IMLebanon

الصفدي: كنتُ اللاعب الأكبر في التوافق

mohammad-safadi

 

 

كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:

يراقب النائب محمد الصفدي الوضع اللبناني من منظارٍ مختلف في لحظة حرجة إقليمياً ودولياً، ويبدو كمن كسرَ حاجز صمتِه مع جريدة «الجمهورية» ليُسجّل حزمةً من المواقف دفعةً واحدة بعد طول غياب عن الإعلام.في الطابق الرابع من مركزه الثقافي في طرابلس، والمطلّ بأجزاء واسعة على التحفة الهندسية الشهيرة لـ«أوسكار نيماير» المتمثلة بمعرض رشيد كرامي الدولي، تحدّثَ الصفدي عن الفراغ الرئاسي واﻻستحقاق البلدي وشؤونٍ أخرى، مسترِقاً النظرَ بين الحين والآخر من نافذته إلى المدينة الأحبّ إلى قلبه، كمن أراد توسيعَ الأفق، والاسترسالَ بأفكاره بانسيابٍ ملفِت.

الحداثة في المبنى الأنيق تعكس نمطَ تفكير الصفدي ونهجَ عملِه القائم على العمل المؤسساتي وتنمية الإنسان، وفقَ قوله، وهو الذي دخل الحياة السياسية من زاوية مختلفة تجاوزَت الإرث العائلي، لكنّ تميُّزه بلباس الديبلوماسية السياسية التوافقية جعله لاعباً أساساً في الميدان الطرابلسي وبسرعة قياسية.

يكشف الصفدي في حديثه لـ«الجمهورية» عن تفاصيل التوافق الذي تحَقّق بعد نجاح مساعيه بالتقارب بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، معتبراً أنّه لعبَ دوراً أساساً في نجاحه: «كنتُ اللاعبَ الأكبر بعدما دخلتُ على الخط، فاجتمعت مع الرئيس الحريري أوّلاً، وبدَّدت له عدم وجود تكتّل سياسي لمواجهته في طرابلس». مضيفاً: «كيف يكون هناك تكتّل مضاد للحريري وأنا لستُ مِن ضمنِه!».

ويكشف أنّه عاد واجتمع مع الرئيس ميقاتي «ولمسَ عدم وجود نوايا سيّئة بين الطرفين»، موضحاً أنّ «خطوةَ جمعِهما لم تكن شاقّة، وتكلّلت بالتوافق السياسي في طرابلس على اﻻنتخابات البلدية»، مضيفاً: «كانت هناك قناعة شاملة عند الجميع بوجوب العمل سريعاً لتنمية طرابلس، وقد أكّد الرئيس الحريري أنّها ستكون لها الأولوية في المرحلة المقبلة».

ويوضح: «عندما وقعَ الخلاف بين الحريري وميقاتي على خلفية ترَؤّس عويضة أو حلاب بلدية طرابلس قلتُ: «أنا موافق على الاثنين، واستطعتُ بذلك خوضَ لعبة التوافق ونجحتُ، إنّما لو أصرّيت على واحد منهما لَما توصّلنا إلى الوفاق».

المرشّحون المسيحيون

وعن اﻻستحقاق البلدي وانتقاء المرشّحين المسيحيين في اللائحة التوافقية، يقول الصفدي: «التحالف السياسي الذي حصل أنقَذ طرابلس في الدرجة الأولى، خرَجنا بلائحة تشكّل فريقَ عمل متجانساً، والنسبة الأعلى من أعضائها، أي 90 في المئة، لم تنضمّ إليها بمنطق المحاصَصة السياسية، واللائحة التوافقية حظيَت بدعم الجميع انطلاقاً من اﻻهتمام بالمدينة والحِرص على الحضور المسيحي الذي هو مصدر غِنى».

ويشدّد الصفدي على أنّ «المطارنة لعبوا الدور الأساس في تسمية المرشحين المسيحيين، كون الأحزاب المسيحية في طرابلس ﻻ تلعب عادةً دوراً في هذا المجال.

نحن متمسّكون بالحضور المسيحي وبالعرف الذي يقضي بإسناد نيابة الرئاسة إلى مسيحي لتأكيد التعايش الواحد، وعليه نرغب في المضيّ قدُماً في المدينة بمجلس بلدي متجانس، خصوصاً أنّ معدّلات البؤس والفَقر أصبحت مرتفعة جداً وينبغي تضافُر الجهود بين الدولة عبر أجهزتها كافة والقطاع الخاص ومؤسسات العمل المحلّي».

إنتخابات الرئاسة

لا يتوقع الصفدي انتخابَ رئيس للجمهورية في المدى المنظور، ولكنّه يُقرّ بوجوب ترميم البنية السياسية اللبنانية التي وصَفها كالآتي:

كان لدينا ثلاثة لاعبين أساسيين: الشيعة والموارنة والسنّة، وبعد انقسام الموارنة بين الشيعة والسنّة، أصبح لبنان مقسوماً بينهما، والجميع يعرف أنّ الصراع قديم وتاريخيّ بينهما، وهناك أهداف «لإثنينهما» في دول أخرى.

لذلك إنّ الدور المسيحي الذي كان يؤدّي المهمّة التوفيقية بين السنّة والشيعة اختفى، وبعودة الاتفاق بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، فُتح الباب مجدّداً لإعادة اللعبة السياسية في لبنان، ليصبح مجدّداً كالآتي:

التحالف الماروني، السنّة والشيعة. ولذلك أصبح اليوم لدينا أمل في أنّ اللعبة بات لها ثلاثة أعضاء بعدما كانوا اثنين وشكّلوا كتلة مارونية (على رغم أنّني ضدّ أيّ تكتّل) إنّما في الوضع العام، هذا التكتّل يفتح باب اللعبة السياسية اللبنانية ونعوّل كثيراً على الدور الماروني، ونأمل أن يكون هناك تقارُب ماروني – سنّي جامع لانتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة».

ويشير الصفدي إلى عدم وجود «أيّ تقارب بين عون والحريري»، لكنّه يأمل في أن «يحصل قريباً، لأنه لن يكون هناك رئيس للجمهورية إلّا بتفاهم بين عون والنائب سليمان فرنجية، ومن الطبيعي ألّا تتمّ اﻻنتخابات من دون تفاهم عون – فرنجية، وهذا ما نتمنّى حصوله بسرعة».

اﻻستحقاق الرئاسي شكّلَ عنواناً لحديث الصفدي لاستعراض الملفّات الشائكة، إذ يقول بأسف: «يجب أن أصارح اللبنانيين بحقيقة مرّة، فنحن ﻻ نتمتّع بحرّية اﻻختيار بكلّ ما نصبو إليه، فمع الأسف بعض المكوّنات السياسية مرهونة بخياراتها للخارج، وطالما هذا اﻻرتهان موجود سنبقى بعيدين عن الحلّ المنشود، خصوصاً مع تعقيدات الوضع في الشرق الأوسط، وهذا يعني أنّنا نفتقر لوجود حياة سياسية حقيقية، فمِن المؤكّد هو ضرورة إنتخاب رئيس، والأسباب التي تمنعنا من ذلك شِبه مفهومة، ومن البديهي مطالبتُنا بتشكيل حكومة قوية، لأنّ الحكومة الحاليّة باتت ضعيفة، والمشاركون فيها يعلمون ذلك، وليس أمامنا خيارٌ إلّا اﻻنتقاد الذي لن يؤدّي إلى الحلّ المنشود».

في هذا السياق، يتوقّف الصفدي عند تقويم مشاركته في الحكومة السابقة، فيوضح: «شاركتُ في حكومة ميقاتي انطلاقاً من حِرصي على الوحدة الوطنية، وكنتُ مطروحاً لرئاستها، ولكن لأسباب معيّنة، ترَأسها ميقاتي».

ويضيف: «شاركتُ في الحكومة من منطلق قطعِ دابر الفتنة بين السنّة والشيعة، لأنّ النزاع في حينها بين «المستقبل» و»حزب الله» ﻻمسَ حدود الخطر على وحدة الوطن، صحيح أنّني دفعتُ ثمناً باهظاً ولكنّني لست نادماً أبداً، بل يتملّكني شعور بخيبة أمل لأنني كنتُ أرغب في تحقيق الكثير من تطلّعات الشعب اللبناني».

قانون الانتخاب

وعن قانون اﻻنتخابات النيابية، يقول: «لا بدّ من إقرار قانون انتخابيّ حديث وفقَ النسبية، من أجل تأمين أرضية للإصلاح السياسي، فالنسبية تمنَح هامشاً واسعاً للحرّية واﻻختيار في التحالفات أو اعتماد الخيار المنفرد، فضلاً عن كون هذه النسبية تعطي دفعاً لديناميكية انتخابية عبر تحفيز المواطنين.

ربّما أتفهّم بعض المواقف المعارضة لاعتماد النسبية ولكنّ هذه المواقف ليست لصالح البلد في النهاية، فبمقدار ما نمضي في التغيير من داخل مؤسسة مجلس النواب، بمقدار ما نخطو نحو الإصلاح السياسي المنشود».

وعمّا يتمنّاه من المجلس البلدي العتيد، يقول الصفدي: «ينبغي أن يتحوّل المجلس فريقَ عملٍ متجانساً وﻻ يقع في أخطاء المجلس السابق على خلفية اﻻنقسام السياسي بمقدار أن يكون حاضراً بقوّة، وفعّالاً في ميادين الخدمات العامة والتنمية بشكل أساس، والأهمّ المبادرة إلى إنشاء معاهد ومراكز تقنية في المناطق الفقيرة لتأهيل اليد العاملة تمهيداً لانخراطها في سوق العمل».

ويشدّد على أنّ «المجتمع المدني أساسٌ في العمل البلدي، إنّما لا يعني ذلك إشراكه في السلطة بل خارج السلطة، لأنه لو شاركَ في السلطة سيغرق في المتاهات السياسية ولن يعود مدنياً، بغَضّ النظر عمَّن سيكون الفائز. فالبلدية التي ستفوز ستدعمها كلّ الأطراف السياسية في المدينة».

يحمل الصفدي في جعبته تطلّعات كثيرة حول دور مؤسسته في طرابلس: «هناك فصلٌ تامّ بين العمل السياسي والعمل الإنمائي، وهدفُ المؤسسة تنمية الإنسان كمقدّمة لتطوير المجتمع، من هنا ﻻ نسأل عن أمرين في المؤسسة: الدين واﻻنتماء السياسي.

وعلى المستوى الشخصي أهدف إلى تطوير قدرات الإنسان اللبناني، لذلك موضوع التنمية أساسيّ، وطرابلس تحتاج إلى يد عاملة ليست جاهلة، لذلك يجب تأهيل اليد العاملة الطرابلسية لإدخالها في صلب النهضة الحديثة.

وأسعى مع فريق العمل للتعاون مع جهات محلّية وعالمية في ميادين التنمية من أجل إقامة برامج ومشاريع تطويرية كثيرة، كما القيام بمبادرات شعبية تساهم في الحدّ من المشاكل اﻻجتماعية في طرابلس والشمال».

ويكشف الصفدي عن «مشروع كبير جداً لطرابلس تشاركُ فيه الدولة بأجهزتها وقطاعها الخاص وبلدياتها، لكنّه أراد إبقاءَ تفاصيل الإعلان عنه «مفاجأة صفدية» في المستقبل.