كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
فتحت القراءة اللبنانية لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن “التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين” الذي قدمه لمؤتمر فيينا الأخير جدلاً بشأن “توطين” النازحين السوريين في لبنان على رغم كلّ التوضيحات التي قدمتها المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ. وهو ما أثار تساؤلاتٍ عن حقيقة ما جرى وما يدور في محيطها من طروحات؟ وهنا بعض من النماذج المطروحة.
كان في مضمون تقرير بان كي مون في مؤتمر فيينا والذي يعالج “التحركات الكبيرة للنازحين والمهاجرين” حول العالم تحت عنوان “في السلامة والكرامة” ما يكفي لتعزيز الشكوك اللبنانية عندما توقف اللبنانيون امام بعض “العبارات” التي تُحيي المخاوف، ولا سيما في البند 86 من التقرير الذي ورد فيه بما يقارب الوضع في لبنان: “وفي الحالات التي لا تكون فيها الظروف مؤاتية لعودة اللاجئين، يحتاج اللاجئون في الدول المستقبلة الى التمتع بوضع يسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط لمستقبلهم”. وينبغي أن تمنح الدول المستقبلة للاجئين وضعاً قانونياً وأن تدرس أين ومتى وكيف تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنّس”.
جاء ذلك في غمرة ما يشهده لبنان من تجاذبات حول الوجود السوري فيه، وسط الحديث المتنامي عن احتمال تحوّل النازحين “لاجئين” وما يمكن أن يتركه ذلك من تداعيات نتيجة وجودهم غير المنظم وعلى خلفية ما تركه النزوح الفلسطيني منذ اكثر من ستة عقود ونيف من تداعيات امنية واقتصادية وجيوسياسية وديموغرافية.
ولذلك لم تعطِ التطمينات التي اطلقتها الأمم المتحدة أيّ ضمانات يطالب بها لبنان. فقد كان التقرير شاملاً لم يتناول أيّاً من الأزمات الدولية حصراً وأزمة لبنان إحداها، خصوصاً أنها أكّدت أنّ الهدف منه مواجهة التحدّيات الجديدة التي يواجهها المجتمع الدولي على مستوى الحركة الكبيرة للنزوح والهجرة في العالم وليس على خلفية الأزمات الدولية فقط. فهناك حركات هجرة غير شرعية تمتهنها مجموعات عابرة للدول والأنظمة ودول بهدف غزو المجتمعات الأكثر تقدّماً.
وقد فرضت هذه الظاهرة العالمية إجراءاتٍ كبيرة تكبّد من خلالها بعض الحكومات والدول أعباء اقتصادية واجتماعية وإنسانية كبيرة. علماً أنّ التقرير الذي طلبته الجمعية العمومية للأمم المتحدة تحضيراً للاجتماع الرفيع المستوى في 19 أيلول المقبل والمخصّص لهذه المعضلة الدولية.
يبدو جلياً أنّ التوضيحات التي قدّمتها الأمم المتحدة من نيويورك ومن مكتب كاغ في بيروت، لم توقف سيل المواقف اللبنانية الرافضة أيّ توجّهٍ دولي في هذا الشأن. وخصوصاً أنّ جدلاً مشابهاً نشأ قبل فترة عند حديث السيد بان عن “العودة الطوعية” فبات في شخصه ومواقفه – إذا التبس الأمر في بعض العبارات التي يختارها- هدفاً للمسؤولين اللبنانيين وصولاً الى اعتباره مستنسَخاً عن وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر العالم المتهم بالتخطيط لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وتحويلها دويلات مذهبية “تخاوي” الدولة اليهودية وتستنسخ تجربتها المذهبية والطائفيةعلى أرض فلسطين.
وزاد في الطين بلة، أنّ ما يثيره ملف التوطين بات من “عدة الشغل” لدى بعض السياسيين في لبنان لإستخدامه في المواجهة الداخلية الجارية على هامش الإنقسام القائم حول الأزمة السورية من دون مراعاة خصائص هذا الملف وما يمكن ان يؤثر فيه إذا تكرس الإجماع اللبناني على رفض مثل هذه الخطوات التي تدمج السوريين بالمجتمع اللبناني وتوطنهم وتجنّسهم، علماً أنّ التجرية الفلسطينية التي مرت عليها عقود ما زالت هاجساً رفعت من مخاطره مراسيم التجنيس السابقة التي ضمّت نحو 250 ألف فلسطيني الى لوائح اللبنانيين المجنّسين؟
وبناءً على ما تقدّم، فقد أُضيفت الى التوضيحات الدولية التي أبلغتها كاغ الى رئيس الحكومة وبعض الوزراء الذين رفعوا الصوت في هذا الشأن، معلومات متداولة عن مشاريع أخرى لا تتّخذ من التوطين أو التجنيس هدفاً لكنها تتحدّث عن سبل مواجهة “إقامة طويلة” للنازحين السوريين في لبنان وما بين الحالين فوارق كبيرة بسبب حرص ما يجرى التحضير له على توفير “سوق العمالة” للعاطلين عن العمل من اللبنانيين والسوريين ومردود المشاريع المقترحة على الإقتصاد المحلّي وتوفير فرص في المجتمعات المضيفة للسوريين ولأبناء الأرض اللبنانيين الأصليين مثل السوريين إن لم تكن لهم الأفضلية.
ومن هذه الخلفية بالذات، تتناقل مراجع عليا، وعلى نطاق ضيق، معلومات عن سيناريوهات بهذا المعنى تتناول إقامة مشاريع اقتصادية واجتماعية كبرى على الأراضي اللبنانية، ومنها ما يحوّل منطقة شمال لبنان، وساحلها تحديداً، منطقة اقتصادية بامتياز تؤهّلها لمواجهة ما ستتطلّبه مرحلة إعادة الإعمار في سوريا متى إستقر الوضع وتوافرت الحلول السياسية للأزمة.
وهي خطة تقضي ببناء واجهة بحريّة واسعة قريبة من مطار القليعات الذي يمكن أن يتحوّل مطاراً اقتصادياً ومدنياً يستوعب الحركة المقبلة على المنطقة. تزامناً مع اقتراح مشاريع أخرى في البقاع والمناطق القريبة من الاوتوستراد العربي لتكون مستعدة للقيام بالأدوار المطلوبة استباقاً لمرحلة إعمار وسط سوريا.
وبناءً على كلّ ما تقدّم يبدو اللغط مشروعاً بين طرحين الأول يقول إنّ لبنان فَهِم مضمونَ التقرير خطأ، وآخر يقول إنه قصد ذلك. وعليه، من باب التحوّط، احتساب هامش واسع من أن يتحوّل التقرير مشروعاً دولياً لن يقف في وجهه أحد من اللبنانيين، خصوصاً إذا استدرج البعض منهم الى بعض المنافع الآنية للعمل من أجله. وهو امرٌ متروك البتّ به للفترة المقبلة فكيف سيتصرّف اللبنانيون؟!