قد تكون مشكلة المغترب اللبناني الأساسية أنه ينظر إليه كمستثمر وليس كمواطن. مطلوب منه أن يسمع معلقات من الشعر والخطب والكلام الرنان الذي لا يقدم ولا يؤخر وأن يدفع في النهاية ثمن هذا الهراء. مصيبة المغترب الكبرى أنه يبحث عن نفسه. يطوف في هذا الكوكب وشرعية وجوده مرتبطة بمحفظته. في البلدان التي ينتشر فيها هو «لبناني»، وفي لبنان، هو «مغترب»، أما هو نفسه فلا يعرف من هو!
رضا صوايا
يقال إن “المال بيجي وبروح”. وهذه حال الاغتراب اللبناني. حين نريد منه مالاً يفترض أن “يجي” وحين تنتفي الحاجة إليه “بيروح”.
لم تنجح الدولة ولا القطاع الخاص منذ بداية الاغتراب اللبناني في إيجاد وسيلة تربط ما بين الجناح المقيم والجناح المنتشر بغير التحويلات المالية. واقع يشعر المغترب بأنه يستغل، وفي حال تلكؤه أو امتعاضه يتهم بالتقصير ونسيان الوطن.
“لبناني” مشروع جديد يحاول أن يصوّب النظرة إلى الاغتراب، وكيفية التعاطي معه من باب الجذور والهوية، وفي الوقت عينه يساعد الطلاب الجامعيين على الاستفادة بمنح سنوية بآلاف الدولارات.
عودة إلى الجذور
انطلق ، وطوّرته لاحقاً جامعة الروح القدس ــــ الكسليك. تشير مؤسسة المشروع كلود خوري عازار إلى أنها كانت موظفة في جامعة الروح القدس الكسليك حيث وضعت كافة الطاقات “لدراسة ومعرفة ما يقدمه الاغتراب للبنان، وما يطلبه لبنان من الاغتراب. تبين لنا من خلال جولاتنا العديدة إلى دول الانتشار أنه ليس كل الاغتراب مهتماً بالاستثمار في لبنان، لكن ما يوحدهم جميعاً قولهم “أنا لبناني” وحرصهم على ذكر انتمائهم، ومن هنا أصل التسمية للمشروع”.
تلفت عازار الانتباه إلى نقطة جوهرية، ألا وهي النقص في معرفة المغتربين بجذورهم. أقصى معلوماتهم عن قراهم أو عائلاتهم وأقاربهم لا تتعدى حدود العام. بالمختصر، وإن كان المغترب “لبناني” إلا أنه فعلياً لا يعرف من هو، ما هو أصله وما هي روابطه التاريخية والجغرافية والعائلية بجذوره ومسقط رأسه.
الهدف الأساسي من المشروع يكمن في وضع طاقات الاغتراب اللبناني في تصرف الطلاب الجامعيين في لبنان بما يخدم الطرفين. كيف ذلك؟ من خلال جعل الطالب المهتم “باحثاً” توكل إليه مهمة الغوص في تاريخ المغترب وجذوره ووفقاً للخدمة التي يختارها هذا الأخير. العملية ليست معقدة. من خلال الموقع الإلكتروني يمكن أي مغترب اختيار الخدمة التي يريد. أما من ناحية الطلاب، فيعبئ طلباً عبر الموقع الإلكتروني ويبدي استعداده ورغبته في العمل ضمن هذا المشروع، ما يخوله الاستفادة من منح سنوية تراوح قيمتها بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف دولار، بغض النظر عن الجامعة أو مذهب الطالب أو منطقته…
تشدد عازار على “أننا لا نتسول من المغترب بحجة التلاميذ. ما يهمنا أن يعتاد الطلاب العمل وأن يكسبوا المنح من خلال مجهودهم وتعبهم وعن جدارة”. فإضافة إلى البعد الوطني والعاطفي الذي يقوم به الطالب من خلال خدمة المغترب، يستفيد من الناحية الثقافية بما يسمح بتغذية حشريته ويدفعه إلى المطالعة والبحث والتدقيق والكتابة…
لا يشترط أن يكون الطالب والمغترب من القرية أو البلدة نفسها، لكون العمل بحثياً وتقنياً، ويمكن أي طالب القيام به، لكن إن صودف ووجد مغترب وطالب من القرية نفسها فمن البديهي أن تكون الأولوية لهذه الحالة.
خدمات متنوعة
المشروع يوفر خدمات متعددة. خدمة “سيلفر” بحسب عازار “كناية عن المعلومات التي تخص المغترب والتي نحاول تأمينها من خلال الكنائس، المشايخ الداخلية، المخاتير…”، أما خدمة “غولد” فتختص بالبحث عن “شجرة العائلة، عن صور عن أفراد العائلة بشكل وثائقي ومهني وليس صورة من خلال الفيسبوك”، فيما خدمة “بلاتينيوم” “عبارة عن خدمة فيديو”. تقدم المعلومات المستحصل عليها إلى المغترب أينما وجد من خلال كتيب خاص به.
الخدمة لا تتوافر عن بعد فقط. توضح كلود خوري عازار “أن الكثير من المغتربين فقدوا الصلة بأقربائهم في لبنان، وفي زيارتهم للبنان لا يجدون من يملك المتسع الكافي من الوقت أو أحياناً كثيرة المعلومات الكافية والوافية لنقلها إليهم. إضافة إلى ذلك، وعلى أهمية بعلبك وجعيتا والروشة، إلا أن ما يهم المغترب فعلياً هو الغوص في تاريخه الشخصي واستكشاف جذوره قبل السياحة الترفيهية”. بناءً عليه، وإذا رغب المغترب في زيارة لبنان، يستقبله الطالب ويرافقه ويكون بمثابة مرشده السياحي والتاريخي وينقل إليه مباشرة وميدانياً المعلومات التي اكتشفها.
يسعى “لبناني” أيضاً، وبعيداً عن الصلة المباشرة بالمغتربين، إلى مساعدة الطلاب على إيجاد فرص عمل أو إمكانية التدرج في الخارج واكتساب خبرة، وذلك بمجرد الاشتراك في الموقع الإلكتروني.
السعي للشفافية
تؤكد عازار أن “المغتربين عانوا كثيراً من انعدام الشفافية. لذلك، حرصاً على الصدقية والنزاهة في التعاطي، تُحوَّل الأموال مباشرة إلى حساب الطالب الجامعي ولا تسلم نقداً كي نضمن أنها استخدمت في المكان المناسب ولم تُستغَلّ بطريقة خاطئة”.
المشروع شارف على الانتهاء. ينقص فقط اكتمال مجلس الإدارة كي تجري المباشرة بالمهمة. وقد دخل الكثير من المتمولين على الخط والمهتمين بنجاح المشروع. اكتمال مجلس الإدارة، وبعيداً عن النواحي الإدارية، محوري لكونه على ما تقول عازار “من الناحية المالية ولنفترض أن الخدمة التي اختارها المغترب تكلفتها ألف دولار ونحن وعدنا الطالب بـ 3 آلاف دولار ففي هذه الحالة يقوم المجلس بتغطية باقي المبلغ”.
لطالما بحث لبنان المقيم عما ينفعه وما يريده. جاذبية “لبناني” أنه بحث عمّا يريده المغترب وما هو بأمس الحاجة إليه لخدمة الطلاب في لبنان في إطار أكاديمي ومهني من دون الاضطرار إلى استغلال الوطنية للتسول… وخدمة بعض المنتفعين!