من المفترض أن تتوقف الأعمال في موقع سدّ جنة اليوم، استجابةً للقرار الذي أصدره محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل، «تجاوبا مع كتاب وزير البيئة الذي يطلب منع أي أعمال في موقع سدّ جنة الى حين اتخاذ مجلس الوزراء القرار المناسب في هذا الموضوع». وفيما أرجأ مجلس الوزراء البت في الموضوع الى الجلسة المُقبلة، يسعى رافضو المشروع الى الضغط عليه من أجل إبقاء توقيف الأعمال
هديل فرفور
أصدر محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل في 23 أيار الجاري قرارا يقضي بـ «منع أي أعمال في موقع سدّ جنة، وذلك لحين اتخاذ مجلس الوزراء القرار المناسب في الموضوع». ومن المتوّقع أن يتبلّغ القيمون على «الورشة» في الموقع القرار اليوم.
هذا القرار أتى استجابة لكتاب وزير البيئة محمد المشنوق الذي أرسله الخميس الماضي، عقب «ظهور» قرار تمديد إجازة قطع الأحراج الذي اتخّذه وزير الزراعة أكرم شهّيب، والذي استندت اليه الشركة المكلفة أعمال السد لقطع آلاف الأشجار الحرجية خلال الفترة الماضية.
«يجب التفتيش عن مشاريع بديلة لتزويد العاصمة بيروت بالمياه العذبة غير مشاريع السدود في جبل لبنان»، كانت هذه التوصية من أبرز الخلاصات التي توّصل اليها تقرير مركز الأبحاث الجيوفيزيائية التابع لـ «المجلس الوطني للبحوث العلمية» حول مشروع سدّ جنة في 19 كانون الأول الماضي. حينها، حذّر المركز، وهو الجهة الرسمية التي تقوم بعملية رصد وتسجيل الزلازل وتحديد مراكزها، من مخاطر زلزالية داهمة على سكّان المناطق المجاورة التي «ستزداد بسبب إنشاء سدّ جنّة». سبقت هذا التقرير، تقارير مُشابهة شكّكت في جدوى إنشاء السد وحذّرت من تداعياته، كتقرير الشركة الإستشارية الفرنسية العالمية SAFEGE التي خلصت الى أن الموقع المقترح للسد يتميز بطبيعة جيولوجية وهيدروجيولوجية معقدة لا تناسب إنشاء خزان مائي. كذلك تقرير الوكالة الألمانية الرسمية BGR، المكلفة من الحكومة الألمانية التعاون التقني مع لبنان في موضوع المياه، والصادر في 3 حزيران 2012، الذي يُشير الى نسبة التسرّب الهائلة التي سيتسبب بها السد. إضافة الى تقرير تقييم الأثر البيئي العائد لمشروع إنشاء السد، الذي يُقدر كلفة التدهور البيئي بنحو 42 مليون دولار أميركي سنويا، وبحسب التقرير فإن «هذه الكلفة ستكون تصاعدية»، مُشيرا الى أنه «لا يمكن اتخاذ أي تدابير تخفيفية لتفادي الآثار البيئية السلبية».
انطلاقا من هذه المعطيات، نفّذت «الحركة البيئية» أمس اعتصاما في ساحة رياض الصلح تزامنا مع انعقاد مجلس الوزراء للمطالبة بوقف مشروع إنشاء سدّ جنّة. «تسلّح» الناشطون المشاركون في الإعتصام بتقرير مركز الابحاث الجيوفيزيائية وبتقرير تقييم الأثر البيئي للمشروع مندّدين بالمشروع الذي «يخدم المصالح الخاصة الضيّقة»، على حدّ تعبير رئيس الحركة بول أبي راشد.
«ليش عن سدّ جنّة راضي؟ لتبيع من حوله الأراضي»، لافتة رُفعت خلال إعتصام أمس ليعكس اتهاما لـ «مناصري» المشروع بأنهم يريدون «خدمة المستثمرين واصحاب الشركات وتجار العقارات». يرى الاستاذ الجامعي والخبير الهيدروجيولوجي سمير زعتيتي أنه يجري التسويق للسد على أنه «مكسب ربحي من شأنه أن يُرفق بانشاء اوتيلات ومراكز تجارية يستفيد منها أبناء المنطقة، إضافة الى إغراء أصحاب الأراضي بارتفاع سعر العقارات المجاورة للسد. يحمل زعتيتي لافتة تقول: «هيدا مش سدّ هيدا مصفاية»، وهو قول اقتبسه من احد الخبراء الهيدرولوجيين الفرنسيين الذي أشرف على دراسة المشروع في إشارة الى طبيعة الموقع التي لا تسمح بتخزين المياه.
وفيما يتذرّع المدافعون عن المشروع بأن الهدف هو توفير المياه لمناطق بيروت وجبيل وكسروان وغيرها من المناطق (قيل إن المشروع يؤمن أكثر من 30 مليون متر مربع)، يُظهر تقرير الوكالة الالمانية أن نسبة التسرّب المائي للسدّ هائلة وتراوح بين %35 و52 % وهي تبدأ من ارتفاع 800 متر حتى 860 متراً، والتسرب الأكبر بين ارتفاع 810 و820 متراً. وتصميم سد جنة هو لارتفاع 834 متراً كحد أدنى و839 متراً كحد أقصى. وبالتالي ففي ارتفاع يزيد على 810 أمتار يصبح التسرب حوالى 100%، فيما يُشير تقرير مركز الأبحاث الجيوفيزيائية الى خطر تجفيف مجرى نهر إبراهيم وواديه الأوسط والسفلي من المياه، وهو أحد الأنهار النادرة الذي لا يزال موجودا، وهو ما «ستكون له إنعكاسات سلبية حادة على البيئة البحرية كما على المناطق الساحلية».
«يريدون المشاريع الضخمة كي يتمكنوا من قضم حصصهم منها»، يقول زعتيتي، مُشيرا الى امكانية انشاء آبار للمنطقة كحل بديل ومُضيفا: «إن تكلفة إنشاء 10 آبار للمنطقة لن تتجاوز المليون دولار»، فيما تلفت الحركة البيئية الى ان تكلفة السد تفوق المليار دولار. بدوره يكشف الخبير الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا في هذا الصدد الى وجود دراسة أعدّها مجلس الإنماء والإعمار عام 2007 «جرى إخفاؤها تُفيد بأن إنشاء محطة على نهر الدامور من شأنه أن يراكم 100 مليون متر مكعب من المياه يمكن جرّها الى بيروت خلال فترة الشحاح وبكلفة لا تتعدى الـ153 مليون دولار»، ويُضيف: «أخفوها من أجل إقامة سدّ بسري وسدّ جنة كي يستفيدوا».