حصة لا بأس بها من الأموال الليبية المنهوبة في الخارج، لا تزال حبيسة نزاعات قضائية تنظرها محكمة لندن التجارية العليا منذ أيام، تلك قضايا تتعلق باسترداد أكثر من ثلاثة مليارات دولار تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار، من مصرفي غولدمان ساكس وسوسيتة جنرال.
وعلى الرغم من تفاؤل مسؤولين في ليبيا بشأن استرداد تلك الأموال، إلا أن ثمة ما يعرقل الفصل في القضايا، نتيجة نزاع آخر تنظره محكمة لندن التجارية، أيضاً، يتعلق برئاسة المؤسسة صاحبة الدعوى ضد المصرفين.
ويدعي طرفا الصراع في طرابلس وطبرق، تبعية المؤسسة الليبية للاستثمار لإدارته، ما أفضى إلى لجوء المسؤولَين الممثلين لطرفي الصراع إلى القضاء البريطاني للفصل في أحقية أي منهما برئاسة المؤسسة التي تدير أصولاً تتجاوز 67 مليار دولار.
ومن غير المرجح أن يتم الفصل في هذه القضية قبل يناير/كانون الثاني 2017، ما يهدد موقف ليبيا من النزاع القائم مع مصرف غولدمان ساكس الأميركي الذي تطالبه برد 1.2 مليار دولار، وكذا سوسيتيه جنرال الفرنسي، المطالب برد 2.1 مليار دولار.
وقال مصدر لـ”العربي الجديد”، أن رئيس المؤسسة، عبد المجيد بريش، متواجد منذ أيام في لندن، وبصحبته المستشار القانوني للمؤسسة، لمتابعة القضية.
وحول أبرز التطورات، قال: “القضية لا تزال في أروقة المحاكم، لا يمكن الإفصاح عن أي معلومات ربما تغير مسار القضية لصالح المصرفين”.
ولتجاوز عقبة الصراع على المؤسسة، وما يمثله من عراقيل بوجه محكمة لندن للفصل في قضايا المصرفين، وافق رئيسا المؤسسة في طرابلس وطبرق، على تعيين شركة “بي.دي.أو” للاستشارات في يوليو/تموز 2014 لإدارة عملية التقاضي نيابة عن المؤسسة الليبية للاستثمار، وهذا سمح ببدء إجراءات أولية تسبق نظر القضية مثل الاستماع للشهود وجمع أدلة من خبراء.
وقال المدير العام السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار، محسن دريحة، لـ “العربي الجديد”، إن قضية مصرفي غولدن ساكس وسوسيتيه جنرال، تسير لصالح الدولة الليبية.
وتوقع أن يرد المصرفان المبالغ التي تطالب بها الدولة، والبالغة نحو 3.3 مليارات دولار، “لكن هذا لن يأتي إلا عبر إنهاء النزاع القائم على رئاسة المؤسسة، تحت حكومة الوفاق الوطني التي تحظى بدعم أممي”.
وأضاف أنه سيغادر إلى لندن، الأسبوع المقبل، لتقديم شهادة أمام المحكمة التجارية العليا، لأنه كان يدير المؤسسة خلال عامي 2012 و2013، واصفاً القضية بأنها “أكبر عملية احتيال تواجه ليبيا في الوقت الحالي”.
وتطالب ليبيا بنحو 2.1 مليار دولار من مصرف “سوسيتيه جنرال” فيما يتعلق بسلسلة نزاعات تجارية تشمل عقود مشتقات ترجع للفترة من أواخر 2007 إلى 2009 قبل الإطاحة بمعمر القذافي، بينما أقامت دعوى بحق مصرف “غولدمان ساكس” فيما يتعلق بالمشورة في معاملة قيمتها مليار دولار ترجع إلى عام 2008، بزعم أنها لم تكن ملائمة وأصبحت في نهاية المطاف “بلا قيمة”.
وبينما تقول ليبيا إن الخسائر التي تكبدتها بسبب المصرفين، “مُبالغ فيها وغير مبررة”، ينفي المصرفان من جهتهما هكذا اتهامات. وبالإضافة إلى الخسائر، لم تحقق استثمارات ليبيا في الخارج عوائد مالية تذكر، وذلك بسبب سوء الإدارة وعدم وجود رقيب على الصناديق السيادية في ظل تنازع السلطات، وفق تقرير حديث لديوان المحاسبة الليبي.
ويعتقد دريحة، أن “القضية في مراحلها الأخيرة”، لكن العائق الوحيد الذي قد يحول دون استرداد تلك الأموال، يتمثل في ازدواجية رئاسة المؤسسة الليبية للاستثمار.
في المقابل، يرى المحلل المالي، عمرو فركاش، أن قضية المصرفين، “معقدة جداً وتحتاج إلى وقت طويل لمعرفة خيوطها وطبيعة الاستثمارات التي دخلت المصارف فيها لصالح ليبيا”.
ومع تنامي الفجوة المالية في ليبيا، وانهيار احتياطي الدولة من النقد الأجنبي، واستنزاف الوفورات المالية التي سجلتها في سنوات الرخاء، تزيد حاجة ليبيا لاسترداد أموالها من الخارج، خاصة مع تناول تقارير عربية ودولية معلومات تفيد أن الأموال التي هربها الرئيس السابق، القذافي ورموز نظامه، تصل إلى عشرات مليارات الدولارات.
وقال المحلل الاقتصادي، حمدي دهيس، لـ “العربي الجديد”، إن الدولة تعلق آمالا كبيرة على استرداد جزء من أموالها المهربة والمنهوبة في الخارج، خاصة قضيتي المصرفين العالميين، على اعتبار أن مؤسسة الاستثمار تمتلك أدلة إدانة ضدهما.
وبحسب تقديرات المؤسسة، فإن أصولها، حتى الآن، تبلغ نحو 67 مليار دولار، موزعة على محفظة طويلة المدى وشركة استثمارات خارجية ومحفظة أفريقيا وشركة الاستثمارات النفطية.
ويتمثل نصف الاستثمارات في سندات وأموال سائلة، في حين يتجسد النصف الآخر في نحو 550 شركة موزعة بين العالم العربي وأفريقيا وأوروبا. وتأسست المؤسسة الليبية للاستثمار سنة 2006 بأصول تصل إلى 50.6 مليار دينار ليبي (39 مليار دولار).