعوبات حد الفشل في انتخابات المدينة في نهاية اليوم الانتخابي مراهِنة على نسبة إقبال كثيفة لمناصري التيار.

اما بالنسبة الى “المقلب المسيحي” من الانتخابات الجنوبية، فإنها تمايزت عن الشركاء الآخرين بانتخابات مدينة جزين خصوصاً، ولو ان بلدات مسيحية في شرق صيدا ذات الأغلبيات المسيحية وكذلك في قضاء جزين وفي مرجعيون والقليعة الحدودية خاضت منافسات حادة، كانت بمثابة امتداد لما شهدته مناطق في جبل لبنان وزحلة سابقاً، لجهة تداخل العوامل الحزبية لاحزاب “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب” مع العوامل العائلية المحلية.

ذلك ان جزين خاضت بكثافة قياسية في نسبة الاقتراع معركة ملء المقعد النيابي الشاغر منذ اكثر من سنتين بوفاة احد نوابها السابقين ميشال الحلو الى جانب المعركة البلدية والاختيارية، ولو ان الاولى بدت طاغية على الثانية. وقد اصطف في المعركة الانتخابية النيابية الفرعية “التيار الحر” و”القوات اللبنانية” وراء دعم المرشح القوي الأساسي أمل ابو زيد في مواجهة ثلاثة مرشحين آخرين ابرزهم ابراهيم عازار ابن النائب السابق سمير عازار الذي يحظى بمكانة قوية في جزين وكان من أبرز رموز التحالف مع الرئيس نبيه بري.

واذ بدا مرجحاً بقوة فوز أمل ابو زيد المرشح الاساسي للتيار الحر، الا ان النقطة الاساسية التي بدت شاغلة زعيمه العماد ميشال عون خلال ساعات النهار الانتخابي تركّزت على معرفة وجهة تصويت أنصار حركة “امل” باعتبار ان الرئيس بري ترك الحرية لهم في الانتخابات، بعدما قيل انه حاول النأي بنفسه عن التسبب بعامل خلاف إضافي مع عون، وخصوصاً ان ابراهيم سمير عازار محسوب ايضاً على بري. ويعود هذا الامر الحساس الى كون منطقة جبل الريحان ذات الغالبية الشيعية في جزين يمكنها ان تكون منطقة ترجيح النتائج النهائية للمعركة وان انصار “حزب الله” فيها سيصوّتون لمصلحة مرشح التيار الحر. اما اذا صبت أصوات أنصار حركة “امل” لمصلحة ابراهيم عازار فان الأمر سيتخذ طابعاً خطراً على مرشح التيار ولو مدعوماً من الأحزاب المسيحية و”حزب الله”.

وفي موازاة الاختبار الآخر الذي شكّلته انتخابات جزين الفرعية خصوصاً للتحالف المستجدّ بين “القوات اللبنانية” و”التيار الحر” في محاولة لمحو الصورة المهتزّة التي ظهر عليها في انتخابات جبل لبنان البلدية الأحد الماضي ولا سيما في جونية، فإن رمزية انتهاء “فرعية جزين” الى انتخاب نائب جديد استقطبت الاهتمام باعتبار ان هذا النائب سيكون الوحيد غير الممدًّد له في البرلمان الذي مُدِّد له مرتين متتاليتين منذ العام 2009 ما سيعزز المناخ الضاغط لإسقاط كل ذريعة لعدم إجراء الاستحقاق النيابي في مواعيده بعد نحو عام او حتى قبل ذلك.