اعتادت “شركة خاتم الأنبياء” للبناء، أكبر شركة في قطاع الانشاءات في إيران، منذ فترة طويلة على الفوز بتعاقدات مربحة من الدولة، لكنها أصبحت تواجه الآن أوقاتا صعبة، بعد أن بدأت تنافسها شركات أجنبية أقدر على جذب التمويل، في وقت يحاول فيه الاقتصاد الإيراني الانفتاح على العالم الخارجي بعد سنوات من العقوبات.
ويعد ما حل بالشركة من مشاكل عنصرا جديدا غير مرغوب لدى مالكها الأوحد، الحرس الثوري الذي أنشأه آية الله روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأصبح له نفوذ اقتصادي بعد الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات.
وأصبحت الشركة الضخمة تهيمن على قطاع البناء في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد بين عامي 2005 و2013. وفازت بعقود بمليارات الدولارات من الدولة شملت منشآت للنفط والغاز ومد الطرق وبناء السدود.
ولم يتردد الحرس الثوري في إبداء استيائه على الملأ. ونقلت وكالة (تسنيم) للأنباء عن محمد علي جعفري قائد الحرس قوله في مارس/آذار “الحرس الثوري الاسلامي لديه إمكانيات هائلة في مجالات البناء. ومن المؤسف أن الحكومة لم ترحب بما اقترحه (من مشروعات) وبأنشطته.”
وهذا الشهر قال عباد الله عبد الله، رئيس “شركة خاتم الأنبياء”، الذي يرتدي في كثير من الأحيان الزي العسكري باعتباره من قادة الحرس، ان عدد من يعملون في مشروعات الشركة يبلغ مليون شخص.
لكن مسؤولين تنفيذيين في صناعة البناء ومحللين يقولون ان هيمنة الشركة على القطاع ستتبدد على الأرجح، مع وضع حكومة الرئيس حسن روحاني الخطط لمشروعات ضخمة في مجال البنية التحتية لإنعاش الاقتصاد، بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت سارية على إيران بسبب برنامجها النووي.
فبدلا من اللجوء إلى “شركة خاتم الأنبياء” بدأت الحكومة تتجه للشركات الأجنبية لبحث العقود والمشروعات، لأسباب من بينها أنها تريد دعما ماليا من الخارج، في ظل الميزانية المقيدة بانخفاض الأسعار وما لحق بالبلاد من أضرار بسبب العقوبات.
وقال سعيد ليلاز، الاقتصادي المقيم في طهران “إيران تمر بواحدة من أسوأ الفترات المالية في تاريخها. فالحكومة ليس لديها المال، كما أن شركة خاتم الأنبياء وغيرها من شركات المقاولات ليس لديها موارد مالية… لذلك فإن الأولوية لدى الحكومة في مشروعات البناء هي إيجاد مصادر تمويل أجنبية.”
ولم ترد الشركة على اتصالات بالبريد الالكتروني والهاتف طلبا للتعليق.
هذا الشهر قالت شركة “دايو للهندسة والبناء” الكورية الجنوبية انها توصلت إلى اتفاق أولي مع إيران لترتيب تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار لقطاع من طريق سريع يربط طهران ببحر قزوين. وكانت “شركة خاتم الأنبياء” قد أبدت اهتمامها بهذا المشروع، لكن وكالة (تسنيم) للأنباء التي تربطها صلات وثيقة بالحرس الثوري قالت انها لم تعرض سوى 40 في المئة من التمويل المطلوب.
وقال مصدر صيني مطلع على سير المفاوضات ان “الشركة الوطنية لمعدات النقل والهندسة” الصينية توشك على الاتفاق مع طهران على مشروع للسكك الحديدية، باستثمارات قدرها ثلاثة مليارات دولار لربط العاصمة بمدينة مشهد المقدسة في شمال شرق إيران.
وكانت “شركة خاتم الأنبياء” أبدت اهتمامها أيضا بهذا المشروع.
وقالت مصادر إن شركة صينية أخرى هي “مجموعة داليان لبناء السفن: تتباحث بشأن اقتراح لبناء سفن للحاويات وناقلات نفط لحساب إيران، بما تصل قيمته إلى 12 مليار دولار. وإذا فازت “داليان” بهذه العقود فسيكون ذلك على حساب “شركة إيران الصناعية البحرية” التي تملك حصة الأغلبية فيها “شركة خاتم الأنبياء.”
وقال رجل أعمال يعمل في قطاع النفط والغاز وله صلات مباشرة بمسؤولين إيرانيين كبار ان “خاتم الأنبياء” اقترحت منذ فبراير/شباط المشاركة في أكثر عشر مشروعات ضخمة، لكن الحكومة لم توافق على أي منها.
ويبدو أن عدة عوامل وراء إبعاد “شركة خاتم الأنبياء” منها أن الشركات الصينية والكورية يمكنها الاستعانة بالدعم المالي من البلدين اللذين يتمتعان بسيولة كبيرة لدى مؤسسات دعم الصادرات والبنوك فيهما.
ومن العوامل أيضا أنه في حين ازدهرت الشركات المرتبطة بالدولة مثل “خاتم الأنبياء” خلال سنوات العقوبات، فقد قال مسؤولون في إدارة روحاني انهم يريدون بناء اقتصاد قوي أكثر كفاءة في عصر ما بعد العقوبات، وذلك بتقوية دور قوى السوق والقطاع الخاص.
وقال ليلاز “خاتم الأنبياء لديها قوة هندسية وتقنية هائلة، لكنها لا تتمتع بالكفاءة. سيتقلص حجمها تحت ضغوط المنافسة.”
وربما يكون للسياسة دور أيضا. فالحرس الثوري متحالف مع مراكز مصالح للمحافظين الذين يعارضون صعود روحاني الليبرالي نسبيا للسلطة. وربما لا تجد إدارته سببا يذكر يدعوها لدعم المصالح التجارية للحرس الثوري.
وعموما وحتى بعد رفع معظم العقوبات السارية على إيران فمازالت بعض العقوبات تؤرق “شركة خاتم الأنبياء” بسبب الصلات التي تربطها بالحرس الثوري ومشاركتها في مشروعات مثل تطوير الصواريخ.
وستظل الشركة على قائمة للكيانات الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي لمدة سبع سنوات، وقائمة أمريكية للعقوبات إلى أجل غير مسمى.
وقال خبراء في العقوبات ان هذا لن يمنع كل الشركات الأجنبية من إبرام تعاملات مع “شركة خاتم الأنبياء”، لكنه سيجعلها تفكر بكل حرص في مخاطر التعامل مع كيان أصوله مجمدة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقالت مصادر في صناعة البناء ان الشركة أبدت في لقاءات غير رسمية بالمسؤولين الحكوميين احتجاجات على استبعادها من التعاقدات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستحقق نجاحا كبيرا بهذه الاحتجاجات. كما شكا الحرس الثوري وتنفيذيون في الشركة على الملأ من المشاكل التي تعاني منها الشركة.
وقد قالت الشركة مرارا انه ليس لديها أي مشكلة في العمل مع الشركات الأجنبية، وأنها بدأت محادثات بشأن التعاون مع بعض الشركات الآسيوية والأوروبية.
وسيخضع ما سيؤول إليه حال الشركة لاختبار في وقت لاحق من العام الجاري، عندما يتوقع أن تنشر وزارة النفط شروط التعاقدات الجديدة للمستثمرين الأجانب في صناعة الطاقة.
فمن المتوقع أن تدرج الوزارة الشركات التابعة لـ”خاتم الأنبياء” كشركاء محتملين تنطبق عليهم الشروط للشركات الأجنبية. وسيتعين على الشركات الأجنبية أن تقرر ما إذا كانت ترغب في الابتعاد عن هذه الشركات بسبب المخاطر القانونية المرتبطة بالعقوبات.
وقال رضا مصطفوي طباطبائي، محلل النفط في لندن الذي عمل من قبل في مشروعات في إيران، انه سيكون من الخطأ أن تستبعد الحكومة الإيرانية أو الشركات الأجنبية “شركة خاتم الأنبياء”.
وأضاف “على الطرفين معا أن يقبلا شركة خاتم الأنبياء كحقيقة واقعة في الاقتصاد الإيراني. ففي قطاع المنبع بصناعة النفط لا توجد شركات كثيرة تملك ما لشركة خاتم الأنبياء من قوة تقنية ولوجستية. والحكومات تأتي وتروح لكن خاتم الأنبياء باقية”.