IMLebanon

العقوبات: إجراءات معقّدة حمّالة أوجه

BanqueDuLiban
عصام الجردي

لم يتضمن الإعلام الذي صدر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بصفته رئيساً للهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب آلية لتنفيذ إجراءات وزارة الخزانة الأميركية تبعاً لقانون الكونغرس الصادر في كانون الأول/ يناير 2016 الذي فرض عقوبات على “حزب الله”. وقت بدت فيه التدابير المنوطة بلجنة الرقابة على المصارف تتطلب جهوداً استثنائية لمعالجة الجوانب التقنية المعقدة المتصلة بالحسابات المدينة وتصنيفها. بينما بقيت كيفية قفل الحسابات الدائنة ومساربها بعد تصفيتها نقداً لغزاً في ذاته.

جديد الإعلام تكريس الـ30 يوماً مهلة للمصارف والمؤسسات المالية و”المؤسسات الملزمة بالإبلاغ” لإخطار “الهيئة الخاصة” قبل قفل حسابات عملائها أو الإمتناع عن فتح أي حساب لهم. حتى إذا لم تتلق المصارف والمؤسسات المعنية جواب الهيئة بعد انقضاء المهلة يمكنها “اتخاذ الاجراءات المناسبة”.

“استدراك أي إجراء تعسفي يلحق الضرر بمودعي المصارف وعملائها” على ما جاء في ديباجة إعلام “الهيئة الخاصة” لا يعدم إمكان حصول مثل هذا العسف بالفعل، من خارج لائحة العقوبات الإسمية غير المشمولة بالإجراءات المعدلة. وإذ حدد الإعلام 3 أيار/ مايو الجاري موعداً لسريان مفعول الإجراءات، لم يوضح إذا ما كان ذلك يعني عودة المصارف والمؤسسات المعنية عن إجراءات تمت بالفعل في حق عملائها في الفترة بين التاريخ المذكور وتاريخ صدور الإعلام في 26 أيار/ مايو 2016. ولا يتسق مفعول الإعلام مع طلب “حزب الله” سريان الإجراءات بمفعول رجعي يعود إلى تموز 2015، حين استبقت إجراءات بعض المصارف صدور قانون الكونغرس وتعليمات وزارة الخزانة الأميركية في نيسان/ أبريل الماضي.

مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب دانيال غلايزر الذي كان على علم بتدابير مصرف لبنان و”الهيئة الخاصة”، أبلغ في لقائه، الخميس، حاكم مصرف لبنان ونائبيه رائد شرف الدين ومحمد بعاصيري بأن “الولايات المتحدة لا تستهدف الطائفة الشيعية من خلال العقوبات المالية، ولا النظام المصرف اللبناني”، لكنه شدد على التزام العقوبات حيال “حزب الله”. بيد أن السؤال الأهم: هل يمكن أن تؤدي التعديلات التي أدخلت على مسار تطبيق العقوبات إلى نتائج شافية؟ لا تبدو الأمور تماماً على هذا النحو. نقل المليارات نقداً بالعملة اللبنانية وبملايين الدولارت الأميركية لمن تقفل حساباتهم الدائنة بقي بلا حل. متابعة مسار النقد في السوق الاستهلاكية والتجارية والاستثمارية ظلم فادح ومستحيل التنفيذ في وقت واحد. لكن الحقيقة تقتضي القول إن المال سيعود إلى الجهاز المصرفي عبر قنوات أخرى. لماذا هذا التدليس؟ معالجة القضية حالة بحالة كما نفسر القصد من مهلة الـ30 يوماً، ستتناول الأفراد والكيانات المشمولين بقانون الكونغرس وتعليمات الخزانة الأميركية. من مستشفيات ومؤسسات تعليمية وغوثية وخدمات اجتماعية. هل قبل غلايزر التعاطي بمرونة مع هذا الجانب؟ معلوماتنا كلاّ. هل ستقدم مهلة الـ30 يوماً أو تؤخر والحال هذه؟ ليت.

وضع الحسابات الدائنة أشد تعقيداً ولبساً. المصارف وعملائها معاً عرضة لخسائر ومخاطر جدية. لن نضيف إلى ما ذكرنا سابقاً في هذا المجال. لكن لفتنا تعميم صادر عن حاكم مصرف لبنان في 3 أيار/ مايو يطلب إلى المصارف والمؤسسات المالية تكوين مؤونات على الحسابات المدينة التي يتم قفلها من دون تعديل تصنيف العملاء على النحو الآتي:

المادة الأولى: يضاف الى المادة الثانية من القرار الأساسي رقم 7694 تاريخ 18 تشرين الثاني 2000 البند (6) الآتي نصه: على المصارف والمؤسسات المالية تكوين مؤونات في مقابل الحسابات المدينة التي يتم إقفالها تطبيقاً للاجراءات والعقوبات وللتقييدات المقررة من قبل المنظمات الدولية الشرعية أو من قبل السلطات السيادية الأجنبية، والعمل على تحصيل هذه الديون من العملاء من دون تعديل تصنيفهم الإتماني.

المادة الثانية: يعمل بهذا القرار فور صدوره.

بينما صدر عن رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود في 13 أيار/ مايو الجاري (لاحق لتعميم مصرف لبنان) حمل الرقم 286 يؤكد على وجوب حمل مؤونات إجمالية في مقابل قفل الحسابات من دون الحاجة الى إعادة تصنيفها. وفي مكان آخر من التعميم دراسة كل حساب على حدة والتقدم من لجنة الرقابة على المصارف “خلال 3 أشهر من القفل أو التجميد” لتصنيف الحساب تبعاً لوضعه الإئتماني لتحديد حجم المؤونات الإجمالية.

السؤال كيف يمكن قفل حساب وحمل مؤونات عليه من دون إعادة تصنيف الدين؟ وهو عندنا من فئات عشر يبدأ بـ”الممتاز والقوي وينتهي بالمشكوك في تحصيله ورديء”. كيف التفريق بين حساب جيد أُقفل نتيجة الإجراءات، وبين آخر لا علاقة له بها، أو بين حساب يجمع بين الإجراءات والمشكوك فيه في آن معاً، طالما أن المؤونات ولو بصيغة “إجمالية” مطلوبة على الحساب” وكيف ستتعامل المصارف مع هذه الحالات؟ ثم: ماذا تعني مفردة “تجميد الحساب”؟ الحساب يترك أو يقفل. ولم نفهم حتى الآن هل ستستخدم الضمانات في مقابل الديون غير المسددة؟ أوَ نستخف بنتائج الأمر اقتصادياً ومالياً؟

أسئلة كثيرة معلقة تعكس مدى الضغوط التي يتعرض لها مصرف لبنان والمصارف. الصلف الأميركي كبير، ليترك منطقة رمادية واسعة تطال آلاف من عملاء المصارف من خارج اللائحة الإسمية لـ”حزب الله”. لا قانون الكونغرس كان واضحاً، ولا غلايزر ولا إجراءات مصرف لبنان ولجنة الرقابة.