Site icon IMLebanon

الفساد آفة قاتلة للإقتصاد اللبناني

corruption

جاسم عجاقة

يعيش الإقتصاد اللبناني تحت رحمة الفساد الذي يُحدد قواعد اللعبة الإقتصادية بدلاً من أن تُحددها قواعد الإقتصاد الحرّ. هذه الآفة أصبحت خطراً حقيقياً على الإقتصاد ويجب العمل على القضاء عليها تحت طائلة الإنهيار الكامل للمقومات الإقتصادية.الرشاوى الإقتصادية في العالم تفوق التريليون دولار أميركي وتطاول بشكل رئيسي دولا في طور النمو حيث تبلغ الكلفة على بعضها أكثر من 400% من الناتج المحلّي الإجمالي. والرشاوى تُنتج الفساد الذي يسمح بخرق القوانين وجعل القواعد الخاصة هي القواعد المُتبعة.

ويُعرف الفساد على أنه إساءة إستخدام السلطة الموكلة للشخص ويُعرفها كليتغارت على أنها مزيج قوي من الإحتكار والسلطة وغياب الشفافية. ويُعلل العلماء أسباب الفساد بأن الأنظمة الإجتماعية بحسب نظرية الإنتروبيا، هي أنظمة تميل إلى الفوضى أكثر منها إلى الإنتظام وبالتالي هناك حاجة إلى قوانين تسمح بضبط قواعد اللعبة.

من بين الأسباب التي تُساعد على تفشي الفساد، نذكر غياب الإدارة الرشيدة، غياب سياسات لمحاربة الفساد، الضعف المؤسساتي في المؤسسات العامة، الأجور المُنخفضة لبعض أصحاب السلطة، الثقافة المحلية وغياب المُحاسبة.

حكاية لبنان مع ظاهرة الفساد حكاية طويلة بدأت قبل الحرب الأهلية لكنها أخذت مجدها خلال الحرب مع فقدان هيبة الدولة ومؤسساتها وغياب المُحاسبة.

وظهرت خلال خمسة عشر عاماً من الحرب أجيال لم تعرف إلا ثقافة الفساد وبالتالي عند الخروج من الحرب عملت على رشوة أصحاب القرار للحصول على عقود في المناقصات العامة. وإشتدّت هذه الظاهرة لتُصبح القاعدة التي يتوجب إتباعها للحصول على أي عقد في القطاع العام.
وكترجمة لهذا الواقع إرتفع الدين العام اللبناني من 38 مليار دولار أميركي في العام 2005 إلى أكثر من 70 مليارا في العام 2015!

الفساد في لبنان يُكلف الدولة أكثر من 30% من الناتج المحلّي الإجمالي سنوياً أي في حدود عشرة مليارات دولار أميركي. هذه الكلفة تأتي من المناقصات العامة والتي يتبين كل يوم للرأي العام أن الأموال موضوع الرشوة هي مبالغ هائلة، التخمين العقاري الذي يُعتبر وكر الفساد، التهرّب الجمركي في المرفأ والمطار والذي يدّر أرقاماً خيالية كل سنة على عرابيه، التهرب الضريبي، الهدر المُمعن في الإنفاق العام والذي فعلاً لا يعكس قدرة الدولة المالية ولا مداخيلها، المعاملات الإدارية اليومية التي تُنفذ على حساب الخزينة العامة حيث يقبض السماسرة الأموال لقاء معاملات غير قانونية لا تمرّ في الأحوال العادية، الفساد في القطاع النفطي والذي أصبحت مؤسسة كهرباء لبنان أداته الأولى مع تسعيرة لا تعكس أسعار السوق وغش في حمولات البواخر التي تؤمن الفيول، بعض القرارات القضائية التي تكسر مبدأ السوق لصالح أشخاص.

وهنا يبرز الخوف من إستخراج النفط والغاز من البحر وأن يتمّ وضع اليد عليه والقول للرأي العام أن الكمية الصالحة للإستخراج ضئيلة جداً. وأستغرب غياب أي أرقام لقيمة هذه الثروة والتي بإعتقادنا تفوق الـ 300 مليار دولار أميركي وقد تصل إلى حدود الـ 1700 مليار دولار أميركي. من يضمن هذه الثروة وكيف يُمكن المُحافظة عليها للأجيال المُستقبلية.

نعم كل هذا يجري في لبنان، وما شهدناه في ملف النفايات والفضائح التي تلت مع طرح ترحيل بقيمة نصف مليار دولار، وفي المقابل إعادة فتح مطمر الناعمة مقابل لا شي! نعم لقد فقد النظام الإجتماعي اللبناني قدرته التنظيمية ويتجه إلى الفوضى بحسب النظريات الإجتماعية والفيزيائية حتى أن الفساد وصل إلى أرقى وأنبل المهن مثل مهنة الطب والصحافة وغيرها.

كيف يُمكن كسر هذه الحلقة المُفرغة؟

السر يكمن قبل كل شيء بالتشهير بالفساد أينما كان والمُطالبة بمحكمة دولية للضغط على مجلس النواب للتصويت على قانون لمحاربة الفساد يطال الشعب، الموظفين والسياسيين. فهذا القانون إلزامي لإعادة الثقة إلى إقتصاد يخسر 10 مليار دولار أميركي سنوياً نتيجة الفساد، 5 مليارات منها خسارة فرص إقتصادية بسبب الفساد.

أيضاً يتوجب العمل على الجيل الصاعد الذي حول كلمة «فساد» إلى كلمة «شطارة»! وهذا الإرث يجب تغييره عبر إدخال مقررات في المدارس عن المواطنية ومحاربة الفساد لكي نستطيع بعد 15 عشر عاماً من الأن الحصول على أجيال تهتم للمصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية وتعتبر الفساد آفة قاتلة كما يجب أن يتمّ وصف الفساد.

أيضاً يتوجب على المُجتمع المدني تشكيل جمعية لرفع دعاوى قضائية في لبنان وفي المجتمع الدولي لمعرفة أن الفاسد ستتم ملاحقته وهذا الأمر يتطلب دعماً من منظمات دولية غير حكومية تستطيع الأمم المُتحدة أن تدعمها وتدعم المُجتمع المدني معها.