كشفت مصادر لبنانية لصحيفة ”الشرق الأوسط” أن الخزينة اللبنانية بدأت منذ شهرين دفع رواتب وزراء “حزب الله” ونوابه في البرلمان نقدا، تفاديا للعقوبات الأميركية التي بوشر بتطبيقها، والتي أدت إلى إقفال بنوك حسابات عائدة لوزراء ونواب من الحزب، بالإضافة إلى شخصيات مقربة منه.
وأكّدت مصادر نيابية في الحزب أن الوزراء والنواب يتقاضون منذ شهرين رواتبهم نقدا بخلاف زملائهم، لافتة إلى أن المشكلة لا تكمن في الإجراءات المتخذة بحق النواب والوزراء، بل “تكمن بشكل أساسي في الحصار الذي يطال البيئة الحاضنة التي تتألف في معظمها من غير المحازبين (الرسميين)، بيد أنها تعمل في مؤسسات صحية وتربوية واجتماعية وإعلامية تابعة إداريا للحزب”.
وتفاقمت النقمة والاستياء لدى البيئة الحاضنة للحزب، التي وجدت نفسها محاصرة ماليا حتى لو لم تكن معنية بشكل مباشر بنص القانون الأميركي. ولفتت مصادر معنية لـ”الشرق الأوسط” إلى أن التجار الشيعة بدأوا يعانون من “التّشدد” في تعاطي البنوك معهم، خصوصا منهم الذين يسكنون في ضاحية بيروت الجنوبية، إذ باتوا يخضعون لـ”عمليات استجواب ماراثونية” لدى تلقيهم تحويلات خارجية لا يُسمح لهم في كثير من الأحيان أن يتلقوها في حساباتهم.
وأشارت المصادر في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أن هؤلاء “باتوا يعتمدون في موضوع التحويلات على شركائهم وخصوصا المسيحيين منهم”.
وقالت المصادر: “نحن نقوم بجهود كبيرة لاستيعاب نقمة الشارع الذي قد يُقدم على ردة فعل لا تُحمد عقباها في حال استمرت الأمور والحصار على ما هو عليه”. وكان قد تردد في وقت سابق أن الحزب هدّد باتخاذ “إجراءات قاسية” وبإصدار “تكليف شرعي” للطلب من المودعين سحب أموالهم وودائعهم بشكل كامل من بعض المصارف التي يعدها تتشدّد في تطبيق القانون الأميركي. وفي الوقت نفسه، لا تزال لجان من المتخصّصين في الحزب تعمل على محاولة استيعاب تداعيات العقوبات الأميركية، في ظل ورود معلومات عن اقترابها من إيجاد “سبُل وآليات مناسبة للالتفاف على هذه العقوبات من خلال نظام مالي خاص بالحزب”.
وفي سياق متّصل، كشفت “الشرق الأوسط” أن عددًا من الخبراء الأميركيين بدأ بالفعل تدريب أعضاء “هيئة التحقيق الخاصة” في مصرف لبنان على كيفية التعامل مع القانون الأميركي المتعلق بالعقوبات المفروضة على الحزب.
وأشارت مصادر مصرفية إلى أن إحدى الإشكاليات الأساسية التي تواجه المصارف اللبنانية هي “كيفية التعاطي مع الزبائن الذين يدفعون قروضًا وتشملهم العقوبات، لكون معظمهم غير قادر على سداد هذه القروض قبل المدة المحددة في اتفاقات مسبقة مع المصارف، كما أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تتحمل تبعات وقف التعامل مع هؤلاء الأشخاص من دون أن تستوفي أموالها”.
وقبل ثلاثة أيام، أصدرت “هيئة التحقيق الخاصة”، في مصرف لبنان، برئاسة رئيسها الحاكم رياض سلامة، تعميمًا للمصارف اللبنانية يوضح كيفية وجوب التعاطي مع العقوبات الأميركية. ويطلب التعميم من المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة المالية وسائر المؤسسات الملزمة بالإبلاغ “عدم اتخاذ أي تدابير لجهة إقفال أي حساب عائد لأحد عملائها أو الامتناع عن التعامل معه أو عن فتح أي حساب له قبل مرور ثلاثين يومًا على إبلاغ الهيئة، على أن يتضمن هذا التبليغ توضيحًا للأسباب الموجبة التي تبرّر اتخاذ هذه الإجراءات والتدابير”. ويشير التعميم إلى أنّه “إذا لم يرد أي جواب من الهيئة خلال المهلة المذكورة أعلاه، يعود للمصارف وللمؤسسات المعنية اتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الخصوص”. ولا يبدو أن الحزب راض تمامًا على صيغة التعميم، خصوصا فيما يتعلق بـ”مهلة الثلاثين يوما”، وهو ما ينعكس على علاقته بحاكم مصرف لبنان التي تمرّ، بحسب مصادر مطلعة، بمطبات كثيرة.