يهتم مراقبو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بأدق التفاصيل ولا يتركون شيئا إلا ويحللونه بما في ذلك موعد انعقاد اجتماعاتها نصف السنوية وموعد وصول وزراء الدول الأعضاء إلى فيينا وطريقة تحدثهم والفنادق التي يقيمون فيها في مسعى للتنبؤ بسياسات المنظمة.
لذا حين وصل وزير الطاقة السعودي الجديد خالد الفالح إلى العاصمة النمساوية يوم الاثنين قبل ثلاثة أيام من انعقاد اجتماع المنظمة المقرر يوم الخميس اعتبرت هذه الخطوة علامة على جديته في التعامل مع أوبك.
لكن الفالح لن يحظى بفرصة كبيرة للقاء نظرائه قبيل اجتماع الخميس حيث لن يصل كثير منهم إلى فيينا ومن بينهم وزيرا إيران وفنزويلا قبل منتصف نهار يوم الأربعاء أو مساء ذلك اليوم.
ويرى جاري روس أحد المراقبين المخضرمين لشؤون أوبك ومؤسس بيرا للخدمات الاستشارية في نيويورك أن ذلك يعني أن سقف التوقعات ينبغي أن يكون منخفضا فيما يتعلق بسياسة أوبك.
وقال روس “لا يوجد توافق بين هؤلاء الأشخاص في هذه الأيام… أوبك تفقد أهميتها بدرجة كبيرة. ندخل في حقبة ستغيب فيها إدارة السوق.”
وكانت آخر مرة تقرر فيها أوبك تغيير سياسة الإنتاج في ديسمبر كانون الأول 2008 حينما خفضت الإمدادات وسط تباطؤ الطلب بسبب الأزمة المالية العالمية. وعلى عكس ذلك أجرت المنظمة 27 تغييرا في سياسة الإنتاج في الفترة بين عامي 1998 و2008.
وعلى مدى عشرات السنين كانت السعودية – أكبر منتج في أوبك وقائدها الفعلي – تتبنى نطاقا مفضلا لأسعار النفط ومن ثم تسعى لخفض إنتاج المنظمة أو زيادته عندما تشعر بعدم الارتياح لمستوى الأسعار.
لكن زيادة الإنتاج من خارج أوبك بدعم من التكنولوجيا المتطورة مثل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وتنامي كفاءة استخدام الوقود دفع الرياض إلى الاعتقاد بأن حقبة النمو النفطي السريع ربما وصلت إلى منتهاها.
وفي العامين الأخيرين تبنت الرياض استراتيجية تتمثل في الدفاع عن حصتها السوقية معتقدة أن ضخ مزيد من النفط الآن بأسعار أقل أفضل من خفض الإنتاج في المستقبل.
*الصراع على الحصة السوقية
بخلاف سلفه وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي تولى الفالح حقيبة أكبر بكثير تتضمن الإشراف على الطاقة والصناعة والتعدين والطاقة النووية والمتجددة.
وزار الفالح مقر أوبك في فيينا يوم الثلاثاء للاجتماع مع الأمين العام للمنظمة عبد الله البدري وبقي هناك 90 دقيقة ليظهر بوضوح أنه يخصص وقتا للمنظمة رغم مشاغله.
وقال روس “هناك أوقات تحتاج فيها لأوبك وأوقات لا تحتاج لها فيها. لا تحتاج لأوبك إلا عندما يكون لديك تخمة كبيرة في المعروض ولا تريد المنظمة مزيدا من الانهيار للأسعار.”
وتعافت أسعار النفط إلى نحو 50 دولارا للبرميل في الأسابيع الماضية من أدنى مستوياتها في نحو عشر سنوات البالغ 27 دولارا للبرميل الذي سجلته في يناير كانون الثاني. غير أنها ما زالت تقل كثيرا عن مستواها البالغ 115 دولارا للبرميل الذي سجلته في يونيو حزيران 2014.
وانهارت الأسعار بعدما زادت السعودية إنتاجها لأعلى مستوياته على الإطلاق في مسعى لحماية حصتها السوقية في مواجهة المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة ومن بينهم شركات النفط الصخري بالولايات المتحدة.
وألحق هبوط الأسعار ضررا بالغا أيضا بأعضاء آخرين في أوبك حيث تراجع الإنتاج في نيجيريا وفنزويلا.
ورغم ذلك واصل العراق وإيران زيادة الإنتاج إذ ترى بغداد أن الاستثمارات التي ضختها شركات النفط العالمية الكبرى في الآونة الأخيرة تؤتي ثمارها بينما تستعيد طهران حصتها السوقية بعد رفع بعض العقوبات الغربية عنها في يناير كانون الثاني.
وقال ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن المملكة ربما تزيد إنتاجها إذا لم يحد الأعضاء الآخرون في أوبك من زيادة إنتاجهم.
وقال مندوب غير خليجي في أوبك “طالما يتولى محمد بن سلمان مقاليد الأمور لا أعتقد أن شيئا معقولا (إجراء لأوبك) يمكن أن يحدث. فتلك السياسة لم تضر الدول المصدرة فحسب وإنما أضرت الشركات والقطاع أيضا.”