Site icon IMLebanon

مبادرة برّي.. تساؤلات عن “التعهّد الرئاسي”

 

 

كتب جورج بكاسيني في صحيفة “المستقبل”:

 

لماذا أطلق رئيس مجلس النواب نبيه برّي مبادرته الأخيرة لانتخاب مجلس نيابي جديد ينتخب رئيساً للجمهورية مع الإبقاء على قانون الانتخاب المعمول به حالياً؟

سؤال أطلق العنان لمخيّلة كثيرين ذهبوا الى حدّ الاعتقاد بأن ثمة “قطبة مخفية” تعكس وجود سيناريو داخلي أو خارجي، أو الاثنين معاً؛ لكن الواقع حسب أوساط نيابية وسطية متابعة بدقة لهذه المبادرة منذ ما قبل الاعلان عنها رسمياً، أن ما أعلنه الرئيس برّي جاء، ببساطة، نتيجة شعور جميع القوى السياسية بالمأزق، وسط انسداد الأفق السياسي وعدم قدرة هذه القوى على التوافق على قانون انتخاب جديد، بموازاة غياب النصاب السياسي المطلوب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية واستمرار حال الشلل في مجلسي النواب والوزراء.

أما السبب المباشر للبحث عن مبادرة في ظلّ الصورة المشار إليها فهو اقتراب موعد سقف زمني محدّد لانتهاء ولاية مجلس النواب، وسط إجماع معلن من جانب جميع الكتل النيابية على رفض التمديد مرة جديدة لهذا المجلس، مقابل صعوبة التوافق على قانون جديد للانتخاب.

ذلك أن التمديد لهذا البرلمان مرة جديدة أصبح من “سابع المستحيلات”، كما تضيف الأوساط، بسبب حذر كل الكتل النيابية من المجازفة بمثل هذه الدعوة من جهة، ونظراً لعدم حصول مثل هذه السابقة، من جهة ثانية، حتى في عزّ الحرب الأهلية حيث بقي مجلس النواب عبارة عن “احتياط استراتيجي” يجتمع لبت مسائل مهمّة.

وتسأل الأوساط: إذا تمّ التوصل الى توافق سياسي في لحظة سياسية معيّنة على انتخاب رئيس للجمهورية ومجلس النواب غير موجود من يقوم بانتخاب هذا الرئيس؟ أي أن عدم التمديد للمجلس من ناحية، وعدم انتخاب مجلس جديد من ناحية ثانية يدخل البلاد في المحظور.

وتطرح سؤالاً آخر: إذا تمّ التوافق على تسوية سياسية، أو سلّة معيّنة، تقضي بإجراء تعديل ولو طفيف في الدستور مثلاً، من هي المؤسسة القادرة على القيام بهذا الواجب غير المجلس النيابي؟

من هنا أصبح رئيس مجلس النواب وغيره من القوى السياسية أمام واحد من هذين الاحتمالين، أي التأكيد على وجوب إجراء انتخابات نيابية، ولو قبل الانتخابات الرئاسية، في ظلّ الرفض القاطع للتمديد، وعلى أساس قانون الستين خصوصاً أن “التيّار الوطني الحر” المعترض أساساً على قانون الستّين وافق هو نفسه على إجراء الانتخابات الفرعية في جزين على أساس هذا القانون، وأن النائب ميشال عون اعتبر النائب الذي سيفوز في هذا الاستحقاق النائب “الشرعي الوحيد” في المجلس الحالي.

لذلك تعتقد الأوساط أن الجنرال الذي طالما دعا الى انتخابات نيابية قبل الرئاسية لا يمكنه الاعتراض عليها اليوم ولو بذريعة قانون الستين الذي وافق على اعتماده في جزين. وفي المقابل لا يستطيع “حزب الله” الاعتراض على مبادرة برّي وإن كان ليس متحمساً أصلاً لا لانتخابات رئاسية ولا نيابية، لأن خيار التمديد للمجلس لا يمكن لأي كتلة نيابية أن تجاريه به، ما يشجع الأوساط على الاعتقاد بأن الشّق “النيابي” من مبادرة رئيس المجلس سيشق طريقه الى النور، لكنها تلفت الانتباه الى أن الشق” “الرئاسي” من هذه المبادرة ما زال معلّقاً أو على الأقل يلفه الغموض.

ذلك أن الجزء الأهم من مبادرة برّي يرمي الى توقيع كل الكتل النيابية على “تعهّد خطي” بانتخاب رئيس للجمهورية بعد انتخاب مجلس نيابي جديد، وهو الأمر الذي لم تُجِبْ عنه بعض الكتل النيابية حتى اليوم وخصوصاً كتلة “الوفاء للمقاومة” وتكتّل “التغيير والإصلاح”، علاوة على تساؤلات من بعض النواب المستقلين أثاروها على طاولة الحوار في جلستها الأخيرة، عندما تساءلوا كيف يمكن لأحدهم “التعهّد” سلفاً بانتخاب رئيس بعد انتخاب مجلس نيابي جديد بعد أن يكونوا قد رسبوا في الانتخابات النيابية مثلاً.

ربمّا يكون هذا السؤال في محلّه، تجيب الأوساط، لكن الكتل النيابية ستبقى كما هي في المجلس النيابي العتيد وإن اختلف عدد أعضائها أو غاب بعض النواب المستقلين، ذلك أن “تعهّد” الكتل لا يموت مع خسارة هذه الكتلة أو تلك نائباً من هنا أو اثنين من هناك.