تمعن وزارة الطاقة والمياه في ممارساتها المناهضة لحقوق المستهلك ومصالحه، وتصرّ على تحميله المزيد من الأعباء بحجة تسديد فاتورة استبدال قوارير الغاز. قرار الوزارة الأخير، الذي قلّص مهلة استبدال جميع قوارير الغاز من 10 سنوات إلى 5.5 سنة، يزيد الكلفة الاجمالية على عاتق المستهلكين خلال هذه المهلة من 106 ملايين دولار إلى 115.5 مليون. لحساب من تؤدّي وزارة الطاقة هذه المهمّة؟
محمد وهبة
في 26 نيسان 2016، أصدرت وزارة الطاقة والمياه القرار رقم 82، الذي يعدّل قرارها السابق رقم 175 الصادر بتاريخ 15 أيلول 2015، والمتعلق بعملية استبدال قوارير الغاز.
القرار الجديد يقلص المهلة الزمنية لاستبدال القوارير من 10 سنوات إلى 5.5 سنوات، ويرفع كلفة الاستبدال المحمّلة للمستهلك وحده من 100 ليرة على كل كيلوغرام غاز إلى 150 ليرة.
احتساب مفاعيل القرار الجديد، تظهر أن الكلفة الإجمالية على المستهلك ارتفعت إلى 115.5 مليون دولار وتوزّعت على 5.5 سنة (اي بمعدل 20.9 مليون دولار سنوياً)، في حين كانت تبلغ في القرار السابق نحو 106 ملايين دولار وتتوزّع على 10 سنوات (أي بمعدل 10.5 مليون دولار سنوياً). أما موجبات القرار الجديد، فهي تستند إلى ارتفاع كمية الاستهلاك السنوي المقدّر لمادة الغاز السائل المنزلي من 160 ألف طن إلى 210 آلاف طن، وإلى مبرّرات «الإسراع في إنهاء عملية استبدال قوارير الغاز المعدنية (بوتان / بروبان)». وبالتالي فإذا كان كل طن غاز يكفي لتعبئة 100 قارورة، فإن الكلفة ارتفعت بنسبة 9%، أو ما يوازي 9.5 ملايين دولار إضافية.
القرار الجديد ليس له مبرّرات واقعية، سوى أنه يأتي خدمة للشركة الوحيدة في لبنان، التي تصنع قوارير الغاز، أي شركة «سيغما» المملوكة من رباح جابر (شقيق النائب ياسين جابر). فلا يمكن أن يُبنى قرار كهذا بالاستناد إلى الزيادة المسجّلة في الكميات المستهلكة سنوياً، لأنها لا تمثّل أي عنصر ضاغط على عملية الاستبدال أصلاً، ولأن القرار الأول 175 الصادر في أيلول 2015 كان «أعمى» ولم يلحظ أن الكميات المستوردة إلى لبنان من البروبان والبروتان، بلغت في عام 2014 نحو 233 ألف طن، وبلغت في عام 2015 نحو 232 ألف طن أيضاً. أصلاً خلال السنوات الأربع الأخيرة لم تنخفض كميات الغاز المستهلك من البروبان والبروتان عن 200 ألف طن، فعلى أي سنة استندت وزارة الطاقة يوم أصدرت قرارها الأول المستند إلى استهلاك 160 ألف طن سنوياً، أم أنها يوم صدور القرار في النصف الثالث من عام 2015 كانت غافلة عن الأرقام الفعلية؟
اللافت أيضاً، أنه جرى تبرير صدور القرار بالإسراع في عملية الاستبدال، فلم هذه العجلة الآن بعد مرور سبعة أشهر على القرار الأول؛ هل اكتشفت وزارة الطاقة أن هناك ما يستدعي الإسراع في إتمام الاستبدال وخفض المهلة إلى النصف تقريباً؟ أم أن الأمر لم يناسب الشركة المصنّعة التي لديها خطوط إنتاج عدّة وليس لديها تصريف فعلي لا في السوق المحلية ولا في الأسواق المحيطة؟
لم يذكر القرار ما هي مبررات الإسراع، بل أظهر بوضوح أن المبلغ المفروض على المستهلك صار أكبر وخصوصاً أن معدّل مرات التعبئة السنوية يبلغ 5 مرات لدى كل أسرة، أي أن الأسرة التي كانت ستدفع 5000 ليرة، ستدفع اليوم 7500 ليرة. وهذه المبالغ ستذهب إلى جيوب المصنّعين الذين استفادوا وحدهم من قرار الاستبدال «اللئيم». هذه الصفة تناسب القرار لأنه امتنع عن تحميل الشركات المستوردة للغاز وموزّعي الغاز الكلفة، على الرغم من الأرباح الطائلة التي يحققونها من خلال قرارات تسعير الغاز الصادرة عن وزير الطاقة… الجميع يربح ما عدا المستهلك!
خسارة المستهلك هي الأكبر لأن المبالغ المجمّعة من كل أسرة قد تبدو متواضعة، لكن حجمها الإجمالي الذي يصبّ لدى شركة واحدة هو كبير جداً، ويصل إلى 115.5 مليون دولار محتسبة على أساس 27 دولاراً لكل قارورة غاز واحدة مضافاً إليها ضريبة القيمة المضافة.
سرقة جيوب اللبنانيين ليست ابتكاراً فريداً لوزارة الطاقة والمياه، بل هو نمط واظبت السلطة القائمة على ترسيخه بصورة متواصلة منذ سنوات طويلة بالقانون ومن خارجه أيضاً. ففي مجال تحميل المستهلك كلفة عملية استبدال قوارير الغاز، تكفي الإشارة إلى أن وزير الطاقة والمياه أيوب حميد كان قد اصدر في 27 أيار 2003 قراراً يحمّل شركات الاستيراد تسديد كلفة الاستبدال وفقاً لنص المادة 11 منه، إلا أن هذه المادة «استُبدلت» في 8 نيسان 2004 لتحمّل المستهلك هذا العبء. ورغم أن قرار حميّد كان يعترف في مادته الثانية بأن ملكية القارورة تعود للشركات وليس للمستهلك، أي أن كلفة استبدالها وصيانتها تقع على الشركات المستوردة للغاز والموزّعة، إلا أن الشركات تمكّنت من الهروب من الكلفة وحمّلتها للمستهلك.
وقبله أيضاً، أقرّ الوزير شاهي برصوميان (يوم كان وزيراً للطاقة في 1997) أن القوارير تملكها الشركات لا المستهلك. إقراره ورد في المادة الثانية من القرار 44 والمتعلق باستبدال قوارير الغاز. هذه المادة ذكرت بأن «تستبدل قوارير الغاز غير الصالحة بقوارير غاز جديدة تحمل العلامة التجارية والاسم التجاري العائدين لكل شركة مصنعة وفقاً للمواصفات…»، وأضافت المادة الرابعة: «تتحمل مراكز التعبئة كل في ما خصها النفقات المترتبة على تنفيذ عملية التبديل».
إذاً، بات واضحاً أن لوبي مستوردي الغاز وموزّعيه، كان قادراً على ضرب كل هذه الاعترافات بعرض الحائط. فما حصل في الحلقة الأخيرة من عملية استبدال قوارير الغاز التي أشرف عليها الوزير نظريان، هو أن الشركة المصنعة، أي «سيغما»، مارست ضغوطاً أفضت إلى استبعاد مشاركة وزير الصناعة حسين الحاج حسن عن المشاركة في صياغة القرار 175 الصادر في ايلول 2015. قبل صدور هذا القرار، كان الحاج حسن يعمل على توزيع كلفة الاستبدال بين كلّ من المستورد والموزّع والمستهلك، إلا أنه وجد نفسه، فجأة، بعيداً عن المشاركة في صياغة القرار ربطاً بتمسّك الوزير نظريان بما عدّه صلاحياته في إصدار القرار. ولم تكن مفاجأة بالنسبة للحاج حسن حين صدر القرار ضدّ المستهلك، فهو كان يتعرّض أيضاً لضغوط من الشركة نفسها التي كانت تؤدّي هذا الدور نيابة عن مستوردي الغاز وموزعيه الذين كانوا يرفضون رفضاً قاطعاً تحميلهم كلفة الاستبدال.