موسى مهدي
مفاجآت مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب الجنونية لا تنتهي، بشأن حل أزمة الدين الأميركي المتصاعد الذي يقدر حالياً بحوالي 19 ترليون دولار، حسب بيانات مكتب الميزانية بالكونغرس.
وذكر ترامب في لقائه الأخير مع قناة “سي إن إن” الأميركية، أن الدين العام لبلاده لا يمثل مشكلة بالنسبة له، إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة، حيث أن حكومته ستساوم الدائنين على التخلي عن جزء من مستحقاتهم، وإذا رفضوا فستقوم الحكومة الأميركية بطباعة الدولارات وتسديد هذه الديون.
وقال متهكماً في إجابته على سؤال حول احتمال أن تعجز أميركا عن خدمة ديونها المتصاعدة “هذه هي الولايات المتحدة، ولن نعجز ابداً عن السداد، سنعرض على الدائنين تقديم خصم من مستحقاتهم وإذا رفضوا فسنطبع الدولارات ونسدد لهم”.
ويرى اقتصاديون أن مثل هذا المقترح يعني زيادة الكتلة النقدية الدولارية في العالم بقرابة 10 ترليونات دولار. وتعني تصريحات ترامب أنه لا يهتم من قريب أو بعيد باستقرار النظام النقدي العالمي، أو مكانة الدولار كـ “عملة احتياط” دولية، كما أنه يشجع دول العالم على طباعة عملاتها، وهو ما يعني عملياً ” انهيار الثقة في النقود والبحث عن نظام بديل للنقد”.
وكان الملياردير الأميركي قد ذكر في لقاء آخر، أنه سيقوم بتسديد ديون أميركا في ثماني سنوات، وذلك بحساب أنه سيبقى دورتين في الحكم، وهو ما يحمل مغالطات حقيقية حسب بعض المحللين، حيث يعني أن الحكومة الأميركية ستدفع حوالى 2.3 ترليون دولار سنوياً لتسديد الديون البالغة حالياً 19 ترليون دولار مع خدمتها.
وهذا يبدو شبه مستحيل في ظل مقترحاته الخاصة بخفض الضرائب، والتي تعني عملياً، وحسب قول خبراء اقتصاد أن دخل الحكومة الأميركية من الضرائب سينخفض. ومعروف أن الحكومة الأميركية تعتمد على الدخل الضريبي في دعم الميزانية.
وبشأن مقترحات مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية الخاصة بطباعة النقود لتسديد الديون أو مساومة الدائنين لخصم جزء من ديونهم، يقول الاقتصادي الأميركي والمدير السابق لمكتب الميزانية بالكونغرس، دوغلاس هولتز إيكنز، في تعليقات تلفزيونية، أن تصريحات ترامب تعني أنه سيقوض استقلالية مصرف الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، التي تعد من أهم أسس الرخاء والقوة الأميركية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر يقول إيكنز أن ترامب يقترح ” أن اميركا لن تسدد التزامات الديون لدائنيها في الوقت المحدد، كما أنها لن تدفع لهم كامل أموالهم”.
وأضاف إذا حدث مثل هذا الأمر فسيفضي إلى أمرين:
– الأول، أن أميركا ستكون مقترضاً منبوذاً، لأنها إن لم تسدد ديونها في الوقت المحدد وبكامل القيمة، فسيعني ذلك أن المقرضين سيرفضون إقراضنا في المستقبل، وإذا أقرضونا فسيطلبون نسبة فائدة مرتفعة على قروضهم”.
– أما الأمر الثاني، الذي سيترتب على مقترح ترامب، وهو الأهم، فيرى الاقتصادي إيكنز، أن النظام المالي العالمي سينهار، لأن النظام المالي العالمي بني على الدولار، وتحديداً على مبدأ أن السندات الأميركية “موجودات آمنة”، يمكن بيعها في أي وقت والحصول على قيمتها نقداً.
يذكر أن الميزانية الأميركية تعتمد على تغطية العجز عبر الاستدانة، وإذا رفض المقرضون شراء السندات الأميركية فلن تستطيع أميركا تمويل الميزانية وهو ما سيعني انهياراً بالاقتصاد.
ويقدر الدين العام لأميركا بنحو 19 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 98% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويبلغ نصيب الجهات الخارجية من هذا الدين 9.7 ترليون دولار، أما الاطراف الأميركية من مستثمرين وبنوك وشركات، فتملك حوالي 4.6 ترليون دولار.
وتعد الثقة العالمية في الدولار، أحد أهم مرتكزات النجاح الاقتصادي الأميركي. وفي هذا الصدد يقول الاقتصادي وليام تي ويلسون في بحث نشره في مؤسسة “هيرتدج فاونديشن” إن الطلب العالمي القوي على الدولار، يمنح مصرف الاحتياط الفدرالي ميزة ضخمة في تحقيق أرباح من الفرق بين كلفة إنتاج الأوراق الأميركية وقيمتها الحقيقية في شراء الموجودات.
وتكلف طباعة ورقة من فئة مائة دولار حوالي 12.5 دولار (هنالك كلف غير منظورة)، فيما يشتري بنك الاحتياط بهذه الورقة موجودات حقيقية من سندات بنكية أو سندات أميركية قيمتها مائة دولار.
وهذا يعني أنه يحصل على أرباح نسبتها 87.5% في كل دولار. كما تستطيع أميركا كدولة مصدرة للدولار الاستدانة المفرطة وبنسبة فائدة منخفضة لتمويل عجز الميزانية، من دون أن يؤثر ذلك على تصنيفها الائتماني عالمياً.
كما يمنح الدولار قوة تنافسية للشركات الأميركية في التصدير والاستيراد والاقتراض مقارنة بالشركات الأخرى، فهي تقترض بنسبة فائدة منخفضة وأقل عرضة لتقلبات سوق الصرف العالم. وهذه الميزات سيسحبها دونالد ترامب بمقترح طباعة الدولارات.
وحسب خبراء اقتصاد فإن عملية “التحفيز الكمي” التي نفذتها أميركا لشراء السندات الفاسدة من البنوك والشركات الأميركية خلال الأزمة المالية العالمية، تختلف عن مقترح ترامب بطباعة الدولارات لتسديد الدين العام. وذلك ببساطة لأن عملية “التحفيز الكمي”، تعني تقديم البنك المركزي الأميركي دين مقابل رهن سندات، ستقوم لاحقاً البنوك والشركات بإعادة شرائها وهو ما حقق ربحاً للحكومة الأميركية، أما في حال طباعة الدولارات لشراء الديون، فسينظر العالم إلى أميركا على أساس أنها دولة مفلسة.