توشك معضلة العام الماضي الشائكة التي واجهت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) على الزوال ولو من وجهة النظر النفطية المحضة، لكن مستقبل أوبك أصبح على المحك.
فبعد أقل من 6 أشهر على رفع العقوبات الغربية عن إيران، تقترب طهران من استعادة مستويات تصدير النفط الطبيعية، مما يضخ المزيد من النفط في السوق بطريقة سلسة على نحو غير متوقع وساعد في ذلك تعطل الإمدادات في دول مثل كندا ونيجيريا وأميركا اللاتينية.
لكن مصادر ومندوبين في أوبك يقولون إن هذا التطور لم يفعل شيئا يذكر لإصلاح الحوار، ناهيك عن المساعدة في التوصل إلى اتفاق بشأن الإنتاج عندما تعقد أوبك اجتماعها الأسبوع المقبل وسط توترات سياسية متزايدة بين إيران الغريمة التقليدية للسعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم.
وفي وقت سابق هذا العام رفضت طهران الانضمام إلى مبادرة لزيادة الأسعار من خلال تجميد الإنتاج لكنها أشارت إلى أنها ستنضم للجهود المستقبلية فور أن يتعافى إنتاجها بشكل كاف. ولم تعد أوبك تفرض قيودا على الإمدادات إذ أنها ألغت سقف الإنتاج في اجتماعها الأخير في ديسمبر.
وتشير أرقام وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج إيران بلغ مستويات ما قبل فرض العقوبات بسبب برنامجها النووي. وتقول طهران إنها لم تصل بعد إلى تلك المستويات.
لكن مندوبين في أوبك يقولون إن إيران ربما ترغب أكثر في الحوار الآن، لكن صعود أسعار النفط قلل الحاجة الملحة لتعزيز السوق. وارتفعت أسعار النفط صوب 50 دولارا للبرميل أمس وهو سعر أعلى ربحية للمنتجين بعد أن بلغت أدنى مستوى في 12 عاما في يناير عند 27 دولارا للبرميل.
وقال مندوب من منتج رئيسي في الشرق الأوسط “لا أعتقد أن أوبك ستقرر أي شيء… السوق يتعافى بسبب تعطل الإمدادات وانتعاش الطلب”.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت المنظمة ستقوم بأي تغيرات على سياسة الإنتاج في اجتماع 2 يونيو، قال مندوب كبير في أوبك “لا شيء… التجميد انتهى”.
وفي داخل أوبك دأبت إيران طويلا على السعي لاتخاذ إجراءات لدعم أسعار النفط. ويضعها هذا الموقف في خلاف مع السعودية التي قادت رفض أوبك خفض الإنتاج من أجل تعزيز السوق في نوفمبر 2014.
ولا ترى مصادر مطلعة على سياسة النفط الإيرانية أي مؤشر على أي تغيير في نهج الرياض بقيادة وزير الطاقة الجديد خالد الفالح الذي ينظر إليه على أنه مؤمن بالإصلاح وأسعار النفط المنخفضة.
وقال أحد المصادر “الأمر يعتمد حقا على تلك الدول التي لديها مستوى إنتاج مرتفع داخل أوبك… لا يبدو أن السعودية ستكون مستعدة للتعاون مع الأعضاء الآخرين”.
واستطاعت إيران زيادة صادراتها من النفط في العام الحالي بعد رفع العقوبات في يناير.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن إيران رفعت إنتاجها إلى 3.56 مليون برميل يوميا في أبريل وهو المستوى الذي حققته آخر مرة في نوفمبر 2011 قبل تشديد العقوبات.
وتظهر البيانات التي تقدمها السعودية لأوبك أن إنتاجها اقترب من مستوى قياسي مرتفع عند 10.26 مليون برميل يوميا في أبريل وأن الرياض حافظت على استقرار إنتاجها نسبيا خلال العام الماضي.
وقال مندوبون من أعضاء آخرين في أوبك إن إيران لن تكبح الإمدادات على الأرجح لأنها تعتقد أن السعودية ينبغي أن تخفض إنتاجها لتفسح المجال للنفط الإيراني.
وقال مندوب غير إيراني في أوبك “إيران لن تؤيد أي تجميد أو خفض للإنتاج… لكنها قد تضغط على السعودية لأنها تتحمل المسؤولية”. لكن أيام تفكير السعودية في خفض أو زيادة الإنتاج من جانب واحد قد ولت. وفشلت محادثات استضافتها الدوحة بشأن تجميد إنتاج أوبك أو تجميد إنتاج المنتجين الآخرين خارج المنظمة بعد أن أصرت السعودية على مشاركة إيران.
وفي واقع الأمر جعلت الخلافات بين السعودية وإيران بشأن سياسة أوبك التعاون أصعب ناهيك عن الخلافات الأكثر جوهرية بين البلدين. وقبل 56 عاما أسهمت الرياض وطهران في تأسيس أوبك.
ولأكثر من 10 سنوات بعد انهيار أسعار النفط إلى 10 دولارات في 1997 نحى الجانبان الخلافات بهدف إدارة السوق وتعزيز الأسعار على الرغم من أنهما باتا في معسكرين مختلفين في أوبك، حيث تريد إيران زيادة الأسعار بينما تريد السعودية أسعارا أكثر اعتدالا.
وتشهد الصراعات والخلافات بين السعودية وإيران لا سيما في سوريا واليمن تصاعدا متواصلا، وتجعل العلاقة بين البلدين مشحونة أكثر.
وعلى هذه الخلفية قال مراقب لمنظمة أوبك إن الوزراء ربما يتلقون النصح بإبقاء سقف التوقعات منخفضا.
وقال بول هورسنيل المحلل لـدى ستانـدرد تشارترد “المطمح الوحيـد لأوـبك في اجتمـاعهـا في الثاني من يونيو المقبل هو ببساطة عدم تكرار فوضى عملية الدوحة”. وأضاف “اجتماع بسيط دون تعهدات ملزمة والأهم دون خلافات علنية سيكون أفضل نتيجة للوزراء”.
وتختلـف السعوديـة وإيـران بشـأن تـوجـه أوبـك فـي المستقبـل. وأخفقـت أوبـك في اتخـاذ قرار بشأن استراتيجيـة طويلـة الأمـد لأن السعـودية تعتـرض على اقتـراح إيـران بـأن تستهـدف المنظمـة “إدارة فعالـة للإنتـاج”.
ويبدو من المرجح أن أوبك لن تعود بعد اليوم إلى أداء أي دور للتأثير في أسواق النفط، وقد يكون دورها انتهى بالفعل، لتترك الأمر لقوى العرض والطلب.