أوليفر رالف
في بحر من الأثاث العادي والمتطابق، يبرز مكتب مايك ويمبريدج. يجلس هو وزملاؤه في جزيرة صغيرة من التصميم العصري. وهو تصميم ليس مغرقا في العصرية المكتب أكثر حداثة، والمقاعد مصنوعة من الجلد لا من القماش، وهناك أجهزة آيباد من أجل أن يستخدمها الضيوف لقضاء الوقت. في معظم المكاتب، لا أحد يحرك ساكنا.
الوضع في لويدز، سوق التأمين المحافظة في لندن يكاد يكون ثورة. عندما قامت “بريت”، التي يعمل لديها ويمبريدج وكيل تأمين، بتركيب أثاثها الجديد في إيستر، شعر المنافسون بالذعر من أن واحدة من الشركات المماثلة خرجت عن نطاق المألوف. وهذا ليس من الأشياء المناسبة التي يمكن القيام بها في لويدز.
تزدهر السوق بالاعتماد على التقاليد. يجب على الرجال ارتداء ربطات العنق. إذا وقعت السفن في مأزق، لا يزال يتم تسجيل الأخبار في سجل للحسابات باستخدام قلم حبر الريشة. ولا يزال التداول وجها لوجه، الذي يعد الآن نادرا جدا في أماكن أخرى من الحي المالي في لندن، سائدا في الوقت الذي يناقش فيه الوسطاء ووكلاء التأمين المخاطر الغريبة والمثيرة. هذه العادات عملت على إبقائها تعمل منذ 328 عاما، منذ أن بدأت في مقهى إدوارد لويدز.
لويدز ليست شركة في حد ذاتها، بل سوقا حيث يُحْضر يوميا مئات من وسطاء التأمين مطالبات من العملاء الذين يريدون الحصول على حماية من أي شيء، بدءا من مخاطر التعرض لكارثة طبيعية إلى تكلفة هجوم إلكتروني. وشركات التأمين التي تواجه تلك المخاطر يتم تنظيمها في 99 نقابة. يشكل العملاء تقريبا ثلثي الشركات المدرجة على قائمة “فورتشن 500” ومؤشر فاينانشيال تايمز 250. في العام الماضي حصلت السوق على ما يقارب 27 مليار جنيه أقساط تأمين.
على هذا النحو، تعد لويدز مهمة بالنسبة لصناعة التأمين في لندن، التي تشكل في حد ذاتها جزءا كبيرا من اقتصاد الحي المالي. وقدر تقرير نشر في عام 2014 أن سوق التأمين التجارية في لندن توظف 34 ألف شخص وتسهم بخمس الناتج المحلي الإجمالي للحي المالي.
لكن لويدز تواجه تحديات وبعض تقاليدها تهدد بتسليم إحدى مزاياها إلى منافسين أكبر منها في السوق، ويمكن القول أكثر مرونة.
بعض هذه المشكلات شائعة في القطاع. فقد انخفضت الأسعار في كل من قطاع التأمين وإعادة التأمين (وهو الغطاء التأميني الذي تشتريه شركات التأمين من أجل تقليص المخاطر) لسنوات، مدفوعة إلى الأدنى بالمطالبات المنخفضة والمنافسين الجدد. وعملت أسعار الفائدة المنخفضة على الضغط على العائدات التي تستطيع شركات التأمين تحقيقها من دفاترها الاستثمارية.
تظهر الندوب على لويدز. حيث كانت الأرباح في السوق ككل عام 2015 هي الأدنى منذ عام 2011. وكان العائد على رأس المال، الذي بلغ متوسطه 17 في المائة خلال السنوات التسع الماضية، أعلى من 9 في المائة بقليل.
دعوة لندن
تتمثل استجابة معظم المنظمات في الأوقات الصعبة في الاحتماء وخفض التكاليف. بالنسبة للويدز، هذه الحاجة ملحة الآن بصفة خاصة، على اعتبار أن كثيرا من شركات التأمين العاملة في السوق هي شركات متعددة الجنسيات، ويمكنها أن تختار ممارسة أعمالها التجارية في أماكن أخرى.
يقول إد نونان، الرئيس التنفيذي لشركة فاليدوس للتأمين في مقرها في برمودا: “في حين أننا نؤيد لويدز بقوة، إلا أنها تعد مكانا مكلفا للأعمال التجارية. ونظام العمل من خلال مكاتب الإدارة والمساندة يعد نظاما قديما نوعا ما وهناك طبقة إضافية من الوساطة المالية مقارنة بإجراء تلك الأعمال التجارية في الولايات المتحدة. حين يتوافر لدينا خيار، فإننا لن نتعامل مع لويدز لأنها تزيد من التكاليف”.
بريان دوبررولت، الرئيس التنفيذي لمجموعة هاملتون لوكلاء التأمين في مقرها في برمودا، والتي تعمل في كل من سوقها الأم وفي لندن، يقول إن التكاليف كنسبة من الأقساط أعلى في لويدز بنسبة 5 في المائة. هذه النفقات الإضافية تأتي من سلسلة التوزيع وليس من الإدارة، بحسب ما تقول لويدز، لكنها تحاول تحسين الكفاءة.
ويقول جون نيلسون، رئيس مجلس إدارة لويدز: “نحن نعمل بجد واجتهاد من أجل تحديث السوق. كانت لويدز بطيئة جدا في التحديث وكان ينبغي لنا القيام بذلك منذ سنوات كثيرة”.
والجهود المبذولة لتحديث لويدز تعد جزءا من جهود أوسع نطاقا عبر سوق التأمين التجارية في لندن تحت عنوان “أأنموذج التشغيل المستهدف”، المدفوع من قبل رابطة تسمى مجموعة سوق لندن.
يتألف “أأنموذج التشغيل المستهدف” من المبادرات الرامية إلى تحسين الكفاءة في مجالات عدة مثل إدخال البيانات والخدمات المركزية، جزئيا عن طريق استخدام التكنولوجيا لتحل محل العمليات اليدوية المرهقة. ويتبين أن وضع هذه الخطط موضع التنفيذ عمل صعب ويحتاج إلى كدح. قبل عدة سنوات تمت مناقشة منصة إلكترونية لإدخال الأعمال الجديدة، تدعى “بي بي إل”، لكنها الآن فقط تدخل مرحلة التجارب الحية.
أحد أكبر التحديات هو إقناع شركات التأمين والوسطاء في جميع أنحاء السوق بالامتثال. يقول برونيك ماسوجادا، الرئيس التنفيذي لشركة هيسكوكس للتأمين: “إنه أشبه بقطيع من الظباء الإفريقية في سهل عشبي. محاولة جعله يسير في اتجاه معين يعد كابوسا تاما. لم يحقق أنموذج التشغيل المستهدف ما يكفي أو يسير بسرعة كافية، لكن عندما تكون الأوضاع جيدة تكون الشبكة عبارة عن قوة محافظة بشكل هائل”.
حاول بعضهم تحديث لويدز من قبل. قبل عقد من الزمن، تم إيقاف مبادرة تحمل اسم “كينيكت”، تهدف إلى إيجاد منصة تجارية إلكترونية. وقبل خمس سنوات، كانت هناك آمال بأن شركات التأمين والوسطاء يمكن أن يبدأوا في استخدام أجهزة الآيباد. على الرغم من تلك الجهود المبذولة، لا يزال الكثير من الأعمال التي تجري في لويدز تسير وفق الطراز القديم: يتجول الوسطاء هنا وهناك وبأيديهم ملفات منتفخة، في الوقت الذي يبرم فيه وكلاء شركات التأمين اتفاقيات بالختم العادي.
وحتى لو تحسنت الأنظمة، يقول المطلعون داخل لويدز إن الطبيعة المعقدة للمخاطر التي تتعامل معها السوق -من حماية يخوت أصحاب المليارات إلى التأمين الإلكتروني للشركات- تعني أن التعامل وجها لوجه لن يختفي.
يقول نيلسون: “لويدز مبنية على شبكة من مئات الآلاف من الروابط الموثوقة ما بين المؤمن عليهم والوسطاء ووكلاء شركات التأمين. وهذا يتطلب تواصلا وجها لوجه وأحيانا مفاوضات وجها لوجه”.
يجادل المعجبون بأنه في الوقت الذي يمكن فيه تقييم منتجات التأمين البسيطة، مثل التأمين على السيارات، من خلال الحاسوب، يلزم مناقشة المخاطر الفردية عالية القيمة التي يجلبها الوسطاء إلى لويدز. ويقولون إنه لا يمكن تحليل كل شيء من خلال جدول للبيانات.
في الوقت الراهن، لا تزال الشبكة تستقطب الأعضاء. فقد تم الاستيلاء على عدد من وكلاء شركات التأمين المستقلين في لويدز من قبل شركات تأمين أجنبية استقطبتها إمكانية الوصول إلى كل من أسواق شركات التأمين المتخصصة وعمق الخبرة لدى لندن، فضلا عن علامتها التجارية.
كما ساعدت أيضا إمكانية الوصول إلى تصنيف لويدز الائتماني، التي بلغت درجة A+ بحسب مؤشر وكالة ستاندرد آند بورز وAA- بحسب مؤشر وكالة فيتش، في اجتذاب شركات جديدة – شركات التأمين في لويدز يمكنها استخدام تصنيف السوق، بدلا من تصنيفها، عند قيامها بأعمالها التجارية. خلال الأشهر الـ18 الماضية، تم شراء حصص كل من “بريت” و”آملين” و”كاتلين” معا. يقول نيلسون إنه تم إشغال المبنى بالكامل وهناك قائمة انتظار تضم 140-160 مكتبا.
بالنسبة لشركات التأمين، المسارات الوحيدة للدخول إلى السوق تمر عبر شراء شركة منافسة تعمل في الأصل هناك، أو تأمين الموافقة على إنشاء نقابة جديدة من لويدز نفسها.
يقول بول كلارك من مجموعة بوسطن للاستشارات، أحد مؤلفي كتاب “لندن مهمة”، تقرير عام 2014 المتعلق بمستقبل قطاع التأمين في المدينة: “إن السوق ستواصل أداءها الجيد لأن النظام الإيكولوجي فريد من نوعه. بالنسبة للمخاطر المعقدة وغير الاعتيادية، تكون الطريقة الأفضل للتسعير هي اجتذاب أشخاص ذوي وجهات نظر مختلفة معا”.
العنصر التفاعلي
القضية التي تواجه لويدز هي أن الأعمال التجارية التي تجري هناك لا تحتاج جميعا لهذا النوع من التفاعل. يقول ماسوجادا: “هناك دور للوساطة التي تجري وجها لوجه فيما يتعلق بالمخاطر المعقدة. فهي فقط لا ينبغي أن تنطبق على جميع المخاطر. هناك مخاطر في لويدز لا تحتاج لأن يتم التعامل معها وجها لوجه – 80 في المائة مما يجري هناك يمكن التعامل معه ومعالجته إلكترونيا، فقط 20 في المائة يحتاج إلى التعامل المباشر”.
ووفقا لمايكل ويد، وهو وكيل شركة تأمين سابق في لويدز واستشاري أول لحكومة المملكة المتحدة في مجال التأمين: “الكثير من مخاطر إعادة التأمين يمكن تحويلها إلى خدمة سلعة تجارية، خاصة الكارثة الطبيعية. وهذا التحويل السلعي يهبط الآن في السلسلة ليتم تطبيقه على التأمين البحري والطيران، وفي الوقت الذي يهبط فيه على طول السلسلة، فإنها لا تتوجه صوب لندن بل تذهب إلى برمودا أو زيوريخ”.
ويرى كلارك أن ذلك لا ينبغي أن يكون مشكلة كبيرة. “الأمر يبدو وكأنه حوض استحمام، مع ورود مخاطر جديدة وخروج مخاطر قديمة. الأمر المهم هنا هو العلاقة بين النوعين من المخاطر”.
بالتالي، تغطية المخاطر الجديدة هي الأساس. ولدى لويدز وضع قوي في بعض المجالات المتنامية، مثل التأمين الإلكتروني، حيث تبذل شركات ضمان التأمين أمثال “بيزلي” و”هيكوكس” جهودا كبيرة، لكن في أماكن أخرى، مثل الأسواق الناشئة، هناك مدعاة للقلق.
يقول بين ريد، الرئيس التنفيذي لشركة إل إم جي، إن هناك عملا يلزم إنجازه: “إلى حد ما، خسرت لندن ميزتها الابتكارية، لكن هناك بعض القصص الجيدة، مثل دفتر الأستاذ العام للبتكوين، أو إعادة التأمين على الكوارث الطبيعية في جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. ويلزم بأن تكون متعلقة بما هو أكثر من التأمين الإلكتروني. وتلك القصص لم تفسر بوضوح أي المخاطر التخصصية التي تتقنها”.
وخلص تقريره إلى أن لندن -كل من لويدز وسوق التأمين التجارية الأوسع نطاقا- ضعيفة في الأسواق الناشئة ومستمرة في ذلك. واستنتج أن العملاء يحبون شراء التأمين محليا حيثما أمكنهم ذلك، ما يعرض 30 إلى 40 في المائة من أقساط لندن للخطر.
الخروج من الاتحاد
والتهديد الآخر الذي تتعرض له لويدز هو أمر خارج عن نطاق سيطرتها – الاستفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وقد تحدث علنا كل من رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي وكبير إداريي المخاطر عن الأخطار التي يمكن أن يفرضها الخروج.
الجزء الأكبر من استقطاب شركات التأمين وشركات الوساطة المالية التي تعمل في لويدز يكمن في إمكانية الوصول التي تقدمها لكل من الاتحاد الأوروبي وللأسواق التي أبرم معها الاتحاد الأوروبي اتفاقيات تجارية. وتفخر لويدز بشبكتها من المكاتب في الخارج، مثل سنغافورة والصين.
يقول نيلسون: “يمثل الاتحاد الأوروبي 15 في المائة من أعمالنا التجارية، لذلك فهي نسبة غير كبيرة لكنها مهمة. لكن الاتحاد الأوروبي لديه أيضا اتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع عدد كبير من البلدان. وتستفيد لويدز من تلك الاتفاقيات. ومن الوهم التفكير في أن المملكة المتحدة يمكنها التفاوض بشأن الاتفاقيات نفسها. يأتي 80 في المائة من رأس المال (في سوق لويدز) من خارج المملكة المتحدة. وأحد العوامل الجاذبة للاستثمار في لويدز هو أننا نقع ضمن إطار الاتحاد الأوروبي”.
تقول شركات التأمين العالمية إن عضوية الاتحاد الأوروبي تجعل من لويدز وجهة جذابة ويجعلها تتفوق على الأعباء التنظيمية التي يقول كثيرون إنها أكثر ضغطا في المملكة المتحدة منها في أماكن أخرى.
ووفقا لأحدهم: “تقريبا كل سوق في العالم لها لمستها التنظيمية الأخف”. في الواقع، في الوقت الذي ترتبط فيه لويدز ارتباطا وثيقا بلندن، إلا أن هذا لا ينطبق على شركات الوساطة المالية ووكلاء شركات التأمين أو العملاء الذين لديهم أعمال تجارية هناك. ووجدت دراسة استقصائية أجرتها “هاجي”، شركة علاقات عامة مالية، أن أكثر من ثلثي الأشخاص العاملين في لويدز يعتقدون أن الخروج من الاتحاد من شأنه أن يلحق الضرر بالسوق.
نتيجة لذلك، كانت لويدز تنظم حملات تهدف إلى إبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تحاول فيه تحديث إدارتها والتوسع إلى أسواق جديدة ومواجهة أنواع جديدة من المخاطر – وفرز الأثاث.
يقول نيلسون، الذي يقترب من نهاية فترة ولايته رئيسا لمجلس الإدارة، التي امتدت لخمس سنوات: “لقد تعرضنا لتحديات أكثر مما واجهنا منذ فترة طويلة، لكننا بالتأكيد نتصدى لها. وكل منظمة تحتاج لإحساس طفيف بانعدام الأمن”.
المسألة بالنسبة لشركات الوساطة المالية والنقابات والأشخاص الذين يشترون ويبيعون خدمات التأمين في السوق يوميا هي ما إذا كانت لويدز، وسط الحجج المتعلقة باللوازم والمتعلقات، لديها القدرة على الاحتفاظ بمكانتها الفريدة من نوعها -وكذلك مكانة لندن- في عالم شركات التأمين.