بانوس موردوكوتاس
منذ الأزمة المالية الأخيرة، طبقت المصارف المركزية حول العالم سياسات أسعار الفوائد المنخفضة جداً لإعادة إحياء النمو الاقتصادي العالمي. وقد بالغت بعض المصارف المركزية بتقدير هذا الوضع، بفرض أسعار فوائد تقل عن الصفر، مثل المصرف المركزي الأوروبي ومصرف اليابان.
في البداية، لاقت هذه السياسات بعض النجاح، لأنها ساعدت الاقتصاد العالمي على النمو والتعافي، لكن ذلك لم يدم طويلاً؛ فاليابان رائدة أسعار الفوائد المنخفضة جداً، تخبطت في مستنقع الركود، وأميركا التي تبنت هذه السياسة في وقت مبكر، ظل النمو فيها تحت معدلاته الطبيعية، أما دول منطقة اليورو التي تؤمن إيماناً عميقاً بهذه السياسات، بالكاد تحقق أي مؤشر للنمو. وقد تصبح الأوضاع أسوأ في تلك المنطقة من العالم في المستقبل القريب. بالإضافة إلى أن المفوضية الأوروبية خفضت تقديرات النمو الاقتصادي لفصل الربيع في دول منطقة اليورو من 1.7% إلى 1.6%.
لكن الأسوأ من ذلك أن الأسواق المالية، التي عملت ولا تزال، جسراً بين أسعار الفوائد المنخفضة جداً والاقتصاد الحقيقي، بدأت تفقد ثقتها بمحافظي المصارف المركزية.
إن هذه المؤشرات جميعها تثير قلق خبراء الاقتصاد العالمي، فقد حدث في السابق أن فقدت الأسواق المالية الثقة بمحافظي المصارف المركزية عام 1929، عندما تعثرت المصارف على ضفتي المحيط الأطلسي وانهار الطلب الكلي. وحين يرى كثيرون أن الأوضاع لن تؤول إلى ما آلت إليه في القرن الماضي، فهنالك سببان وجيهان للاعتقاد بأن أسعار الفوائد المنخفضة جداً قد تقود الاقتصاد العالمي إلى الكساد العظيم مجدداً:
أولاً: إن أسعار الفوائد المنخفضة جداً تقوض الصيرفة التقليدية (سيما أسعار الفوائد السالبة التي تحول “فروقات أسعار الفوائد” المعروفة بأنها المنبع الأساسي لربحية الصيرفة التقليدية) إلى فروقات سالبة. وفي القارة الأوروبية تحديداً، حيث تعاني فيها المصارف من تدني فئة المقترضين المؤهلين. لكن الأسوأ عموماً هو احتمال توجه المصارف عما قريب إلى تقاضي فوائد من المودعين، مما سيتسبب بسحوبات مالية ضخمة، عندما يختار المودعون الاحتفاظ بأموالهم في مكان آمن-أو توظيفها على شكل أصول مرتفعة الأثمان- بدلاً من إبقائها في المصارف. وهذا يعني أن المصارف ستُستنزف، وسينتهي المطاف ببعضها إلى الانهيار.
كما أن السحوبات الضخمة سيتلوها انكماش في الائتمان، وانهيار قيم الأصول وتقلص إنفاق المستهلكين- أكبر محفز للنمو الاقتصادي في الدول المتقدمة- وهذا في خضم الطوفان.
ثانياً: إن استمرار شيوع أسعار الفوائد المنخفضة جداً لفترة زمنية طويلة يغذي حالة الطلب المتراجع، ويعيق بدوره النمو المستقبلي. كذلك تساعد أسعار الفوائد المنخفضة جداً على “سرقة” أو “سلب” المبيعات من المستقبل، محدثة إشباعاً في السوق، يسهم في تقليص الإنفاق على شراء السلع باهظة الثمن. وهذا ما حدث قبل احتدام الأزمة المالية الأخيرة، فنهج المصرف الاحتياطي الفدرالي لسياسة أسعار الفوائد المنخفضة جداً بين عامي 2002 و2006، خلق بيئة اقتصادية مشوهة، استغل فيها المستهلكون الائتمان الرخيص لتعظيم الإنفاق الحالي على حساب الإنفاق المستقبلي.
وتكمن المشكلة في أن المصارف المركزية حول العالم لم تتنبه، أو تجاهلت تأثير حالة الطلب المتراجع على النمو المستقبلي، بل أمعنوا في انتهاج سياسات أسعار الفوائد المنخفضة جداً، مما زاد من انخفاض الطلب.
أما في الوقت الراهن، فقد تكون حالة التراجع في الطلب مدعومة بالديون، فالكثير من الديون التي تراكمت عقب الأزمة المالية، أسهمت بدورها في نفخ الفقاعة التي سبقتها، وفقاً لتقرير صادر عن (McKinsey).
فيما يورد التقرير: “بعد مضي 7 أعوام على انفجار فقاعة الائتمان العالمي التي نتج عنها أكثر الازمات المالية فداحة منذ الكساد الاقتصادي العظيم، تستمر الديون في الارتفاع. في الواقع، بدلا من تخفيض المديونية، نرى اليوم أن جميع اقتصادات العالم الرئيسة غارقة في مستويات متباينة من الديون مقارنة بالنواتج المحلية الإجمالية، لكنها أعلى من مستويات الديون مقارنة بالنواتج المحلية الإجمالية في عام 2007. كما نما الدين العالمي خلال الأعوام الراهنة بمبلغ 57 تريليون دولار، بزيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 17 نقطة مئوية. ويترتب على هذا الأمر مخاطر جديدة على الاستقرار المالي، قد توقف النمو الاقتصادي العالمي تماماً.