IMLebanon

ازدهار الروايات المترجمة يسلط الضوء على صناعة الترجمة

هان كانج، الكاتبة الكورية الجنوبية (يمين) الفائزة بجائزة مان بوكر العالمية لعام 2016 عن كتابها "النباتي"، وشريكتها في الجائزة، ديبورا سميث، التي ترجمت الكتاب إلى الإنجليزية
هان كانج، الكاتبة الكورية الجنوبية (يمين) الفائزة بجائزة مان بوكر العالمية لعام 2016 عن كتابها “النباتي”، وشريكتها في الجائزة، ديبورا سميث، التي ترجمت الكتاب إلى الإنجليزية

إيما جيكوبس

عندما اعتلت المترجمة ديبورا سميث المسرح خلال حفل توزيع جائزة مان بوكر العالمية الأسبوع الماضي، لتتشارك التكريم- وجائزة حجمها 50 ألف جنيه استرليني- مع هان كانج، الكاتبة الكورية الجنوبية، مؤلفة رواية “النباتي”، تم تسليط الضوء على دور كان من الناحية التقليدية يُترك دائما في الظل.

كانت المكانة المتواضعة للمترجم أحد العوامل وراء إصلاح هذه الجائزة التي كانت تمنح حتى العام الماضي فقط للمؤلف.

روبرت تشاندلر الذي تشمل ترجماته إلى اللغة الإنجليزية كتابات لأندري بلاتونوف، وفاسيلي جروسمان، وأليكساندر بوشكين، يعتقد أن الغطرسة التي يتسم بها العالم الناطق باللغة الإنجليزية تعني أن المترجمين لا يحظون بقيمة كبيرة كما هي الحال في الثقافات الأخرى، مثلا كما في روسيا. أحد الدلائل على هذا هو أنه كثيرا ما يتم حذف أسماء المترجمين من المراجعات النقدية. يقول تشاندلر: “وهذا يزعجنا بالفعل وعن حق”. مع ذلك، يكتشف تحولا في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.

روس شوارتز، التي ترجمت رواية أنتوني دي سانت “إكزيوبيري” (الأمير الصغير) إلى اللغة الإنجليزية وتعمل حاليا على ترجمة الأعمال التي تُصدِرها سلسلة “بنجوين للكلاسيكيات” للكاتب البلجيكي جورج سيمنون، تعتقد أن المترجم تعرض لعملية تحول. قبل 30 عاما، في بداية حياتها المهنية مترجمة، كان هذا الدور يتمثل في “خادم متواضع ينتظر الفتات المتبقي من وراء الناشرين.

اليوم هي تشهد ازدهار دور المترجم الناشط. فهم يكتشفون المؤلفين ويعملون على تقديمهم للناشرين، كما فعلت سميث من خلال ترجمتها لرواية “النباتي”. تقول شوارتز: “الآن يُنظَر إلى المترجمين على أنهم أشخاص ناضجون”.

رغم الشجار الحاصل في تجارة الكتب والسيطرة المتزايدة لـ “أمازون”، متجر البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، كان هناك نمو في عدد الناشرين المستقلين الذين يناصرون الأدب المترجم، مثل دار النشرAnd Other Stories.

تحظى الروايات المترجمة باهتمام متزايد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وقد أظهرت بحوث “نيلسن بوك” التي أجرتها مؤسسة مان بوكر أن مبيعات الروايات المترجمة ارتفعت في المملكة المتحدة لتصل إلى 18.6 مليون جنيه في عام 2015 من أصل 8.9 مليون جنيه في العام 2001.

آن جولدشتاين، المحررة لدى مجلة “نيويوركر”، التي ترجمت رواية “صديقتي الرائعة” لإيلينا فيرانتي من اللغة الإيطالية، أصبحت من ضمن المشاهير الذين ليست لهم أهمية كبيرة، الأمر الذي تصفه بأنه “نوعا ما مثل لفظين متناقضين معا”. مع ذلك، تقول إنها ماهرة في لفت انتباه الآخرين لهذه الحرفة. “شعبية وجاذبية روايات فيرانتي التي تجري أحداثها في مدينة نابولي أدت إلى حصول القراء على إدراك ووعي أكثر وضوحا ليس فقط عني بل عن المترجمين بشكل عام.

بالنسبة لجولدشتاين، كان العمل مع فيرانتي، التي لا تعرف هويتها الحقيقية، أمرا غير عادي. في العام 2004، عندما بدأت العمل في ترجمة كتاب “أيام التخلي”، كانت ترسل أسئلة إلى فيرانتي من خلال المحررين. واستمر هذا النوع من العمل رغم سماح فيرانتي بمزيد من إمكانية الوصول من خلال المقابلات عبر الإيميل ـ فرانتوماليا، مجموعة من الرسائل والكتابات العرضية سيجري نشرها في تشرين الثاني (نوفمبر).

تعتقد دانييلا بيتراكو، مديرة “يوروبا إديشنز” في المملكة المتحدة، وهي دار نشر مستقلة تركز على إحضار الأدب الأوروبي للقراء الناطقين باللغة الإنجليزية، أن شعبية البرامج التلفزيونية المترجمة مثل برنامج “القتل” الدنماركي وبرنامج “الدوامة” الفرنسي ساعدت في إزالة الانطباع بأن القصص والروايات المترجَمة “أمر لمتعة النخب المثقفة فقط”. في الوقت نفسه، تقول إن الكتب التي ألفها ستيج لارسون وكارل أوف كنوسجور أظهرت للقراء أن الروايات المترجَمة يمكن أن تكون “أصيلة ومفاجئة وصعبة”.

وترى شوارتز أن نمو مجموعات الكتب ساعد في تعزيز مكانة الأعمال المترجمة: “فهم يبحثون عن كتب خارج نطاق أعمالهم”. ومن ثم يؤثر أعضاء مجموعات الكتب في أصدقائهم وعائلاتهم، ما يعمل على إدخال الكتب المغمورة إلى نطاق جمهور أوسع.

تقول سميث إنها عندما بدأت الترجمة لأول مرة، طلب بعض المحررين ترجمة بعض الكلمات الكورية على أنها مشتقات يابانية، مثلا، ترجمة “جيمباب” بعبارة “السوشي الكوري”. ونظرا لأن كوريا كانت مستعمرة يابانية، تقول إن هذا الأمر من شأنه أن يجرح المشاعر.

تيم باركس، روائي بريطاني عمل على ترجمة أعمال الكتاب الإيطاليين، بمن فيهم ألبرتو مورافيا ونيكولو ماكيافيلي، إلى اللغة الإنجليزية، يبدي تفاؤله الحذر إزاء الشعبية المتزايدة للأعمال المترجمة – لكنه يشير إلى أن الزيادة تأتي من قاعدة متدنية جدا.

مع ذلك، إذا كان الاعتداد بالنفس لدى المترجمين الناطقين باللغة الإنجليزية آخذ في الازدياد، فإن أجورهم لا ترتفع وفقا لذلك، بحسب ما تقول شوارتز. مصدر دخلها الرئيسي هو أعمال الترجمة لدى الشركات. “يمكنني ترجمة بيان صحافي قبل تناول الإفطار وتحصيل الأجر نفسه من ترجمة فصل من إحدى الروايات”. وتقول إن الأسعار لا تعكس أبدا العمل الحقيقي.

ولكسب العيش، يتعين على المترجم كما تقول، إنجاز أربعة إلى خمسة كتب سنويا، وبالتالي هذا يؤثر سلبا في النوعية. ويوافقها تشاندلر الرأي “لا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يحب أن يعمل في الترجمة ما لم يحب هذا العمل، لأن الأجر فيها سيئ جدا”.

برنامج Google Translate من جوجل، الذي يعطي ترجمة حرفية غير دقيقة، من غير المحتمل أن يحل مكان المترجم. مع ذلك، كما يشير باركز، برمجيات الترجمة بمساعدة الحاسوب التي تقترح استخدامات ممكنة للكلمة يتم استخدامها من قبل بعض المترجمين في المجالات الأدبية “للتأكد من أن ترجمتهم للمصطلحات الواردة في الكتاب متفقة مع المعنى المطلوب”.

يقول تشاندلر إن الترجمة توفر لك فرصة لأن تكون “قريبا ومتعمقا في فهم النص”.

وبالنسبة لأليسون أندرسون التي ترجمت أعمال الكاتب الفرنسي الحائز على جائزة نوبل، جان ماري جوستاف لو كليزيو، من بين أعمال أخرى، ترتبط الجاذبية بالمؤلف، بحيث تدخل في خصائصه التعبيرية التي يستخدمها وفي ذهنه وفي طريقته للتعبير عن أفكاره ونواياه. “حتى النص الأكثر مباشرة – على ما يبدو – مثل أفلام الإثارة، يمكن أن يكون تحديا إن لم أشعر بوجود تزامن مع المؤلف، أو إن وجدت من الصعب علي إعادة إنتاج صوته”.

مع ذلك، مثل المؤلف الذي يكتب باسم شخص آخر مقابل الحصول على أجر، لن يحصل المترجم أبدا على أعلى سعر للكتاب الذي يترجمه. بالنسبة لباركس، يعد هذا أمرا مريحا “إنه مصدر ارتياح كبير ألا تكون مسؤولا عما هو موجود في الكتاب، بل فقط الشخص الذي جعل من الممكن قراءته بلغة أخرى”.

كما أنه يفسر الفرق بين كتابة رواية وترجمتها: “عندما أجلس لكي أكتب، تكون هنالك مساحة فارغة وكل شيء لا بد من اختراعه. يا لها من مخاطرة كبيرة ومغامرة عظيمة”.

في المقابل، عندما يتعلق الأمر بالترجمة، يكون الفراغ قد ملئ بالفعل والهدف هو نقل المعنى دون تغيير. وكل نشاط من النشاطين يتسبب له في آثار خطيرة.

“أنتهي من الكتابة منهكا لكن مبتهجا، وأنتهي من الترجمة وأنا أشعر كأنني تبرعت بالدم، ربما أكثر مما ينبغي”.