Site icon IMLebanon

الخارطة السياسية الجديدة ما بين الانتخابات البلدية والنيابية!

 

رأت صحيفة “الأنباء”  أن الانتخابات البلدية كشفت حقيقة الوضع السياسي وما أصابه من تحولات ومتغيرات وما يحويه من نواقص وفجوات. ومنها الوقائع التالية:

1- أزمة علاقة وثقة بين الشعب والطبقة السياسية الحاكمة.

هذه الأزمة عكستها بكل وضوح انتخابات بيروت، حيث التقى كل أرباب وقوى الطبقة السياسية في لائحة واحدة ضد لائحة «المجتمع المدني» (بيروت مدينتي).

وترجمت الأزمة في نسبة مشاركة ضعيفة في الانتخابات لم تتجاوز الـ 20% وفي حصول اللائحة غير السياسية وغير الحزبية على رقم عال فاق التوقعات، على رغم عدم تكافؤ الفرص والإمكانات بين الطرفين المتواجهين.

2- تراجع عام في وضعية الأحزاب، كل الأحزاب من دون استثناء.

وكلها لاقت صعوبة في السيطرة على الوضع وفي فرض اللوائح وفي التحكم باللعبة الانتخابية وقام في وجهها من يتحداها ويرفض الانصياع لمشيئتها ويبادر الى تشكيل لوائح مضادة سعيا للفوز أو للخرق أو لتسجيل موقف.

وبالإجمال أخذت الانتخابات البلدية في مناطق كثيرة طابع ومنحى المواجهة بين الأحزاب والعائلات.

ما حصل مع تيار المستقبل في بيروت حصل مثله لحزب الله في بعلبك والهرمل.

وما حصل مع التيار الوطني الحر في المتن الشمالي حصل مثله مع الحزب الاشتراكي في إقليم الخروب ومع حركة «أمل» في الجنوب.

وفي المحصلة العامة انكشف الوضع عن تقلص القاعدة الشعبية للأحزاب التي باتت تعتمد على محازبيها، المنتسبين والملتزمين، ونشأت بينها وبين الرأي العام «هوة» من سوء التفاعل والتواصل.

3- الانتقال من مرحلة الصراع السياسي بين فريقين كبيرين (8 و14 آذار) الى مرحلة الصراع الطائفي بين عدة أفرقاء.

وترافق ذلك مع نشوء ثنائيات طائفية لم تعد مقتصرة على الطائفة الشيعية (أمل حزب الله) وإنما توسعت لتشمل كل الطوائف: ثنائية عون ـ جعجع عند المسيحيين، وثنائية الحريري ـ ميقاتي عند السنة، وثنائية جنبلاط ـ «إرسلان ووهاب» عند الدروز.

وهذا معناه أن الطوائف تنتقل من مرحلة أحادية الزعامة الى مرحلة «الثنائيات».

4- الأحزاب لم تكن مشكلتها «شعبية» فقط وإنما واجهت مشاكل داخلية تنظيمية أظهرتها في حال من الضعف والارتباك وعدم التماسك، وأحيانا الفوضى وتوزع مراكز القرار وصراع الأجنحة.

وإذا كان وجود الحريري في لبنان ساهم في ضبط هذه الحالة والحد من مساوئها داخل تيار المستقبل، فإن التيار الوطني الحر شهد أوضح الانقسامات والتجاذبات في الأشرفية (بين زياد عبس ونقولا صحناوي) وفي جل الديب (بين نبيل نقولا وهيئة التيار).

فيما عرفت القوات اللبنانية أخطاء التقدير في الأشرفية والحدث وجونية.

وتبعا لذلك، فإن كل الأحزاب مقبلة بعد طي صفحة الانتخابات البلدية على مراجعة حسابات وأوضاع وعلى إجراء تغييرات ومناقلات «حزبية» تطال مسؤولي أقضية وبلدات.

5- ثمة جانب من مشكلة الأحزاب له صلة بالمرحلة الانتقالية التي تجتازها في ظل ظاهرة التوريث السياسي «الحي».

التيار الوطني الحر الذي انتقل من «زعامة عون» الى «رئاسة باسيل» لم تتأقلم قواعده بعد مع هذا التغيير ولم يتسن لرئيسه الإمساك بزمام الأمور والوضع على الأرض.

في وقت يبرز العميد شامل روكز كرمز أساسي من رموز «الحالة العونية الشعبية» ومن خارج التيار الوطني الحر كإطار حزبي.

وبدأ روكز خطواته الأولى في عالم السياسة وتمكن من إيجاد موطئ قدم له في كسروان بعدما نجح في أول اختبار ميداني سياسي يخوضه عبر معركة جونية.

الحزب الاشتراكي ينتقل بخطى بطيئة وثابتة من وليد جنبلاط الى نجله تيمور الذي ترك له أمر أولى انتخابات تجري تحت إشرافه وإدارته في الشوف.

ولكن جنبلاط الأب اضطر للتدخل في أكثر من موقع حصل فيه تعثر.

حركة «أمل» تشهد أيضا بداية وضع انتقالي مع بدء الرئيس نبيه بري في التفكير بتقاعده السياسي وترتيب مستقبل حركة «أمل».

وإذا كان بري يعلن أمام مقربين منه أنه لا يخطط لتوريث أولاده في السياسة، فإنه لا يستطيع تجاهل طموحات موجودة لدى نجله البكر عبدالله الذي يرى ضرورة ضخ دم جديد في عروق «أمل» وانطلاقا من الانتخابات النيابية المقبلة.

أما حزب الكتائب، فإنه نجح في اجتياز المرحلة الانتقالية من عصر أمين الجميل الى عصر نجله سامي بأقل كلفة وأفضل نتيجة ممكنة.

كما نجح في رد اعتباره وإثبات وجوده في المتن الذي يستعد لترتيبات نقل الزعامة المتنية الأرثوذكسية من ميشال المر الى نجله الوزير السابق الياس المر.

في ضوء كل ما تقدم فإن الانتخابات البلدية رسمت خارطة سياسية جديدة غير مكتملة الخطوط والمعالم وتزداد وضوحا وتبلورا مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية وأبرز ما يميز هذه الخارطة:

٭ انتهاء مرحلة 8 و14 آذار والفرز السياسي الذي كان على أساس مشروعين ومحورين.

٭ توزع اللعبة السياسية «طائفيا» على ثلاثة لاعبين وأفرقاء: الفريق الشيعي (حزب الله ـ أمل) والفريق السني (الحريري ـ ميقاتي) والفريق المسيحي (عون ـ جعجع).

٭ ثبات وصمود العلاقة التحالفية بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.

فقد كانت الانتخابات البلدية بمثابة بروفة وأول امتحان عملي للتحالف والطرفان يحتاج كل واحد للآخر وتتربص بهما جهات «حليفة».

٭ نزعة الحريري الى البحث عن بدائل مسيحية وحلفاء يعوض بهم خسارته القوات اللبنانية.

ومشروع البدائل يشمل سليمان فرنجية والكتائب ومستقلين مثل بطرس حرب وميريام سكاف.

٭ ثبات جنبلاط في تموضعه «الوسطي».

وبعدما فك ارتباطه بالحريري من دون الطلاق معه، فإن اتجاهه في الانتخابات النيابية المقبلة هو الى تحسين علاقته مع المسيحيين، وتحديدا مع تحالف عون ـ جعجع، بعدما تحرر من عبء مقعد دوري شمعون.

٭ عودة حزب الله الى الاهتمام بالوضع الداخلي الذي يتأهب لمغادرة مرحلة الجمود واستئناف دورته الطبيعية وسط إعادة ترتيب للأولويات، بحيث باتت الانتخابات النيابية تنافس الانتخابات الرئاسية وتتقدم عليها في الأجندة اللبنانية.

فالانتخابات البلدية فتحت الطريق أمام الانتخابات النيابية، في حين تقبع الانتخابات الرئاسية في المأزق ووضعت جانبا.

وحزب الله بدأ التفكير بـ «تسوية سياسية» في صلبها قانون انتخابات على أساس النسبية وعلى أساسها ينتخب رئيس جديد.