تعتبر مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، أن غبار الصخب السياسي والمواقف الرنانة الصادرة عن القيادات الحزبية، لم نعد قادرتان على التعمية على الحقائق التي أظهرتها صناديق الاقتراع البلدي والاختياري في مختلف المحافظات. فالارادة الشعبية التي لم ترضها بعض التحالفات السياسية المستجدة، سيما جمهور “ما تبقى” من قوى “14 اذار “وحلم ثورة الارز انتفضت على قياداتها في المناطق الكبرى وقالت “لا” لمن خذلوا حلمها وانخرطوا في ميدان تنازلات تكاد لا تنتهي، لم تقدم لهم اي مكسب.
وتؤكد ان واقعتي بيروت وطرابلس اثبتتا بما لا يرقى اليه شك ان جمهور “14 اذار “اصبح في واد وقياداتها في آخر، فالاول ما زال متمسكا بحلمه القائم على دولة “الحرية والسيادة والاستقلال” التي شكلت عنوان وعد قيادات انتفاضة الـ2005 للجمهور المليوني، فيما انغمس الثاني في لعبة المحاصصات والزواريب السياسية الضيقة، فراكم الخلافات بين مكوناته من دون ان يبادر للمعالجة على رغم مساع جبارة كان بذلها المنسق العام لقوى “14 اذار “فارس سعيد على مدى سنوات لرأب الصدع، وانكفأ كل مكون على ذاته بحثا عن اولوياته الخاصة الطائفية والحزبية حتى باتت حالة “14 اذار “عاجزة عن الالتقاء في مشهد واحد، ولئن كانت المناسبة ذكرى انطلاقتها كما حصل في آذار الفائت، واذا التقت فلتوجيه الرسائل وتبادل الاتهامات المغلفة والمنمّقة كما حصل في ذكرى 14 شباط بين الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
ولا يأخذ شعب “14 اذار “على قياداته ضرب حلمه في الصميم من خلال افتراقها في منتصف الطريق وعدم استثمار انتصاراتها فحسب، بل يذهب الى السؤال، كما تشير المصادر الى ما حققته من انجازات عبر الفرقة وفي شكل خاص الترشيحات الرئاسية لقطبي 8 آذار النائب ميشال عون والنائب سليمان فرنجية التي شكلت “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، حتى انها وعلى رغم الصفعة الموجعة التي سددتها للتحالف السيادي لم تتمكن من احداث خرق الحد الادنى في جدار تصلب قوى 8 آذار من خلال حمل المرشحين عون وفرنجية على تأمين نصاب جلسات الانتخابات الرئاسية التي بلغت الاربعين من دون طائل، فيما مايسترو تعطيل الجلسات المتلطي خلف مرشحه، حزب الله، يتفرج مسرورا على انفراط عقد التحالف السياسي المناهض ويستثمره الى اقصى حد. ويضيف الى تساؤلاته التي لا تجد جوابا يشفي غليله حول الاسباب التي قادت قياداته الى هذا الدرك من التنازلات، ايعقل الا يعي هؤلاء بعد كل ما جرى انهم خسروا كل اوراقهم، وان المزاج الشعبي لم يعد لمصلحتهم حتى الانتخابية ؟ ويضيفون ان مواقف وزير الداخلية نهاد المشنوق في مؤتمره الصحافي في ختام المراحل الانتخابية الاربع الاثنين الماضي لهي اكبر رسالة لهؤلاء ليعوا ما اقترفت ايديهم وما هم مقبلون عليه مستقبلا اذا لم يعودوا الى قواعدهم الشعبية المخذولة.
وتعتبر المصادر ان الاجتماعات التقويمية للقوى السياسية التي كانت حتى الامس القريب منضوية تحت لواء “14 آذار” لا بد الا ان تضيء على الخلل وتؤشر الى الهوة العميقة التي اسقطت نفسها فيها عنوة. فطرابلس امثولة للمستقبل والقبيات وتنورين نموذج للقوات، اما الكتائب التي يتطلع تفاهم معراب الى جذبها اليه، تبدو اكثر القارئين في قاموس المتغيرات تعتبر منه وتلتزم ثوابتها للبناء عليها مستقبلا.