Site icon IMLebanon

زلزال ريفي: ما بعد 29 أيار لن يكون كما قبله! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

فعلتها طرابلس حيث لم يجرؤ الآخرون. لم يكن أكثر المتفائلين بظاهرة أشرف ريفي يتوقعون أكثر من رقم جيّد يحققه وزير العدل المستقيل والمشاغب. فثبات حضوره في عاصمة الشمال، في مواجهة محدلة سياسية ومالية مؤلفة من الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، النائب محمد الصفدي، الوزير السابق فيصل كرامي، الجماعة الإسلامية، “الأحباش” والحزب العربي الديمقراطي بقيادة رفعت عيد.

سيُقال ويُكتب الكثير عن نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس. قراءة أرقام الصناديق وحدها تحتاج الى دراسة معمّقة لتبيان حقيقة توجهات الشارع السني. وفي تحليل أوّلي يمكن الجزم أن ريفي حصد وحده ما لا يقلّ عن 60 في المئة من أصوات الشارع السني في طرابلس، وما خفّض الفارق بين اللائحتين كان البلوكات العلوية. لكن العبرة ليست في الأرقام في حدّ ذاتها، بل في أن أشرف ريفي الذي يحظى بشعبية واسعة جدا بين المسيحيين، نجح في استقطاب الشارع السني الطرابلسي ليس بخطاب إسلامي على الإطلاق، بل بخطاب وطني سيادي متمسك بخط الدولة اللبنانية ومؤسساتها.

الإنجاز الأكبر الذي حققه ريفي في عاصمة الشمال أنه أسقط كل الاتهامات التي كانت تُلصق زوراً بـ”الفيحاء”، فلم نشهد في الانتخابات أي لائحة إسلامية كما حصل في صيدا على سبيل المثال، ولم نرَ أي حضور إسلامي. لا بل إن ريفي لم يشهر أي خطاب إسلامي لدغدغة مشاعر الإسلاميين، بل تمسّك بخطاب الدولة السيّدة والحرّة والمستقلة. تمسّك بالعناوين التي ناضل من أجلها جميع اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم وتلاوينهم يوم زحفوا الى ساحة الحرية في 14 آذار 2005.

هكذا كان الحماس المسيحي لمعركة ريفي في طرابلس يوازي الحماس السني، إن لم يكن يفوقه. حسد المسيحيون أشرف ريفي على ثباته على مبادئه، ولأنه لم يضطر الى خوض المناورات السياسية، ولا الدخول في بازارات المزايدات. احترموا فيه أنه بقي منسجماً مع قناعاته: رفض علناً مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، تماماً كما رفض ترشيح الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون. وأثبت أن الثبات على مبادئ أهم، ولو كلّف الأمر بعض التضحيات أحياناً، يبقى أهم وأضمن على المدى الطويل من البهلوانيات السياسية التي تُفقد من يقوم بها صدقيته ورصيده.

اللافت أيضاً أن ريفي بخطابه وعناوينه، كان يمكن أن يخوض المعركة البلدية او النيابية في أي منطقة مسيحية وليس فقط سنية. فخطاب ريفي يحاكي هموم المسيحيين وعناوينهم الوطنية التي ضحوا لأجلها منذ أيام “الجبهة اللبنانية”، والتي تتلخص بالتمسك بالسيادة اللبنانية والحفاظ على الدولة ورفض أي سلاح غير شرعي.

من هذه الزاوية يمكن التأكيد أن أشرف ريفي لم يفز حصراً في طرابلس، بل فاز على امتداد الـ10452 كيلومتراً مربعاً، من خلال إثباته بالفعل لا بالقول، أن من يرفع لواء مبادئه ووفائه للشهداء من أجل الوطن لا يغرّه منصب ولا يقبل بأي تبعيّة.

والأهم أن طرابلس ردّت بقوة على كل الاستعلاء الذي مورس عليها يوم قال أحدهم منها “إن لا صوت يعلو فوق صوت سعد الحريري”، بالتأكيد أن لا صوت يعلو فوق صوت الحق الذي يمثله اللواء أشرف ريفي، وبأن أشرف ريفي يمثّل أهل طرابلس وبفارق كبير عن غيره.

باختصار شديد يمكن القول إن مرحلة جديدة بدأت، وإن ما بعد 29 أيار 2016 لا يمكن أن يكون كما قبله على الإطلاق!