كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
وسام بليق، اسم جديد يُضاف إلى لائحة ضحايا السلاح المُتفلّت بعدما أصابت رصاصة مجهولة المصدر رأسه يوم الجمعة 20 أيار جعلته طريح الفراش داخل العناية الفائقة في مستشفى المقاصد إلى أن فارق الحياة صباح الاثنين 23 أيار.
كثرت الروايات الاثنين بشأن حقيقة مقتل وسام، فالبعض أكد أن رصاصة اخترقت رأسه في محلّة سليم سلام أثناء مهرجان حزبي، والبعض الآخر سرّب بأن لوسام أعداء هددوه من خلال مكالمة هاتفية أثناء تواجده في منزل أهله وأنه قُتل لحظة مغادرته. لكن بين الروايتين هناك حقيقة واحدة هي أن وسام وجع جديد يُضاف إلى أوجاع اللبنانيين غير القادرين على وضع حد لحكاية أصبحت تُلازمهم في حياتهم ويومياتهم من دون أن يتمكّنوا من وضع حد أو نهاية لآخر فصولها.
في ظلّ عدم وجود قانون يضبط استعمال السلاح في لبنان، يُسمع يوميّاً عن حالات من الفوضى وحوادث أمنيّة مُتنقّلة تعمّ مختلف المناطق ويُستعمل خلالها السلاح من كلّ العيارات. مع العلم أنه يُحصر صلاحية إعطاء رخص اقتناء السلاح وحيازته وحمله بمرجعية وزارة الدفاع، وينصّ القانون على حظر نقل الأسلحة والذخائر أو حيازتها من الفئة الرابعة في الأراضي اللبنانية، ما لم يكن الناقل حائزاً رخصة صادرة عن قيادة الجيش وتعطى لمدة ستة أشهر أو سنة واحدة ويجوز تجديدها. والسؤال هنا: أين هو دور الدولة اللبنانية التي من واجبها العمل على الحد من هذه الظاهرة التي باتت تستبيح مجتمعنا وتقضي على الشباب والأطفال وفي معظم الحالات يتم تجهيل الفاعل إمّا عن قصد وإمّا نتيجة عدم وصول التحقيقات إلى نتائج مؤكدة وملموسة؟ ولعل أكثر تلك الحوادث إثارة للضجة مقتل المقدم في الجيش ربيع كحيل الذي قُتل في عراك بسبب اشتباه القاتل في سيارة كحيل التي كان يجلس فيها على حافة الطريق حيث كان يتحدث عبر الهاتف.
وسام بليق الوالد لثلاثة أولاد هم، محمد ويوسف وروى، ليس الأول الذي يسقط مضرجاً بدمه على الطرقات وبالطبع لن يكون الأخير في بلد أصبحت البطولة تُقاس بنوعيّة السلاح الذي يقتنيه الفرد. ومن قال أن دور الأهل ينتهي أو يُحال إلى التقاعد مع سقوط أبنائهم؟ فهذه والدة وسام تركع أمام جسده المُمدد على السرير قبل نقله إلى برّاد المستشفى وتقول “بكير يا ماما، بعرف أنو حياتك انتهت هون، لكن ليش الظلم، ليش قتلوك؟”. وتتابع الوالدة التي احترق قلبها على ابنها وعلى الأيتام الثلاثة الذين رحل والدهم قبل أن يحتفل بشهاداتهم “لو بتقوم يا وسام وبتقلنا مين اللي قتلك قدام ولادك. يمكن فديتنا بروحك لتحمينا وتحمي ولادنا بس قوم وقلنا مين اللي قتلك لترتاح ونرتاح ونتصرف. وسام ما انقتل برصاصة طايشة وسام كان عنا وصله تلفون تهديد فقلها لمرته أنا عم بتهدد خلينا ننضب على البيت”. وتقول الوالدة “هني وبالسيارة شافوا الموتو الي اطلق النار عليه”. وتسأل عن “كاميرات الدولة الموزعة على الطرقات والتي كلّفت خمسين مليون دولار”.
وسام بليق ابن التاسعة والثلاثين عاماً والرقيب أوّل في فوج إطفاء بيروت، لم يُصدق والده أن ابنه ذهب ولن يراه ثانية، يقول الوالد “ابني مُحب للجميع ولا أعداء له، اسألوا جميع أبناء المنطقة وزملاءه في العمل. اسألوا عنه جمهور نادي النجمة الذي كان يعشقه وجماهير كرة القدم في لبنان. الله يرحمك يا بابا ويتغمدك برحمته”. إحدى الممرضات في مستشفى المقاصد أكدت لـ”المستقبل” أن “وضع وسام كان حرجاً منذ لحظة وصوله إلى المستشفى، فوسام قد توفىّ دماغيّاً منذ لحظة وصوله والأطباء قاموا بكل ما يستطيعون فعله من أجل إنقاذ حياته، لكن إرادة الله كانت أقوى”، مشيرة إلى أن “ما كان يُبقي وسام على قيد الحياة هو الماكينات الطبيّة التي تمنح القلب نبضات إصطناعية”.
بعد الصلاة على جثمانه في مسجد عائشة بكار، حُمل وسام على الأكتاف وسط صيحات التكبير والدعوة إلى إلقاء القبض على الفاعلين والاقتصاص منهم، ليسير بعدها موكب التشييع إلى جبّانة “الشهداء” حيث ووري في الثرى. بعد دفن وسام وقف ابنه محمد عند حافّة قبره والدموع تنهمر على وجنتيه في مشهد موجع أبكى الحاضرين. بعدها تقدم المعزون من عائلة وسام ليقفوا على خاطرها برحيل ابنها الذي انتشرت صوره بين الحاضرين بكثافة وكأنه تأكيد على محبة الناس له وتقديرهم للخدمات التي كان يقوم بها تجاه أبناء منطقته.
ومن المعزّين عضو كتلة “المستقبل” النائب عمار حوري ورئيس بلدية بيروت جمال عيتاني ومنسق تيار “المستقبل” في بيروت بشير عيتاني ممثلاً الرئيس سعد الحريري والمنسق العام لقطاع الرياضة في التيار حسام الدين زبيبو وقائد فوج إطفاء بيروت ورئيس وأعضاء نادي النجمة والفريق والجهاز الفني وحشد من جمهور النادي ورؤساء أندية وجماهير وحشد من المستنكرين. كما وضع على ضريح المغدور، إكليلان من الرئيس تمام سلام.
بدوره نعى نادي النجمة وسام بليق حيث وصفه بمسؤول صفحات مواقع التواصل الرسمية للنادي. وأصدر النادي بياناً جاء فيه: “يتقدم نادي النجمة الرياضي إدارة ولاعبين وجهازاً فنياً وجمهوراً بخالص المواساة والعزاء بوفاة فقيدهم الغالي شهيد الغدر وسام بليق المسؤول الإعلامي لصفحات مواقع التواصل الرسمية لنادي النجمة الذي توفي صباح أمس الاثنين، بعدما أصيب بطلق ناري مساء السبت الماضي، حين اخترقت رصاصة سيارته واستقرت في رأسه، داعين الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، ويلهمنا وأهله وذويه الصبر والسلوان. وقد صليّ على جثمانه الطاهر عصر أمس الاثنين، في مسجد عائشة بكار وووري في الثرى في جبانة الشهداء. وتقبل التعازي للرجال والنساء بعد الدفن ويومي الثاني والثالث الثلاثاء والاربعاء في 24 و25 أيار الجاري في قاعة مسجد الخاشقجي”.
وكانت مصادر أمنية أكدت أن التحقيقات في مقتل وسام بليق مستمرة للتثبّت من كيفيّة مقتله، وسط استبعاد أن يكون القتل ناجماً عن احتمال الرصاص الطائش.