Site icon IMLebanon

طرابلس: قراءة في خسارة “التحالف” وفوز ريفي

 

 

كتب غسان ريفي في صحيفة “السفير”:

 

لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين من لائحة “قرار طرابلس” المدعومة من الوزير أشرف ريفي، والتي حققت أكثرية المقاعد في الانتخابات البلدية، أن يأتي الفوز على هذا النحو المدوّي. كما أن أكثر المتشائمين من لائحة “لطرابلس” المدعومة من التحالف السياسي الطرابلسي لم يكن يتوقع أن تكون الخسارة بهذه القساوة، وأن تفتش اللائحة وأعضاؤها عن إمكانية خرق اللائحة المنافسة. في المقابل، لم يتمكن النائب السابق مصباح الأحدب من تأمين رافعة أصوات للائحته “طرابلس عاصمة”، ويمكن القول إن خروجه من المنافسة سريعاً، سينعكس ضعفاً على حضوره وتمثيله السياسي في مدينته، أقله في المرحلة الراهنة.

لا يختلف اثنان على أن الوزير ريفي أحدث زلزالا سياسيا في طرابلس، أطاح من خلاله التحالف السياسي بإمكاناته الضخمة وماكيناته المتمرسة بالعمل الانتخابي، وبحضوره القوي، خصوصا أنه يضم كل المكوّنات السياسية في طرابلس بدءاً من الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري، والنواب محمد الصفدي، أحمد كرامي، سمير الجسر، محمد كبارة، روبير فاضل، والوزير السابق فيصل كرامي، إضافة الى الجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع.

ولا شك في أن هذا الزلزال ستكون له ارتدادات كثيرة في المستقبل القريب، لجهة تعاطي ريفي مع هذا الانتصار، وكيفية استثماره لمصلحته، علماً أن هذه النتيجة كرّست وزير العدل المستقيل رقماً سياسياً صعباً في طرابلس لم يعد بمقدور أي جهة تجاوزه، وهو من المفترض من الآن وصاعداً أن يتحمل مسؤولية الأصوات التي صبّت لمصلحة لائحته، فضلاً عن مسؤوليته في إنجاح العمل البلدي في مدينة تحتاج الى شتى أنواع الخدمات والمشاريع.

تتفاوت أحجام الخسائر بين فريق وآخر ضمن التحالف السياسي الداعم للائحة “لطرابلس”، فالرئيس سعد الحريري هو الخاسر الأول وربما الأكبر، خصوصا أن تحالفه مع ميقاتي وكرامي جاء بالدرجة الأولى من أجل مواجهة ريفي ومحاصرته الى حدود الإلغاء السياسي في مدينته، متناسياً أن الشعبية التي كان يتمتع بها في طرابلس قد تراجعت الى حدود العدم، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل ثمة ردة فعل طرابلسية غاضبة على “زعيم المستقبل” ترجمت في صناديق الاقتراع بكثافة لمصلحة لائحة ريفي.

ويبدو واضحاً أن ميقاتي دفع ثمن هذا التحالف من رصيده الطرابلسي، فهو خسر كثيراً من أصوات جمهوره المعترض على التحالف مع الحريري، لا سيما بعد الحرب التي شنها عليه خلال فترة حكمه، ولم يربح أصوات “المستقبل” للائحة المدعومة من قبله، علماً أن جمهور ميقاتي طالبه مراراً وتكراراً بأن يخوض معركة بلدية بمفرده، وعدم الدخول في أي تحالف من شأنه أن يضعفه ويجعله أسير مشاورات لتسمية مرشحين قد لا يكونون على قدر المنافسة.

لكن في النهاية، فإن ذلك لا يمنع خسارة ميقاتي وهو من المفترض أن يعيد قراءة المزاج الشعبي الطرابلسي، وأن يفتش عن مكامن الخلل التي حصلت، سواء في ماكينته الانتخابية أو في الحالة الشعبية المؤيدة له، أو في تحالفاته الأخرى.

وكان ميقاتي قد قال الاثنين 30 أيار إنه “لا بد لنا جميعا من أن ننحني أمام إرادة أبناء مدينتي طرابلس”، مهنئاً جميع الفائزين، متمنياً لهم التوفيق في العمل على تنفيذ المشاريع التنموية المطلوبة، شاكراً كل المحبين والمناصرين على وفائهم ومعاهدتهم على مواصلة العمل معا ومع الجميع.

وحيّا ميقاتي أبناء الميناء الذين “أثبتوا ايضا تحليهم بروح الديموقراطية الراقية”.

أما سائر النواب فبدأ كل منهم يتحسس رأسه خوفاً من الشعبية المستجدة لريفي التي ستزاحمهم على مقاعدهم في الاستحقاق النيابي المقبل.

ماذا وراء هذا الزلزال السياسي في طرابلس؟

لا يخفى على أحد حجم الاحتقان المخيم على طرابلس، وحالة الإحباط التي ترخي بثقلها على شريحة واسعة من أبنائها، نتيجة عوامل عدة أبرزها: الفقر والبطالة والحرمان والعسكرة والظلم الأمني والتوقيفات العشوائية التي تطال الشبان منذ سنوات طويلة، كما لا يخفى على أحد تبدل المزاج العام في المدينة ضد مختلف القيادات السياسية وفي مقدمتهم الرئيس سعد الحريري الذي لمس بنفسه البرودة الشعبية في زيارته الأخيرة الى طرابلس بعد عودته من الخارج، إضافة الى عدد من النواب الذين أدى التمديد لولايتهم الى غض النظر عن كثير من أزمات المناطق الشعبية.

ومما زاد الطين بلة، هو عملية تشكيل لائحة “لطرابلس” التي شكلت استفزازاً شعبياً كبيراً، بدءاً من “الفوقية السياسية” التي فرضتها، مروراً بتسمية أعضاء فيها غير معروفين ولا يمتلكون أي حيثية، وصولاً الى تجاهل المناطق الشعبية والأسواق الداخلية لجهة عدم تسمية ممثلين عنها وفرض أشخاص غير مرغوب فيهم عليها، وكذلك جمع الأضداد لجهة ضم مرشحين عن الجماعة والأحباش.

أمام هذا الواقع، خرج الناخبون في طرابلس الى الانتخابات البلدية للمرة الأولى من أجل محاسبة قياداتهم على كل هذا التجاهل، والتصويت من مبدأ النكاية، وقد شكلت لائحة ريفي ضالتهم، فاستقطبت أصوات الرافضين للتوافق السياسي الفوقي، ولتحالف ميقاتي ـ الحريري، ولعدم تمثيل مناطقهم، والمتمردين على “تيار المستقبل”، والمعترضين على الشح المالي للحريري والذي يحول دون دفع مستحقاتهم المزمنة، والمختلفين مع ميقاتي، والصفدي وسائر النواب، والخارجين من تحت عباءة فيصل كرامي، إضافة الى المحبطين والمقهورين، والفقراء والمهمشين وأبناء التبانة الذين لم تمثل منطقتهم، وكذلك عدد كبير من أبناء جبل محسن لعدم الأخذ برأي المجلس العلوي الإسلامي بتمسية المرشحين، وكل هؤلاء شكلوا مجتمعين رافعة أصوات منحت الأكثرية الساحقة للائحة ريفي الذي حرص خلال الأسبوع الذي سبق الانتخابات على التواصل معهم وزيارتهم في مناطقهم، كما جاءت النسبة المتدنية للاقتراع (27 في المئة) لتجعل العملية الانتخابية حصراً بمن يهمهم الأمر.

وما ضاعف من حجم الخسارة، هو أن الماكينات الانتخابية للتحالف السياسي كانت من دون فاعلية، وشكلت حركة من دون بركة، فلم تجمع “بلوكات” الأصوات التي وعدت بها، ولم تنجح في الحد من التشطيب، فدفع المرشحون العلويون والمسيحيون الثمن وخسروا تمثيلهم البلدي بحسب الماكينات الانتخابية غير الرسمية، وذلك نظرا لضراوة المعركة بين الأكثرية السنية في المدينة التي غالبا ما تطيح تمثيل الأقليات.

جاءت نتائج الانتخابات البلدية في الميناء مغايرة تماما عن طرابلس، فقد فازت لائحة “الميناء حضارة” برئاسة عبد القادر علم الدين بأكثرية الأعضاء (18 من أصل 21) وخرق مرشحان من لائحة “الميناء لأهلها” ومرشح واحد من لائحة “الميناء بيتنا”.

ويمكن القول إن علم الدين تمرّد على السياسيين منذ البداية، حيث وضعهم أمام الأمر الواقع لجهة ترشحه، وإصراره على تشكيل فريق عمله ليتمكن من الفوز معه في الانتخابات ومن ثم النجاح في العمل البلدي في مدينة الموج والأفق التي تعيش من دون بلدية منذ ثلاث سنوات.

وقد نجح علم الدين في تشكيل لائحة تضم ممثلين عن كل شرائح وطوائف الميناء، وفي إرضاء الناخبين الذين صوتوا للائحته التي حافظت على التمثيل المسيحي بخمسة مقاعد أرثوذكسية من أصل سبعة، حيث أبعدت عمليات الخرق التي تعتبر طبيعية في الميناء نظرا للتداخل العائلي المرشحيْن الماروني والأرمني. وتؤكد مصادر مطلعة على الأجواء الانتخابية أن العلاقة المتميزة لعلم الدين مع مختلف عائلات الميناء تجعله ضمانة للتمثيل المسيحي في بلدية الميناء، حيث يتمكن في كل مرة من إقناع ناخبيه بالتصويت للائحته كاملة، وهو كان قد واجه في الانتخابات الماضية تحالفاً سياسياً مماثلاً ونجح في إحداث خرقين له ولنائبه الدكتور ميشال فلاح.