Site icon IMLebanon

“داعش” تُحاول أخذ لبنان “رهينة أمنية استراتيجية”

 

 

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

المعلومات التي كشفَت عن أنّ «داعش» كانت تُحضّر لارتكاب مجزرة في أحد شوارع بيروت المكتظّة بالمقاهي والنوادي الليلة، وبعملية أخرى «تكون مزلزلة» تستهدف الضاحية الجنوبية من بيروت، يوجد لها تتمّات خطِرة وتفصيلية، ولكنّ أوانَ نشرِها لم يحِن بعد، نظراً إلى أنّ جهد التحقيق اللبناني الرسمي لا يزال مستمرّاً.ما يمكن لفتُ النظر إليه في هذا المجال، هو معطيات أساسية تُسلّط الضوء على أشرس حرب متابعة تخوضها تحديداً في هذه الفترة، المؤسساتُ الأمنية اللبنانية، وبينها مخابرات الجيش اللبناني التي كان لها الفضلُ في إحباط مجزرة كانت تعِدّ لها «داعش» في أحد شوارع العاصمة.

وتتحدّث أبرز هذه المعطيات عن الآتي:

أوّلاً – كانت تُخطّط «داعش» لتنفيذ عملية في منطقة مقاهٍ وملاهٍ ليلية في بيروت، تشبِه بنسبة معيّنة، لجهة انتقاء مكانها وزمانها وطريقة تنفيذها، العمليةَ الأخيرة التي نفّذتها في باريس.

والهدف هو خلقُ مسرح عنفٍ إرهابي داخل العاصمة تستمرّ وقائعُ حركة خليّة «داعش» المنفّذة فوقه لوقتٍ غير قليل، وربّما لساعات، ما يؤدّي إلى نشرِ الفوضى والخوف في العاصمة، وبالتالي إدخال كلّ معادلة الاستقرار الأمني القائم الآن في لبنان والذي نجَحت الدولة اللبنانية في اختبار ضبطِه بمناسبة الانتخابات البلدية، في عنقِ أزمة جديدة تتّسم بعودة الأسئلة القلِقة على مساراتها المقبلة.

ثانياً – تفيد المعلومات أنّ «داعش» حضّرَت أخيراً قيادتَها وجسمها التنظيمي في لبنان، وذلك على المستويَين الهيكلي واللوجستي، ليصبحا قادرَين على تلبيةِ موجبات أمر قيادتها في الرقّة البدءَ بشنّ ضربات أمنية نوعية ضد لبنان، تكون نسخة طبق الأصل عن نموذج عملياتها الإرهابية الأخيرة التي حصلت في بلجيكا وفرنسا.

وفي التفاصيل أنّ «داعش» أجرت أخيراً تغييراً أساسياً على مستوى قائدها العسكري المسؤول عن الساحة اللبنانية. وبموجبه كفّت يد «موفق الجربان» كقائد عسكري لها في لبنان، ولكنّها لم تستبدله كعادتها بأمير جديد، بل عيّنَت مكانه «مجلساً قيادياً مصغّراً» يضمّ عدة مسؤولين.وبمعنى آخر، فإنّ «داعش» لم تُجر فقط تبديلاً لقائدها في لبنان، بل أحدثت تغييراً لشكل «منظومة إمرة القيادة في الساحة اللبنانية التابعة للرقة».

ويلاحَظ أنّ التغيير تبعَه تزخيم لنشاط انتشار انتحاريّي «داعش» في كلّ المناطق اللبنانية، وهو أمرٌ يمكن الاستدلال عليه من خلال ارتفاع نسبة الأشخاص الذين أوقفَتهم مخابرات الجيش، خلال الأسابيع الأخيرة، للاشتباه بانتمائهم إلى «داعش» والتحضير لعمليات انتحارية، وهي نسبة بلغَت معدّل «توقيف إرهابيّ كلّ يوم تقريباً».

ثالثاً – من الواضح، بحسب التقدير الأمني أنّ غاية «داعش» من قرارها تنفيذَ ضربات أمنية نوعية كبيرة في لبنان في هذه الفترة، هو محاولتُها الهروبَ إلى الأمام بعد تيَقّنِها مِن وجود قرار دولي، خصوصاً أميركي – روسي – أوروبي بشنّ هجمات عسكرية تؤدّي إلى خنقِ «داعش» مادّياً وعسكرياً في كلّ مِن العراق وسوريا.

وغاية «داعش» الأساسية هي ابتزاز الغرب لثنيِه عن الذهاب بعيداً في حرب إلغائها أو خنقِها في معقليها العراقي والسوري، وذلك عبر إشعاره بأنّ لبنان سيَدفع من أمنِه ثمنَ هذا الأمر، ما سيؤدي بالتالي إلى هروب نحو مليون ونصف مليون نازح سوري منه إلى شواطئ أوروبا، وهو الأمر الذي تخشاه أوروبا بشدّة.

وتريد «داعش» أيضاً استخدامَ الصدى الإعلامي الذي سينتج عن عملياتها الإرهابية في لبنان لشدِّ عصَب مقاتليها في كلّ مِن العراق وسوريا، إضافةً إلى تسعير حالة التوتّر بين الأجواء السَلفية داخل بيئة النزوح السوري في لبنان وبين «حزب الله».

ويفسّر هذا الهدف الأخير أنّ «داعش» تتقصّد أن يُنفِّذ عملياتها الإرهابية في لبنان، وفي الضاحية الجنوبية خصوصاً، عناصرُ من الجنسية السورية، عادةً ما تسارع «داعش» إلى إصدار بيانات تكشف عن هويتهم بوصفهم سوريّين نازحين، وذلك بعد مضيّ وقتٍ قصير على تنفيذهم عملياتهم الانتحارية. وتريد من ذلك استدراجَ ردود فِعل بين بيئاتهم والبيئات المتضرّرة من عملياتهم.

قصّة تهديد «داعش»

تشكّل نظرية «داعش» القيام بردّ تحذيري في لبنان لثَنيِ الغرب عن استئصالها في سوريا ولبنان، أهمَّ الخلفيات التي تُفسّر سببَ ارتفاع مخاطر حدوث هجمات إرهابية في هذه المرحلة في لبنان. لكنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية تَبذل جهوداً توصَف بأنّها «فعّالة وقادرة» ليس فقط على مستوى منعِ حدوث عمليات إرهابية، بل أيضاً لكسرِ الإرادة التنفيذية لـ«داعش» في لبنان.

وبحسب مصادر متابعة، فإنّ توَجّه «داعش» الراهن لبدءِ جولة تفجيرات جديدة في لبنان، كان بدأ بالتبلور نظرياً قبل فترةٍ ليست قصيرة، ولكنّه عملياً شهد زخماً ملحوظاً مع قيام قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل، بزيارة سرّية إلى الشمال السوري خلال هذا الشهر، وذلك بهدف التحضير لشنّ هجوم على «داعش» في معقلها الرئيس، الرقة.

وتقول المعلومات إنّ فوتيل صَرف 11 ساعة، وهي مدة زيارته السرّية، وهو يناقش ملفّين: الأوّل إجراء تقويم لحجمِ إمكانات المعارضة العسكرية المعتدلة التي يمكن الإفادة منها في هذه المعركة. وكان محاورو فوتيل بخصوص هذا الملف هم مجموعة من الخبَراء الاميركيين العسكريين الذين ينسّقون سرّاً، وفي الميدان منذ فترة، مع مقاتلين عرب سوريين.

أمّا الملف الثاني من زيارته فقد خصَّصه فوتيل للاجتماع بقادة قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن، حيث أبلغَهم بعزم واشنطن التحرّك ضد «داعش» في عاصمتها الرقّة، وبأنّ دورَهم سيكون أساسياً في هذه المعركة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ فوتيل هو أرفعُ مستوى أميركي يزور سوريا منذ بدء الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

وفي الوقت الذي كان فوتيل يُشرف على التحضير الميداني لمعركة الرقّة والتي تلاها إسقاط مناشير من الجوّ تدعو سكّانَها للجلاء عنها، كانت موسكو بدأت أيضاً، وفي موازاة تفاهمِها مع واشنطن لإسناد عملية الرقة، تُعِدّ العدّةَ اللوجستية في منطقة مدينة تدمر لإسناد شنّ هجومٍ برّي من هذه المدينة في اتّجاه السخنة فدير الزّور التي تُعتبَر المقر الثاني لـ»داعش» في سوريا بعد الرقة.

وبعد زيارته سوريا عرّجَ فوتيل على العراق، مستكملاً هناك مهمّةً أميركية عاجلة، وهي إعلان الحرب البرّية على «داعش» في سوريا والعراق بالاعتماد على قوات محلية (قوات سوريا الديموقراطية في سوريا والجيش الرسمي في العراق).

إلى ذلك، زار فوتيل لبنان بوصفِه الحديقة الخلفية اللصيقة بجبهة الحرب على «داعش» وذات الصِلة بتلقّي بعضِ التبعات الديموغرافية والأمنية التي قد تنتج عنها. وفي إثره زار لبنان أيضاً مسؤولٌ استخباراتي رفيع جداً في وكالة «سي اي اي.»، وهاتان الزيارتان الأميركيتان هدفَتا إلى إبلاغ بيروت أنّ القرار الدولي بدعم الاستقرار في لبنان أكيد ومستمر، وأنّ المجتمعَ الدولي يضع وراءَه ليس فقط ثِقله المعنوي والسياسي بل أيضاً ثِقله العملياتي، وذلك بأساليب مختلفة غير مباشرة وشِبه مباشرة.

وتَعتبر «داعش» أنّ حركة فوتيل في اتّجاه ضرب الرقة، إضافةً إلى الحشد المدعوم من موسكو في تدمر تمهيداً للهجوم على الرقة، وما يَسبقهما الآن من تحرّك لإخراجها من الفلوجة، كلّها مؤشّرات إلى اقتراب موعد مواجهتها العسكرية الكبرى مع المجتمع الدولي، وأخطر ما في خططها لمواجهة هذا الأمر، اتّجاهُها لاستخدام لبنان «رهينةً أمنية استراتيجية» لمنع بدءِ الهجوم الدولي الاستراتيجي ضدّها في كلّ من العراق وسوريا، أو على الأقلّ تأجيله.