تصاعدت حدة الخلافات بين المصرف المركزي بمدينة البيضاء الليبية الذي يترأسه علي الحبري، ومصرف ليبيا المركزي المعترف به دوليا، الذي يترأسه الصديق الكبير، بعد أن أقدم الأول على طباعة أوراق نقدية بقيمة 4 مليارات دينار ليبي في روسيا، في الوقت الذي ما زال يطبع فيه الأخير عملاته عبر مؤسسة “دي لا رو” البريطانية.
وكان مجلس النواب قد أقال محافظ البنك المركزي في طرابلس الصديق الكبير في نيسان/ أبريل عام 2015 وعين نائبه علي الحبري محافظا للبنك المركزي، وهو القرار الذي شق “محليا” وحدة إدارة “المركزي”، حيث استمر “الكبير” في إدارة البنك من طرابلس، مستثمرا اعتراف المجتمع الدولي به، بينما اتخذ الحبري المعين من مجلس النواب مدينة البيضاء (شرق البلاد) مقرا له لممارسة أعماله.
وتصر “طرابلس” على أن مساعي “الحبري” المعين من مجلس النواب في طبرق، لطباعة 4 مليارات دينار لدى شركة روسية، ستتسبب في إغراق البلاد بالعملات المتضاربة غير القابلة للتبديل في البنوك.
وأصدرت الولايات المتحدة الأمريكية، بمعيّة عشرين دولة أخرى وأربع منظمات دولية، بيانا مشتركا في فيينا بتاريخ 16 أيار / مايو توضّح فيه أنّ المؤسسات الاقتصادية الوطنية في ليبيا، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، والهيئة الليبية للاستثمار، يجب أن تعمل بشكل حصري تحت إشراف وإدارة حكومة الوفاق الوطني.
وقالت السفارة الأمريكية بليبيا – في بيان لها الأربعاء الماضي- إن مصرف ليبيا المركزي ومقرّه في طرابلس، هو المؤسسة المصرفية الوطنية الوحيدة التي تعمل تحت إشراف وإدارة حكومة الوفاق الوطني.
وأضافت أنه تم إبلاغ الولايات المتحدة رسميّا من المجلس الرئاسي الليبي في رسالة مؤرخة في 23 أيار/ مايو بأنّ علي الحبري، قد عمد – مدّعيا التصرّف بصفة محافظ مصرف ليبيا المركزي- إلى إبرام اتفاق مع شركة دولية لطباعة وتسليم كميّة كبيرة من الأوراق النقدية الليبية.
وذكرت أن أمريكا توافق المجلس الرئاسي وجهة نظره بأنّ هذه الأوراق النقدية ستكون مزوّرة، ويمكن أن تقوّض الثقة الممنوحة للعُملة الليبية، وكذلك قدرة مصرف ليبيا المركزي على إدارة السياسة النقدية بشكل فعّال لتمكين الانتعاش الاقتصادي.
وأعربت الولايات المتحدة عن “بالغ قلقها إزاء ما بلغها عن محاولة بعض الأطراف اقتحام مرافق مصرف ليبيا المركزي المؤمّنة، بما في ذلك خطط لثقب خزائن مصرف ليبيا المركزي، والتحايل للالتفاف على سيطرة مصرف ليبيا المركزي على الموارد المالية الليبية”.
ولفتت إلى أنها بالتعاون مع حكومة الوفاق الوطني والمجتمع الدولي تهدف إلى ضمان ألاّ يتمّ تحويل ثروة ليبيا لأيّة أغراض احتيالية أو فاسدة، مضيفة بأنها تحثّ جميع الليبيين على دعم حكومة الوفاق الوطني ومصرف ليبيا المركزي ومقرّه في “طرابلس”.
وردا على بيان السفارة الأمريكية، أصدر مصرف “الحبري” بمدينة البيضاء بيانا وصف فيه موقف السفارة الأمريكية بأنه يعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية الليبية، نافيا أن تكون العملة التي قام بطباعتها “مزورة”، مضيفا بأنه على استعداد لمناظرة من يشكك في جودة هذه العملة أمام الشعب.
وذكر أن “هذا التصعيد ينبئ بعدم وحدة قرار المجلس الرئاسي وسيخلق البلبلة والربكة بالسوق الليبي، وسيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، وعلى المجلس الرئاسي الظهور للشعب الليبي لبيان موقفه الذي يجب أن يكون داعما للمواطن الضعيف قليل الحيلة، الذي كان ينتظر من المجلس الرئاسي الوعود والأحلام، فأصبح يستلم العواصف والمؤامرات والقرارات الهادفة إلى تقويض المصلحة العامة والسلم الاجتماعي”.
بدوره، أبلغ مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج، مجلس الأمن الدولي بإقدام مصرف الحبري على طباعة أموال ليبية في الخارج، بغير تنسيق أو أوامر مباشرة منه، مطالبا بمنع دخول هذه العملات لليبيا.
من جهتها، كشفت مصادر ليبية مطلعة عن أن “علي الحبري”، صرف أكثر من مائتي مليون دينار ليبي لمؤسسات وصفتها بالموازية، حتى الآن، خارقا بذلك الاتفاق السياسي الذي يحظر التعامل مع أي مؤسسات خارجة عن شرعية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.
وقالت المصادر في تصريحات خاصة لـ”عربي 21″، إن “الحبري – الذي يأتمر بأوامر حكومة عبد الله الثني- صرف 180 مليون دينار ليبي لوزير الداخلية بحكومة الثني، التابعة لمجلس نواب طبرق، كما صرف 30 مليون أخرى لفتح اعتمادات لوزارة الداخلية، و12 مليون لجهاز مكافحة الإرهاب بمدينة الزنتان، الذي يقوده القيادي السابق بحزب تحالف القوى الوطنية عبد المجيد المليقطة”.
وأشارت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها إلى أن الاعتمادات والتحويلات تمت عن طريق المصرف التجاري، خلال الأيام الماضية، مؤكدة أن الأموال التي صُرفت لجهاز مكافحة الإرهاب بالزنتان صرف منها على حفل عسكري أقيم بالمدينة قبل أيام، وحضره رئيس الأركان المعين من خليفة حفتر، عبد الرزاق الناضوري، وقائد كتيبة الصواعق الرائد عماد الطرابلسي، وفق قولها.
وقالت المصادر إن “صرف هذه المبالغ يضع “الحبري” تحت طائلة العقوبات الدولية، خصوصا أنها صرفت كلها بعد الرابع والعشرين من شهر نيسان / أبريل الماضي، أي عقب قرار مجلس الأمن والعديد من الدول بوقف التعامل مع الأجسام الموازية، إلا أن الحبري تجاهل هذا الأمر وتجاوزه”.
وفي 1 نيسان/ أبريل، دعا قرار مجلس الأمن رقم 2259 جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التوقف عن التعاطي مع “المؤسسات الموازية”، مطالبا بالتوقف عن إجراء اتصالات رسمية مع تلك المؤسسات التي تدعي بأنها السلطة الشرعية، لكنها تبقى خارج الاتفاق السياسي الليبي.
وأكدت المصادر أن “الحبري” يواجه أزمة أخرى بعد انكشاف طباعة عملة ليبية مخالفة للإجراءات القانونية وللمواصفات الفنية والأمنية عبر التعاقد مع شركة روسية، خاصة بعد استنكار ورفض مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وأكثر من عشرين دولة وأربعة منطمات، لهذه الخطوة التي وصفوها بعملية تزوير العملة.
ولفتت إلى أن ما وصفته بالمصرف الموازي أنشئ بقرار من حكومة عبد الله الثني بعد أن تحولت إلى مدينة “البيضاء”، إلا أنه لم يلق أي اعتراف دولي، وظلت المنظمات الدولية والحكومات الشريكة لليبيا تتعامل مع مصرف ليبيا المركزي الذي يقوده الصديق الكبير، ويعمل من العاصمة طرابلس.
وتحاول الحكومة الليبية البحث عن حلول لأزمة السيولة النقدية التي يعيشها قطاعها المصرفي لتفادي شبح الإفلاس، خاصة بعد تراجع إيراداتها المالية بسبب تواصل الانقسام السياسي وتفاقم الوضع الأمني، الذي أثر سلبا على القطاع المالي تحديدا، ما أدى إلى تأخر صرف الرواتب وزيادة الفقر والبطالة.
وسبق أن قام المصرف المركزي بضخ 11 مليار دينار نهاية عام 2011 في السوق الليبية، وذلك لعدم وجود سيولة لدى المصارف آنذاك.