ذكرت صحيفة “السياسة الكويتية” أنه على أهمية الدلالات السياسية للنتائج التي حملتها عمليات الفرز في محافظتي الشمال وعكار خصوصاً في المواقع ذات البعد السياسي، فاجأت مدينة طرابلس المراقبين للاستحقاق البلدي والاختياري بتفوقها على ما سبقها من جولات في إبراز خصائص انتخابية لم تكن محسوبة تماماً، ذلك ان “اكتساح” لائحة “قرار طرابلس” المدعومة من الوزير اشرف ريفي مقاعد المدينة البلدية كان له الوقع المدوي في مواجهة التحالف الحزبي الرباعي (الحريري- ميقاتي- الصفدي -كرامي) الذي على رغم متانته، لم يصمد في مواجهة حلف ريفي مع الشارع الطرابلسي الذي عبّر في صندوق الاقتراع عن توقه الى القيادات القريبة منه التي تتكلم لغته، ولم يعد ممكناً تجاوز حيثيته الواسعة ليس في طرابلس فحسب، إنما على مستوى يتخطى حدودها الجغرافية وربما الى مساحة لبنان.
وفي نتائج انتخابات بلدية طرابلس، فازت لائحة ريفي بـ18 مقعداً مقابل ستة مقاعد للائحة تحالف القوى السياسية، فيما برزت معلومات مساء الاثنين 31 أيار عن ارتفاع عدد الفائزين إلى 20 مع استمرار عمليات فرز الصناديق، في دلالة واضحة على أن “تسونامي ريفي” أقوى من أي تحالف في المدينة.
وتوقفت مصادر سياسية عند هذه النتائج المدوية، مشيرة إلى أن ريفي بات زعيماً في طرابلس بتأييد الغالبية، وخصوصاً الذين ينتمون إلى الأحياء الشعبية والفقيرة على غرار باب التبانة والقبة والحدادين والمهاترة والسويقة الذين قالوا كلمتهم بوضوح.
وأشارت إلى أن النتائج تدل على أن شعبية “تيار المستقبل” برئاسة سعد الحريري باتت في أدنى مستوياتها في طرابلس، كما أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي لم يعد يمثل تلك القوة الحاسمة، إلا أن الأهم هو أن الطرابلسيين عبروا عن سأمهم من الطبقة السياسية والتحالفات بين الأحزاب القائمة على المحاصصة.
وبحسب المصادر، عكست النتائج الاستياء العارم في صفوف الطرابلسيين من الطاقم السياسي وتوقهم إلى التغيير، لأن القيادات السياسية في المدينة فشلت على مدى السنوات الماضية في تلبية حاجات الناس والحد من معاناتهم وغياب البرامج الإنمائية والاجتماعية والاقتصادية، كما أنه لا يمكن أبداً إغفال الصوت الطرابلسي العريض الرافض للأداء السياسي لقيادات المدينة، في “المستقبل” وغيره، في وقت يعلم الجميع مسؤولية “8 آذار” وتحديداً “حزب الله” في تعطيل الاستحقاق الرئاسي وشل عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو الأمر الذي عرف ريفي كيف يستغله، من خلال مواقفه المنتقدة لأداء “تيار المستقبل” وميقاتي وتأكيده على استقلالية قراره السياسي بعد استقالته من الحكومة، مع الأخذ بالحسبان أن مواقف الحريري التي تلت استقالة ريفي من الحكومة وتحديداً في قوله إنه “لا يمثلني” فعلت فعلها في الشارع الطرابلسي الذي اعتبرها إهانة لوزير العدل المستقيل الذي وقف سدّاً منيعاً في مواجهة “حزب الله” وحلفائه وكل الذين حاولوا التغطية على جريمة ميشال سماحة، وإنكار جهوده وتضحياته التي بذلها دفاعاً عن قضية اللواء الشهيد وسام الحسن.
وأكد الوزير ريفي لـ”السياسة” أن “طرابلس انتصرت وقال الطرابلسيون كلمتهم في رفض المحاصصة”، مشيراً إلى أنه “مستمر في نهجه وسياسته ومبادئه الوطنية”.
وفي مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر الاثنين، أكد ريفي أن أن انتصاره هو انتصار للتغيير وللمجتمع المدني ولكل لبناني مؤمن بدولة العدالة، مشدداً على أن “احتكار الناس لن يدوم فالتغيير آت”.
وأعلن أنه يمد يده الى الحريري، موضحاً أنهما اختلفا على نقاط سياسية أبرزها ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة.
وقال متوجهاً إلى أهالي المدينة “أرادوها تهريبة محاصصة فقلنا لهم هذا لن يمر، أرادوها تحالفا هجينا فقلنا بالصوت العالي اننا لن نقبل بأن يسيطر على المجلس البلدي شركاء حزب الله والنظام السوري وعملاؤه الذين فجروا مسجدي السلام والتقوى. أرادوها استخفافا بأهل طرابلس فقلنا لهم ان أبناء مدينة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا يزالون على عهدهم وقسمهم ووفائهم للمبادئ التي استشهد من أجلها الحريري والشهداء ثورة الأرز الابطال”.
وإذ أكد أن “طرابلس كانت وستبقى مدينة العيش المشترك التي يعيش فيها المسلم والمسيحي والسني والعلوي معاً”، قال ريفي “لقد كان لدي منذ البداية هاجس الإخلال بالتوازن والعيش المشترك في المدينة فقمت بمبادة طرحتها على مطارنة طرابلس وعرضت على من شكلوا اللائحة المنافسة ان تكون الأسماء المسيحية والعلوية واحدة في اللائحتين وأكدت ذلك قبل يوم واحد من إجراء الإنتخابات ولكن مع الأسف قوبلت مبادرتي بالتجاهل والرفض”، في إشارة إلى أن المرشحين العلويين والمسيحيين خسروا في كلتا اللائحتين ولم يدخل أي منهم إلى المجلس البلدي الجديد.
وأهدى الانتصار إلى “روح الشهيد رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز وكل من سقط دفاعا عن لبنان السيد الحر المستقل”.
ورداً على سؤال عن استعداده لمد يده إلى “حزب الله” في السياسة، قال ريفي إن “مجرد مشاركتي في الحكومة يعني قبولي بالجلوس على الطاولة نفسها مع “حزب الله”. وانا كنت واضحاً مع “حزب الله” باننا شركاء في الوطن ولا يمكن ان نلغي بعضنا، لكن انت كمشروع ايراني فارسي سأقاتلك سياسياً وحضارياً واعلامياً ولن نسمح للبنان أن يصبح إيرانياً ولن أستسلم ولن أعطي تكليفًا شرعياً لذلك”.
وبالتوازي مع “زلزال طرابلس”، فإن النواب المسيحيين المستقلين وجهوا صفعة قوية لـ”اتفاق معراب”، مؤكدين أن تفاهم رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، لا يختزل إرادة كل المسيحيين ولا يعبر عن مواقفهم جميعاً، حيث فازت اللائحة المدعومة من النائب بطرس حرب في بلدة تنورين بكامل أعضائها، فيما فازت اللائحة المدعومة من النائب هادي حبيش في بلدة القبيات بـ16 مقعداً، مقابل 2 في مواجهة اللائحتين المدعومتين من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” في البلدتين المذكورتين، ما اعتبره البعض نكسة إضافية تضاف إلى سلسلة النكسات التي تعرّض إليها “اتفاق معراب” في انتخابات جبل لبنان.